الفصل الثالث :-
تلجلجت كافة خلاياها وشعرت بحروفها تفر فرًا من بين شفتاها، حتى أنها فتحت فمها وأغلقته عدة مرات في محاولة لإستحضار أي حروف كانت تجهزها، ولكن استحضارها لما كانت تستعد له بدا كتحضير احدى التعاويذ القوية والتي لا قدرة لها على مجابهتها...!
فرفع عمار حاجبه الأيسر يسألها:
-انتي راجعة عشان تسكتي تاني؟!
حينها هزت رأسها نافية، وأخيرًا قررت كلماتها العطف عليها فإنصاعت لها لتتحرر من بين شفتاها متقطعة بتوتر جلي:
-لأ، ده آآ.... بابا.... أصل بابا قالي ارجعي البيت وصمم إني ارجع النهاردة.
فسألها بنبرة فظة:
-ورجعتي بناءًا على إيه؟
فهزت كتفاها معًا وهي تجيب بقلة حيلة:
-معرفتش أرفض فرجعت.
للحظة خُيل له أنها ستعطيه بجوابها مفتاح لتلك الغرفة المُظلمة من الأكاذيب والصدمات التي تحبس كلاهما حتى إختنقا، ولكنها أذابت أمله كزبد البحر ما إن عادت لتتهرب من المواجهة المصيرية...!
فقلب عيناه وكأنه يحاول تكبيل شيطان الغضب الذي يجاهد ليخرج من بين جنح الجمود الظاهري، ثم خرج صوته أجش جاف:
-هتقعدي هنا اليومين الباقيين، وبعدها تيجي وتقوليلي، قبل اليومين دول وطول ما انا في البيت مش عايز أشوف وشك نهائي وكأنك مش هنا.
وما إن أنهى كلماته كاد يغادر ولكن جنة أوقفته وهي تقترب منه خطوتان حتى أصبحت أمامه على بُعد إنشات قليلة، ثم همست بصوت حمل شيئًا خافتًا من التوسل:
-عمار ممكن تسمعني لو سمحت.
توقف مكانه على مضض دون أن ينظر نحوها حتى، لتستطرد هي:
-حاول تفهمني أرجوك، أنا مش هقدر أقولك آآ.....
ولكن عمار بحركة مباغتة كان يضع يده على شفتاها يمنعها من استكمال ما تود قوله وقد تحرك بتلقائية ليحصر جسدها بين جسده المشدود بإنفعال والثلاجة من خلفها، لتهتز بارتجافة تلقائية لم تدوم كثيرًا ما إن أحست بملمس يده الخشنة ضد نعومة شفتاها، فالتقت نظراتهما في عتاب صامت.. فبدت نظراته رغم ضباب الغضب الأسود الذي يطوفها إلا أنها أحست للحظة بشيء من الألم متواري هناك خلف ذاك الضباب يتوسلها ألا تزيد من سيطرة ضباب الغضب على روحه...!
ليخرج صوته خشنًا بعنف مجنون:
-بلاش تقولي حاجة تزيد الفجوة بينا.
عيناها المتوسلة اللامعة بالدموع تسلطت على قلبه كالسهام تود التأثير فيه، ولكن جراحه النازفة كانت تغطي أي شعور او تأثير آخر.. فأبعد عيناه عنها ليتركها ثم غادر متوجهًا لغرفته دون كلمة اخرى...
تاركًا إياها تبكي من جديد وكأنها أصبحت لا تملك أي رد فعل سوى البكاء فقط.****
بعد فترة قليلة....
إنتهت " جنة " من إعداد الطعام بملامح شاحبة باهتة خالية من الروح، ووقفت أمامه في حيرة من أمرها، تتساءل هل تناديه لتناول الطعام ام سيفرغ فيها غضبه كعادته مؤخرًا ؟!..
ولكن ما إن تذكرت شحوب وجهه والإرهاق البادي على ملامحه والذي يخبرها أنه لا يهتم بطعام او نوم منذ ما حدث، جعل قلبها يقودها نحو غرفته بعد أن أعدت الطعام على صينية وأخذتها له، فتحت الباب لتجده مُمدد على الفراش مغمض العينان يُدلك جبهته بإرهاق واضح من قلة النوم... وبمجرد أن دخلت إنتصب ناهضًا ينظر لها بتحفز حاد،
فتنحنحت قبل أن تهتف بصوت متوتر:
-أنا حضرتلك الغدا أنت أكيد ما أكلتش حاجة من الصبح.
بدا غير مصدقًا وهو ينهض مقتربًا منها، وإلتوت شفتاه بابتسامة تصرخ بالتهكم والتعجب:
-انتي بجد!
عقدت ما بين حاجبيها في توجس:
-أنا عملت إيه دلوقتي يا عمار ؟
بلحظة إنقلبت ملامحه المتهكمة الغير مصدقة بأخرى باتت تعرفها جيدًا مؤخرًا... حادة كسن سيف وغاضبة حد الجنون، ثم ضرب الصينية التي تحملها لتسقط ارضًا ويُسكب الطعام ارضًا وقد لامس بعضه جسد جنة التي شهقت بألم، بينما هو يزمجر فيها بانفعال مفرط:
-هو انتي إيه معندكيش دم، مش حاسه بالنار اللي جوايا، قولتلك مش عايز اشوف وشك تقومي داخله جيبالي أكل.
تشنجت ملامحها بألم ومن ثم تشدقت بتلقائية دون تفكير فيما تنطق:
-أنا آآ.. يعني باين عليك إنك مأكلتش ومع ضغط الشغل ممكن تتعب مع قلة الأكل.
ليرفع هو حاجبه الأيسر بسخرية مريرة:
-قلبك عليا اوي!! وانتي في ايدك تريحيني بس مصممة تعذبيني وتكويني بأفكاري.
لتهز هي رأسها نافية بسرعة متسعة العينان وقد عادت الدموع لمقرها في عينيها، تدرك جيدًا أنه يُعاني بسببها... ولكن أن يصرح لها بهذا الشيء بل ويتهمها بتعمدها، جعلها تحس أن قبضة دامية تعتصر قلبها..!
فهمست باختناق تحاول التبرير:
-أنا آآ... أنا بس محبتش إنك تقعد كل ده من غير أكل وبرضو بسببي.
فصرخ فيها عمار مشيرًا نحو الباب:
-اطلعي برا، وإياكي تحتكي بيا في أي حاجة، إياكي.
جلست على ركبتيها ارضًا تلملم الطعام الملقي والأطباق في عجلة، حتى لسعتها سخونة الطعام المسكوب فشهقت بصوت مكتوم وهي تنفض يداها، وقد كان عمار يقف في اخر الغرفة ينظر لها بجمود بينما يضغط على قبضته بعنف يمنع نفسه من الركض وجذبها لأحضانه بقوة حتى تنكسر عظامها بين أحضانه...
أنت تقرأ
نوفيلا " وصمات بالجملة " بقلم/ رحمة سيد
Romanceنوفيلا خفيفة رومانسي اجتماعي " كاملة " ♥️🔥