05

106 5 2
                                    

بسم الله الرحمن


الفصل الخامس.


عرق،عرق كثير ينضح من وجنتيها المحمرتين بينما تتقلب وتتقلب بخوف في فراشها وسط الظلام،ظلام مهزوز،وغير متكامل،يتجمع في أركان الغرفة الأربع،تاركًا وسطها للون الرمادي الناتج عن اختلاط هذا الظلام مع الضوء الضئيل القادم من النافذة المكتومة بستارة ثقيلة ذات لون أزرق عميق يمتص النهار بقسوة.

مرت لحظات،توقفت البنت عن التقلب،وفجأة،قفزت من كابوسها المخيف إلى اليقظة،وفُتحت عيناها على العالم.رمشت بسرعة ،وجهت حدقتيها إلى الأمام بوجل،وما إن رأت النافذة،حتى اطمئنت لكمال خروجها من الكابوس الهائل.

شيئا فشيئا استعادت وتيرة تنفسها الطبيعية،وبينما تنهض ببطء،أخذ الكابوس،يمتثل بوضوح مروع في خيالها مبللا بماء الذاكرة،ومرة أخرى،كما في النوم تماما،انقبض قلبها،الخوف يجيء إليه،ويلعقه بلطخته القاتمة.

أسرعت آماليا،ومشت إلى النافذة لتزيح قماش الستارة بلهفة،وكأنها تطمع أن تزيح أشعة الشمس هذا الهول عن رأسها،انهار الظلام وانمسخ إلى ظلال ضئيلة،لكن الكابوس مازال يتكرر في رأسها بإصرار مميت.

اقتربت من زجاج النافذة حتى كاد أنفها يلتصق به،تأملت في السماء،من حسن حظها أن غرفتها من الغرف الأخيرة التي تطل نوافذها على ماخلف القصر،حيث يتسنى لها رؤية كل هذا الجمال أمام عينيها،الحديقة الواسعة المخضرة التي تمتد حتى حواف الجبل وتصعد فوقه لتتصل بأمها الغابة،والسماء الرائعة،لكن رغم هذا كله،الكابوس،مازال حيًا،مثل دوامة.

ابتعدت عن النافذة،وقصدت طريقها إلى الحمام بسرعة،لقد تذكرت للتو ما أنساها إياه هذا الكابوس المقيت،عليها أن تقضي مافاتها من الصلوات.


انتهت من الصلاة،نزعت خمارها بهدوء،ثم وقفت واتجهت إلى المرآة،لا شيء مميز،إنها الملامح الطبيعية لفتاة مراهقة تعيش حياة هانئة،وشبه خالية من المنغصات،وجه عار من أي مسحة خارجة عن المألوف،وجه يحسن التواطؤ،وينعم رغم مايوحي به من رقة أكيدة بقدرة هائلة على التقبل والمرح والهدوء.لكن لا،هذا ليس كل شيء،مازالت هناك للأسف لمحة أخرى،علامة تعكر كل هذا الوجود المتناسق،ندبة،مختبئة وراء خيوط الحرير الحمراء المنسدلة،أزاحت آماليا شعرها،وحدقت بوجل ويأس في الندبة،إنها لا تعرف،ولا تتذكر،مالذي أدّى لظهورها،لكن الجميع أخبرها واثقا كل الوثوق،بأن سببها هو "تلك السقطة الفظيعة والمؤلمة التي حصلت لها قبل سنة ونصف وفقدت على إثرها ذاكرتها ثم استعادتها مجددا". لقد صدقت زعمهم هذا،والذي زعموه عن يقين كما أخبروها،لكن رغم ذلك،مازال هناك إحساس في صدرها،يخبرها بأن ذلك لم يكن السبب،وإنما حصلت الندبة في وقت قبل هذه السقطة،بل إن هناك دلائل،تعتقد أنها إذا ما أيدت بالمزيد ستكون قاطعة وتنسف زعم عائلتها تماما،مثلا،إنها عندما سقطت من الدرج،وقعت على السجاد بالطبع،بل إن الدرج كله كان مكسوا بالسجاد،وليس في الدرابزين أية زوائد معدنية حادة يحتمل أن تشق جلدها إذا ما اصطدمت بها،ومما يريبها أيضا،إصرارهم الشديد على إسكاتها وإقناعها فور أن تجرأت وأخبرتهم بأنها لا تتذكر بأنها اصطدمت بأداة حادة،بل ولقد شككوا في وعيها ذلك الوقت متحججين بالربكة التي تصيب أي شخص عندما يتعثر ويسقط،وكانت ستسمر بتصديقهم،لولا أنها رأت بعينيها مكان سقطتها مئات المرات.أجل،لقد أقلقها أمر هذه الندبة وقتًا طويلا،لكنها استسلمت في النهاية،لقد وجدت الندبة وانتهى الأمر،مالذي سيفيدها من البحث وراء سببها،وكأن ذلك سيكشف لها عن حقيقة مصيرية،أو سيمحي الندبة مثلا !

العَجَلة الدّوّارَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن