إقترب منها أمير و على صوت دقات القلوب ليعلو على صوت الخوف . كانت له نغمة تعلن ميلاد شئ جديد . إكتفا الإثنان بالصمت و الإستماع إلى هذا النغم الفريد بداخلهم .
كان إقترابه منها ليحمل عنها حملها لكن هذا الإقتراب كان له أثر كبير فقد شعر كلا منهم بالأمان .
حمل معها حملها و أرشدها إلى الطريق ليخرجا معا من الغابة و تنطلق معه إلى أهلها و الكوخ الصغير . و عندما وصلا الى القرب من الكوخ . خرج إخواتها الصغار يركضون إليها فى فرح كبير . ولكن عيونهم لا تخلو من التساؤل عن هذا الغريب . قبلت يد أمها و رأس أباها المريض . فتبسم لها برقة و حنان فهو لقدومها سعيد . فهى إبنته و ذراعه اليمين و عكازه فى الحياة . و حبيبة قلبه الحزين على حالها من سنين . فقد أقعده المرض عن العمل و تلبيه حاجات أسرته لتكون له هى خير معين . فأبناءه من الفتيان سريعا ما كانوا يغادون للبحث عن حياة جديدة تاركين أسرتهم و حملها هروبا مت تحمل مسؤلية و أعباء الحياة . إلا أن الله قد عوضه بنسمه قلبه العليل تداوى همه ولا تتركه إلا سعيد . لكن الأيام تمضى سريعا و قد أتت إليه بفارس بزى أمير فهل استسلم قلبها العنيد . هل يفرح أم يحزن و هل يكون لها من الداعمين .
كانت نسمة تلمح كل تلك الأسئلة المحبوس بالعيون و كأن خوفهم أن تكون إجباتها نعم و تكون لهم من التاركين فخافت أن تزداد حيرتهم فصارحتهم بالحقيقة و بإتفاقها معه أن ترشده إلى الطريق .
فرحة و حزن إجتاحت الجميع . فرحة بأنها ستبقى معهم وحزن أن قلبها سيبقى وحيدا الى حين . جلست معهم تعد و تهيأ ما جلبته و تساعد أمها بتجهيز الطعام ليروى أمير حكايته لوالدها و الذى إستشهر نحوه بالطيبة و الأمان و طلب منه أن ترافقه لترشده و تؤنسه بالطريق . فوافق لما تلمسه من صدق بحديثه و شعوره بأنه رجل أمين .
وجلس أمير معهم لتناول الطعام و شعر بداخله شعور قد هجره من سنين و كاد أن يطوى مع النسيان وشعور بالعائلة و الإنتماء . إن الراحة التى رأها بعيونهم و ملامحهم رغم ضيق الحال . و الأمان الذى وصله من دفأ مشاعرهم المملوءه بالحنان . إنهم أسرة سعيدة رغم ما بداخلهم من أحزان يحاولون إخفائها لكنها تصاحب حتى أنفاسهم . يشعرونك بالطمأنينه لان قلوبهم تخلو من الغدر و الحقد و الخداع . قلوبهم تنطق قبل ألسنتهم فيالهم من أبرياء . حياتهم بسيطة خالية من التعقيدات هكذا تظن تظن لإبتسامتهم التى تخفى الأحزان فقد توالت عليهم خيبات الأمل من أقرب الأقربين . فقد تخلو عنهم و تركوهم وحيدين . جمعهم طعام بسيط إلا ان من يتذوقه يشعر بمذاق فريد . وهنا أدرك أمير أن مع الماء و الخضره و الوجه الحسن سيكمل الطريق .
بدأت الرحلة و أولى الخطوات على الطريق . بعد أن ودعت نسمة أسرتها ذهبت معه فى الطريق . تعلم أنها تجربه لكن إن لم تنتبه جيدا ستخسر معها الكثير ليس لإنه شخص سئ . و لكن لان قلبها برئ . و رغم براءته أعلن عن تمرد بدقاته و أرتفع صوته الرقيق بأنغام أجمل من الموسيقى . تسحر من يسمعها لتأخذه لعالم بعيد . ستحاول أن تنهى الرحلة سريعا لعلها تصل إلى بر الأمان و تريح عقلها من الضجيج . أما هو فكان بعالم أخر يملأه الأفكار و الهموم التى تصل للأحزان . بعد أن قرر الهرب من كل شئ ها هو يعود إلى تلك الحياة من جديد . كان من أول خطواته بالحياة و إن لم يكن لحظة الميلاد مسؤلا عن العديد من الأشياء فهو الكبير و الأخ و الصديق و رجل المهام الصعبة كما يطلقون عليه . هو الفارس و المحارب من يمنح الأمان للجميع و برغم كل ذلك تكبد الكثير من عناء الوحدة التى أخذت من عمره فى طفولته و الشباب . هل هو حقا يريد تلك الرحلة . يريد أن يعود لتلك الحياة بما فيها من ضوضاء يملأها الكذب و الخداع و الأغاليط فقد قتل بيد أقرب الأقربين . لم يكن يسعى لإمتلاك شئ إنما هى واجباته التى فرضت عليه و لم يكن أمامه إلا التنفيذ . يعلم أنها لن يصل الى العرش و لن يتخذ له سبيل لكن سيحاول إيجاد مكانه فهذا حقه . يا الله ما كل هذا الصراع فلتنجدنى يا سميع يا كريم .
كان الصراع بداخله كبير كصرخات مارد بسجن بعيد لا يسمع صوته إنس ولا جان ولا يظهر لقريب أو بعيد بكل خطوة يخطوها يتمنى لو يتراجع لكن ليس أمامه سوى إكمال المسير . تمنى أن يصرخ بوجعه إليها و لكن من هى ليست إلا رفيقته بالطريق . يخاف أن يأمن لها فتزيد من جرح قلبه الذى رغم كل تلك الأشجان مازال أيضا برئ . سيمضى معها و الأيام كفيلة أن تثبت أمامه ما تريد .
كانت بداية الطريق لحظات من صمت طويل كل منهما يساق الى الأخر و لكن بحذر شديد . و عبروا الجسر سويا و ظهرت أمامهم معالم الطريق . و كان دورها أن ترشده و تمسك بيده لعلها فى يوم تستند إلى هذا الفارس ليكمل بها هو الطريق . كانت الشمس تحذرهم بإختفائها فى القريب فلابد أن يجدوا مأوى يحميهم من ظلام الليل . فدلته على قرية صغيرة قريبة منهم كان يعرفها هو أيضا فقد زارها منذ زمن ليس بالبعيد . كان أهلها يجتمعون قبل المساء بساحة بوسط القرية يجهزون لسهرة بالهواء العليل . الكل يعمل من يجمع الحطب ليشعل النار . من يصنع الطعام و من يلتقط الثمار . كانوا كأسرة كبيرة متفاهمين حتى و إن لم يكن بينهم أصل واحد . فقد أتوا من أطراف العالم ساعيين . لكل منهم دينه و مذهبه لكن يجمع بينهم ود و تقارب و إنتماء للأرض و الطين . يتناغمون كجملة موسيقية بأوتار من حنين . فأقبل عليهم كلا من نسمة و أمير فرحبوا بهم و دعوهم للبقاء معهم فهم يرحبون دائما بعابرى السبيل و سيتقاسمون معهم الطعام و الشراب و ينضمون لهم ساهرين .
ويأتى الليل بهواء ساهر عليل تزينت السماء بالنجوم كاللؤلؤ المنثور و ظهر القمر حسيسا و كأن الخجل يملأه من كل هذا الحضور . ولكنه أقسم أن ينير لهم و سيكون معهم من الحضور . أما أمير فقد عاد الى سابق عهده أميرا وسط الجميع . كان الكل ينصت الى حديثه و أرائه و كلامه السديد . الكل يعجب بعقله و رجاحة رأيه فهو يعلم عن أمور البشر الكثير و الكثير و تصاعد الهتاف من حوله و هو يقص عليهم نزاله بأحد الحروب و ثباته بين المحاربين . إزدادت بالعيون لمعة فخر و إعتزاز به من الجميع . و إرتفعت منزلة الإعجاب من بعض الجالسين . مجموعه من الفتيات و الإناث مجتمعين الكل ينظر الى هذا الأمير و الفارس الجميل الكل يحلم بفرصه تجعلهم يركبون معه الفرص الأبيض ليأخذهم على القصر العظيم .
كانت هى من بينهم تستمع إليه و يأخذها الإعجاب لكنها كانت ترى من بين كلماته الأنين . صوت خفى لم يسمعه غيرها فهى تعلم هذا الصوت الذى صاحبها من سنين . تبتسم و بداخلها دمعة حزن و كسرة فؤاد حزين . تعلم أنه يحاول مداواة جرحه و نسيانه وسط هذا الجمع الكبير . لكن لما تشعر بتلك الغصة تأكلها و تدق على قلبها بين الحين و الحين . أهى غيرة . ماذا غيرة من أين أتت . نعم إنه قال رفيقة دربه من إستأمنها على روحه . من جمع بينهم القدر بالعابة الموحشة . لكن لم يصرح لها بأن هناك شئ بقلبه فمن أين أتت الغيرة أهو حب وليد .