بلعت دوركاس ريقها، وتحركت ببُطء للوراء مُستغلة عدم انتباهه. لمست البابَ من وراءِها، ونَوَت إطلاق رِجْلَيْها للريح فور ما أن تصل عتبة المعبد. لكن قبل أن تفعل شيئًا من ذلك، دخل القُطيْط الأسودُ، ثم اتجه نحو الداخل. حاولت الإمساك به لكنها لم تنجح. فعلقت بِهِ نظراتِها خِشية عليهِ، وهو يصعد الدرجاتِ الثلاث، ثم يتسلق التابوت، ويجلس بجانب ذلك المخلوق.
فتحَت فمها من الصدمة، وقررت إكمال مُخططها للعودةِ. لكن الأوان رُبما قد فات على ذلك، فاللحن توقف كما بدأ، والمخلوق فتح ذراعيه ورفعهما نحو الأعلى. اليد الأولى تُمسك بالناي، واليد اليسرى مبسوطةٌ أصابعها عن آخرِها. فجأة، رسم على وجهه ابتسامة واسعة، ثم فتح عينيه الفارغتين من أي بؤبؤ، واللتان تنظران مُباشرة نحو دوركاس.
حول نظره عنها بعد لحظات كي يمسك بالقُطيط ويقف على التابوت قائلا بِطفولية:
- لقد انتظرتُك لثلاثة وسبعين سنة، وحدي هُنا لِثلاثة وسبعين سنة يا أَليكا!
واستِغرابًا من المشهد، أمسكت دوركاس صدرها مُتسائلة متى ينتهي هذا الحُلم مع أنها متأكدة أنه ليس كذلك.
ماء القُطيط الأسود، فصرخ المخلوق وهو ينزِل من التابوت دون أن يحيد عنه ناظريه:
- إنك تستهين بمسؤولياتك، كيف تجرؤ وتخبرني أنك قد أضعت الطريق؟
ماء القُطيط ثانيةً، ثم ماء ثالثة ً، فوضعه المخلوق بلطفٍ على التابوت وأدار وجهه نحو دوركاس.
في لمحِ البصر، اختفى المخلوق وظهر أمامها مباشرةً. توقفت عن التنفس، ولم تستطع تحريك أي مفصل من شدة الرعب. كان ينظر إلى عينيها بعمق، ثم أصبح يتصفحها من أعلاها إلى أسفلها بعينين مُتسائلتين، والتي تَوضح لدوركاس أنهما تُخفِيان بؤبؤين أبيضين لا يُرانِ من بعيد.
اختفى ثانية ثم ظهر أمام القُطيطِ مُولياً ظهره، الذي كان جزءٌ منه متحجراً، لدوركاس. أشار بسبابته ذي الظفر الأزرق الطويل نحوها ثم سأل:
- إنها ليست سيسيليا..
ثم أمسك بذقنه وتابع:
- رغم أنها تُشبهها كثيراً، صحيح؟
ظهر ثانية أمامها وسألها:
- هل أنتِ سيسيليا؟
ترددت دوركاس فسألها مرة أًخرى دون أن تُمنح الفرصة للجواب على السؤال السابق:
- هل تعرفين سيسيليا؟
حركت رأسها نافيةً، ثم استجمعت شجاعتها كي يكون لها الدور للسؤال هذه المرة:
- لا أعرِف شيئًا.. من أنت؟
عبس المخلوق فنزل شعره الذي كان يتطاير على مرفقيهِ. عاد إلى مكانِ القُطيط فتطاير شعره ثانيةً وازدادت هالته ثم وبخه قائلًا:
أنت تقرأ
هاولفي، حارس المعبد
Fantastikجدةٌ قديمة، تُرسل حفيدتها كي تتبع خطاها التي خَطَت في زمانِها. لِتصِل إلى الغابة التي حُظرت عليها.. كي تُقاد إلى اللامكان، إلى معبدٍ تناوله الغبار، بُنِي منذ ما وراء الزمان.. وتجِدَهُ هناك، بعينيه الفارغتين.. كي تحتار، بين الشر والخير، وبين المغامر...