قصة قصيرة
إندفاع الأم
بقلم/شروق محمد
لا شيء أسوأ من اعتياد القسوة.
لعلّ الأحجار تدركُ أشكالاً أشدّ قسوة لوجودنا.
البكاء في الدّاخل أشدّ قسوة وألماً من بكاء العين، فكثير من الأشخاص تبكي قلوبهم في صمت وعيونهم هادئة.
--------------
بدأت تتجمع العبرات بمقلتيه وهو يناظرها بإستعطاف كي تستمع له دون أن تحكم عليه بالخطأ والعقاب ككل مرة، ولكن من دون فائدة؛ فقد طال كفها وجنته التي أصبحت ملتهبة الآن من شدة الصفعة التي تلقاها على يدِ من يجب أن تكون "والدته"
وقع مازن علي الأرض والدموع ملئت وجهه وبدأ يحدث نفسه قائلا:
دي ام دي إلي المفروض يكون جواها حنان يكفي كون بأكمله بس للأسف مافيش في قلبها حب ولا رحمه، ليه دايما متسرعه وتحكم عليا بعصبيه، انا مااعرفش معني الحنيه انا فقدت الحنيه من امي، نفسي تكون حنينه عليا، نفسي تقرب مني، نفسي تتكلم معايا، بكلم نفسي كتير هيا ليه عصبيه كده، ليه مابتحضنيش، ليه مابتهزرش معايا مع ان افعالي مافيهاش أي غلط، لازم اقعد معاها واسألها انا طفل ومحتاج قرب امي ليا
ذهب مازن ليتحدث مع والدته وبدأ يبحث عنها ليجدها في غرفتها طرق الباب وأجابته والدته وسمحت له بالدخول "
اردفت سناء بتساؤل:
في ايه يامازن عرفت غلطك وجاي تتأسف
أردف مازن بحزن قائلا:
انا ماعملتش حاجه ياماما صدقيني
قالت سناء بصرامة وحزم:
انت كمان بتكدب، انت مش محترم، وانا عارفه هعاقبك ازاي ياله اتفضل علي اوضتك
أجهش مازن بالبكاء وقال:
ماما لو سمحتي اسمعيني
صرخت بأعلي صوت:
لأ اتفضل
"خرج مازن من غرفة والدته وهو حزين وغاضب من والدته وترك البيت بأكمله وذهب وهو لا يعرف ماذا يفعل
------------
مازن طفل ذو بشره بيضاء، يملك عيون بُنيه، ويبلغ من العمر 10أعوام ليس لديه أقارب سوا والدته وليس له أشقاء)
( سناء رأفت والدة مازن تبلغ من العمر 32عام، تملك بشره بيضاء وعيون بُنيه، توفي زوجها في حادث سيارة)
وبعد ساعات خرجت سناء من غرفتها لكي تعاقب ولدها علي شيء لم يفعله
كاد الشر يتطاير من عيناها قائله:
مازن مازن انت فين
حدثت نفسها قائله:
هو مش بيرد عليا ليه
وبدأت الأم تبحث عن ولدها ولا تجده في المنزل وجن جنونها، جلست علي اقرب اريكه وهيا تبكي وتصرخ وتتحدث مع نفسها
مازن انت روحت فين حبيبي، حبيبي انا عارفه اني كنت قاسيه معاك، ياتري انت فين وروحت فين انا ليه دايما متسرعه ومتعصبه كده، ليه مابسمعش ليك هو دايما الانسان مابيحسش بقيمة الحاجه غير لما تضيع منه، مازن حببيبي لازم اقوم ادور عليه وماعتش هتعصب تاني ابدا، ولازم اسمع ليه؛ لازم أدي مساحه ليه يدافع عن نفسه، ويكون بينا حوار، لازم الواحد يعترف بغلطه ومايجدلش فيه ويتعلم منه
ذهبت الام لتبحث عن فلذت كبدها وتدعي ربها ان تجد ولدها
-----------------
في المساء
ظل مازن يركض وهو ويبكي ويتألم من الظلم حتي وجد مسجد وهَم بالدخول اِليه، جلس ليتحدث مع ربه، مع انه صغير السن إلا انه قريب من ربه نظر اِليه رجل كبير في السن وجده يبكي قام الرجل وذهب للطفل ليتحدث معه"
أردف عم محمد قائلا:
مالك ياولدي بتبكي لي
أجاب مازن قائلا:
الحمد لله مافيش حاجه شكرا لحضرتك
عم محمد:
قول حبيبي انت زي ابني مالك، احيانا الواحد بيعوز حد غريب يتكلم معاه قول انا سامعك
أجهش مازن بالبكاء وقال:
امي؛ دايما متسرعه في الغضب، ومتسرعه في الظلم والحكم عليا، وربنا شاهد اني برئ، انا اه صغير بس فاهم كل حاجه روحت عشان اتكلم واقؤلها ليه انتي مش حنينه عليا برضه كلمتني بعصبيه، وتسرعت وقالت روح اوضتك وانا هعاقبك، والله شاهد اني مابعملش حاجه، انا بحبها اوووي وعاوزها هيا كمان تحبني
قال له متفاخراً:
تعرف انت جميل اوووي من جواك، واكيد ماما تعبانه او زعلانه من حاجه، استحملها دا رسولنا الكريم وصانا عليها، والجنه تحت اقدام الأمهات، هقؤلك علي حاجه بسيطه؛ ذهب رجل لرسول الله وقال له من احق بصحبتي يارسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امك، قال ثم من قال امك، قال ثم من قال امك، قال ثم من قال ابوك، قال يارسول الله ليه قلت الام ثلاث مرات والاب مره واحده؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأم التي حملت وولدت ورضعت صدق رسول الله، معلش حبيبي لما والدتك تصمم انك غلط قولها حاضر انا فعلا غلط سامحيني تعرف انت كدا رضيتها وربنا هيراضيك برضا الوالدين، وماشاء الله عليك ولد جميل ربنا يباركلك ياابني.
نهض مازن وشكر الرجل كثيراً وذهب إلى المنزل وهو يفكر في الحديث الذي استمعه، وحدث نفسه قائلا:
انا لازم استحمل امي ولما تهدى هبدأ اقولها اني محتاج حبها وحنانها ليا، لازم اسمع كلام رسولي
دلف مازن إلى المنزل وهو عازم على إصلاح الأمر مع والدته ولكنه لم يجدها، فقرر ان يجلس في غرفته لينتظرها
--------------
"ظلت الام تبحث عن ولدها ولم تجده، وقلبها يؤلمها لأنها تسرعت في غضبها ووعدت نفسها ان لا تغضب ثانياً، وأن تعطيه فرصه ليدافع عن نفسه، وبعد ذلك قررت الذهاب للمنزل على أمل ان يكون عاود مره أخرى إليه.
سمع مازن باب المنزل نهض وخرج من غرفته ليجد والدته ركض إليها وقام بإحتضانها واردف قائلا:
انا اسف ياماما انتي عندك حق انا غلطان بعد كدا هشوف ايه الصح وهعمله
"احتضنت سناء ولدها وهي تبكي وتتألم، وحدثت نفسها قائله:
الحمد لله يارب انه بخير ومارحش في مكان بعيد ورجعلي تاني شكراً يارب.
أردفت سناء بحنان اموي قائله:
حقك عليا حبيبي انا الي اسفه بعد كدا لازم اسمعك ونتكلم ونتناقش سامحني
قال مازن بحب:
لا ياامي سامحيني انتي، بس كل طلبي انك تكوني حنينه عليا وتضميني محتاج لضمتك ياامي
أحتضنت سناء ولدها بحب، وابتسم مازن لها وتنهد بإرتياح، وظلو هكذا وقت كثيراً لأن الأم اكتشفت انها تحتاج لهذا الحضن وليس ولدها
-------------
بكِ يا أمّي أستطيع أن أعرف الله وأرى الجنّة.
لن أسميكِ أمي، سأسميكِ كلّ شيء.
تستطيع أن تشتري كلّ شيء إلّا الوالدين.
قلب الأم هو مدرسة الولد.
الأم هي السحر والممر للعبور إلى الجنة.