الفصل الأول

132K 2K 110
                                    

في صباحٍ هادئٍ بأحد الأحياء الشعبية في مدينة الإسكندرية، وفي منزلٍ يفيض بالبَسَاطة، جلست فتاةٌ تُدعى "سيلين" على فراشها، تتوسد بقايا أحلامٍ ضاعت، بينما ارتسم الحزن على ملامحها الجميلة كان في عينيها بريق ألمٍ عميق، يُنبئ عن معاناةٍ لا تزال تَجثُم على صدرها أطلقت تنهيدةً ثقيلة، وكأنها تُحاول التخفيف من وطأة مشاعر الندم التي كانت تلتهم قلبها بلا رحمة.

أخذت أفكارها تتقاذفها، تتمنى لو أتيح لها أن تُعيد عقارب الزمن إلى الوراء، لتُصلح ما كُسر لكن، وكما تُدرك، الزمن لا يَرحم ولا يعود.

قطع "سيلين" من شرودها صوتُ باب غرفتها وهو يُفتح بعنفٍ مُفزع وقفت والدتها"سميحة" والغضب يشتعل في عينيها، وقالت بحدة :
إنتي قاعدة كده ليه؟لا شغلة ولا مشغلة مش كفاية الكلام اللي بنسمعه من اللي يسوى واللي ما يسواش، يا هانم

رفعت "سيلين" رأسها بصعوبة، وكأن كلمات والدتها كانت سكاكين تنهال عليها فقالت بصوتٍ مكسور، محاولة الدفاع عن نفسها :
محدش له عندنا حاجة، يا ماما...أنا مش أول ولا آخر واحدة تتطلق

لكن كلماتها زادت من اشعال غضب والدتها، التي ردت بقسوة:
بسببك عمتك كل شوية ترمي بالكلام علينا وتقول اتجوزت سنة واتطلقت وزمان خالتك كمان شمتانة فينا من يوم ما رفضتي ابنها اللي مفيش بنت ترفضه، كان شاريكي لكن إنتي روحتي مسكتي في واحد ضايع وصايع و النتيجة طلقك وبهدلك معاه وابقى قابليني لو حد فكر يعبرك أو يجي يتقدملك تاني!

ثم استدارت وألقت على ابنتها نظرةً قاسية قبل أن تُغادر الغرفة، مُغلقة الباب خلفها بعنف كانت تتمتم بسبابٍ لاذع، وكأنها تُلقي بجمرةٍ أخرى على جرح ابنتها المفتوح

أما "سيلين" فقد غطّت وجهها بكفيها وهي تُطلق نحيبًا مريرًا كانت دموعها الساخنة تتسلل بين أصابعها لتبلل فراشها فإذا كانت أمها التي تُفترض أن تكون ملاذها تُلقي عليها تلك الكلمات القاسية، فماذا تركت للغريب؟

كانت الغرفة تفيض بالصمت، لكن داخِل سيلين، كان الإعصار لا يزال يَعصف.
*******
في أحد الأحياء الراقية، كان منزل اللواء "عاصم الشريف" يتلألأ بأناقته، يعكس حياة من النظام والرفاهية في إحدى الغرف التي تتميز بجمالها وأناقتها الفائقة خرجت "همس" فتاة في مقتبل العمر من غرفة الملابس بعد أن ارتدت زيها بعناية التقطت حقيبتها ثم شرعت في النزول على درجات السلم بخفة، تدندن بصوت عذب جميل.

في الطابق السفلي، كان والدها اللواء "عاصم" يجلس على رأس المائدة، بملامح صارمة تخفي خلفها دفء الأبوة على يمينه جلست والدتها "هبة" وهي تتابع إعداد الإفطار اقتربت "همس" منهما قائلة بمرح :
صباح الورد والفل والياسمين على عيونك يا عصوم واحشني والله.

ابتسم عاصم بحنان ورد بنبرة تجمع بين الجدية والدعابة :
بطلي بكش، واقعدي افطري.

رواية بعينيكِ أسير بقلمي شهد الشورىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن