أمل بعد يأس

25 1 1
                                    

"امل بعد يأس"

خطي بقدميه إلي داخل هذا المبني السكني القديم نوعاً ما في أحد الأحياء المتوسطة في محافظة القاهرة...استقبله ابن أخيه الصغير هاتفاً: اتأخرت كدة ليه يا عمو
أجابه وهو يقبل وجنتيه : كان ورايا مشوار
همس الصغير في أُذنيه قائلاً: تيتا كانت بتزعق مع طنط سارة
زَفر أنفاسه حانقاً وهو ينزل الصغير ويُتمتم، ثم طرق علي باب شقة أبويه وهو يحاول أن يُظهر الثبات حتي سَمِع صوت زوجة أخيه قادماً من الداخل : مين
رد قائلاً بنفاذ صبر: أنا يا مرات اخويا
فتحت الباب وهي تتفنن في رسم ابتسامتها: أهلاً يا محمود انت لسة جاي
هم أن يُجاوبها ولكن سبقه صوت والدته الحاد : تلاقيك جاي من بدري وقاعد جمب مراتك فوق وبتمثل انك لسة جاي
لم يستطع التحكم بأعصابه وهتف: هو أنا كل ما أدخل البيت ألاقي النكد دا ورحمة أبويا لسة جاي
كادت والدته أن تتراجع فى نبرتها الحادة ولكن كيف وتِلك الحية "نِهال" زوجه أخيه الأكبر "مصطفي" الذي يعمل بالخارج فى إحدى دول الخليج وترك زوجته وولديه في شقتهما في الطابق الذي يلي شقة والديه تحت رعاية وأنظار أُمه وأخيه...
زادت الموقف اشتعالاً وهي تصيح : بالراحة علي امك يا محمود
نظر لها بحنق وسب بداخله بإحدى الشتائم فما كان الأمر ينقصها أخرجه من حنقه صوت والدته الباكي وهي تقول: طبعاً تلاقيها اشتكتلك وزي كل مرة هتيجي علي امك.. فينك يا مصطفي قطعت بيا يا حبيبي، فينك يا ابو مصطفي تيجي تشوف مراتك علي اخر الزمن ابنك بيعلي صوته عليا
استغفر داخله واقترب منها رويداً ثم قبل رأسها وهو يقول : مقدرش يا ماما والله حقك عليا مع إني والله ما كلمت سارة ولا أعرف حصل ايه ردت والدته : مراتك مش عايزة تخدمني ولا تساعد مرات اخوك
زفر قائلاً : حقك عليا انا يا ماما
امه بحنق : مش كفاية انها مش عارفة تجيبلي حفيد.. ثم قالت ببكاء : انا نفسي اشوف عيالك يا محمود
قبل رأسها مرة أخرى محاولاً تجاوز هذا الموضوع الذي أصبح حديث والدته الدائم في الآونة الأخيرة ثم قال: احنا اللي هنعيده هنزيده في الموضوع دا يا ماما؟! روحنا عند دكتور واتنين وعشرة وكلهم قالوا نفس الكلام، الحكاية وقت مش أكتر ادعيلنا انتي
ردت امه ببكاء وحنق اكبر: وانا خلاص رجلي والقبر هستني اكتر من كدة ايه عشان افرح بعيالك
قام محمود بعصبية وهو يقول : انتي عارفة اني مبحبش الكلام دا، ربنا يطولنا ف عمرك يا أمي... انا طالع
ظلت والدته تتمتم خلفه قائلة: طبعاً منا كلامي زي السم علي قلبك، اطلع يا حبيبي للي ممشياك علي كيفها
وصلت لأذنيه تلك الكلمات فقام بصفع الباب من خلفه، واكمل طريقه صاعداً للأعلى ماراً بشقة أخيه حتى وصل إلى شقته في الطابق الذي يليها..


استمعت لصوت باب شقتها يُغلق بعصبية فأغمضت عينيها بشدة تتظاهر بالنوم غافلة عن دموعها التي تجري علي وجنتيها دليلاً علي استيقاظها... استشعرت أُذنيها صوت خطواته القادمة نحو غرفتهم ومع كل خطوة تصل لها تزداد وتيرة أنفاسها ودقات قلبها وتشتعل دموعها على حالها وحياتها، أرعبها صوته العالي وهو يهتف: ما تبطلي التمثيل وحركات العيال دي
لم يُسعفها لسانها في قوة الرد، وخانتها شجاعتها لينتصر ضعفها وتظل صامته مما آثار حنقه ظناً منه انها تتجاهله فجذبها عنوة من زراعها حتي صرخت برعب من عنفه وفتحت بؤبؤ عينيها لِتُصدم بملامح وجهه الحادة وانفاسه العالية التي تحرق بشرتها دلالة علي غضبه.. انتبهت علي صوته وهو يقول: قومي حضريلي أكل أنا جعان
هزت رأسها بوهن واتجهت للمطبخ وهي تجر جسدها جراً من تلك الآلام النفسية التي جعلتها تشعُر وكأنها عجوزٌ واهنة علي الرغم من ريعان شبابها وجمالها...
انتهت من تحضير الطعام ووضعته علي المائدة ونادته بصوتها الضعيف العالق به أثر البكاء قائلة: الاكل جهز يا محمود
اقترب منها مُمسكاً يديها في صمت، وتحرك بها نحو المائِدة ثم ترك يديها ليجلس ففهمت هي دعوته الصامته لمشاركته الطعام، جلست بصمت فهي في غِني عن أي جِدال.

مرت الساعات حتي داعب النوم جفونه، فاتجه دون كلام إلى فراشه تحت نظراتها المقهورة علي حالتها فهو لم يكلف نفسه حتي عناء السؤال، لم تجد في عينيه سوي الهروب واللامبالاة وكأنها قطعة اساس في هذا المنزل بلا مشاعر بلا وجود.. استنتجت انه قد يكون تحدث مع والدته فأخبرته بشئ جعله غاضباً منها، وكم تمنت ان يكون هذا صحيحاً رغم انه يُأذيها، ولكن أهون عِندها من تجاهُله الغريب القاتل لروحها هذا..
حركتها قدميها دون شعور.. لالا بل حركتها كسرتها، خيبة أملها.. هزته في كتفه بعصبية وهي تصرخ : هو انا مش عايشة معاك
اجابها ببرود: انا عايز اتخمد ،أجلي أي رغي لما افوق
ابتلعت مرارة كلماته في حلقها وهي تجيب : رغي؟! انت حتى متعرفش ايه اللي حصل ولا سألتني مالك
قاطعها قائلاً: ومش عايز اعرف
هتفت بقهر : طلقني
نظر لها باستخفاف ولم يُجب
هتفت هذه المرة بصوت هادر: انا مش هقعد معاك ثانية واحدة ،انا رايحة بيت اهلي وورقتي توصلي
اعتدل في جلسته قائماً وهو يتجه نحوها بعصبية قائلاً: سمعيني بتقولي ايه
ردت بقوة لا تعلم مصدرها وهي تقف أمامه وعينيها لاتحيد عن عينيه: لا سمعت ولو مسمعتش اسمعك تانى طلقني بقولك
كان الرد تلك المرة صفعة مُدوية هبط بها علي وجنتها الحمراء بفعل البكاء ليزداد احمرارها بصفعته تلك ويتسرب خيط رفيع يقطُر دماً من شفتيها أثر صفعته.. لم تشعُر بألم وجنتها أو حتى شفتيها لم تشعُر سوي بوغزات ذلك القابع خلف قفصها الصدري، وأتى كلامه مُدمراً بقاياها وهو يهتف : إن كانت أمي بتسكتلك علي قلة أدبك ف أنا هربيكي
هتفت بقهر: مامتك بتسكت؟!
رد قائلاً: وحتي لو مسكتتش صوتك ميعلاش
تحجرت الدموع في عينيها وأجابت بثبات لا تعلم من أين أتاها: طلقني يا محمود
رد ببرود: مش هطلقك وأعلي ما في خيلك اركبيه
هتفت بنفس الثبات: ليا أهل يردوا عليك
رد بسخرية : لو ليكى أهل كانوا عرفوا يربوكي
نظرت له باحتقار وغادرت الغرفة تحت أنظاره، مُتجهة لغرفة اخري كانت من المفترض أن تكون غرفة أطفالهم ولكن لم يُنعم الله عليهم بعد...
رآها وهى تغلق باب الغرفة فصاح قائلاً: داخلة تستخبي ف اوضة العيال اللي انتي مش عارفة تجيبيهم، انتي تحمدي ربنا اني لسة مطلقتكيش لحد دلوقتي وراضي بيكي.. واحدة غيرك مكانش حد سمعلها صوت

استندت علي باب الغرفة بوهن وخانتها قدميها لتسقط وتسقط معها دموعها حسرةً علي حالها وحياتها وزوجها!!
زوجها الذي من المفترض أن يكون مصدر أمانها، ولكن هي لم تنعم بالحنان يوماً، لم تجد منه الإنصاف يوماً.. تعلم انها مُخطئة لسكوتها لخوفها علي صورته، صورته التي تفننت في رسمها بإتقان أمام والديها، اخوتها، أصدقائها وحتى أمام نفسها لِتتحَمل.. ولكن إلي متى.. الي متي ستدفع ثمن شئ لا تعرفه شئ ليس بيدها وحدها... يُعاتبها وكأنها المُذنبة وكأنها صاحبة القرار وكأنها من حرمته بل حرمت نفسها من نعمة وجود صِغارها
خمسة أعوام.. مضت مُنذ زواجها ومُنذ بداية اليوم الأول لم تجد لحياتها معه سرها، فكم كانت حياتهم علي الملأ أمام والدته في كل الأمور كبيرة كانت او صغيرة، لم تطالبه بعصيان والدته، لم تطالبه بشئ من الأساس كل ما ترجته وأملته أن يصون كرامتها..تلك التي أُهدِرت أمام عائلته مُنذ اقترانها بهم وليس به نعم هي اقترنت بعائلته جميعاً وكأنها تزوجت والدته وزوجة أخيه وليس هو فقط ...



استيقظت ف اليوم التالي بنشاط يُناقد تلك الليلة القاسية كسابق لياليها خرجت من غرفتها واستمعت لصوت المياه المنهمرة فعلمت انه يستحم، ابتسمت بسخرية وعزمت علي تنفيذ ما بداخلها.. أفاقت من شرودها علي خروجه نظر لهيئتها باستغراب ولقوتها بترقب فقد توقع أن يجدها علي حال ليلة امس ولكنها صَدمت توقعاته بعرض الحائط عندما اقتربت منه وهي تحتضنه وترمي رأسها علي صدره قائلة : صباح الخير
عُقد لسانه ولم يستطع الرد فرفعت رأسها له باستغراب ومشاعر نافرة كارِهة ولكن اخفتها سريعاً وهي تُكرر قولها: صباح الخير!!
رد بتوجس: صباح النور
اتجهت للحمام : هتوضي واصلي واحضرلك الفطار
لم يجيبها واتجه جالساً علي إحدي الارائك وشعور الانتصار يتسلل داخله مُقنعاً نفسه انها تهابه ولن تكرر فِعلة امس
حضرت له الإفطار وهبطت معه للأسفل حيث شقة والدته.. استقبلتها والدته وزوجة أخيه بنظرات شامته ففطِنت انهم استمعوا لشجارهم بالأمس، ذهب زوجها للعمل وبمجرد ذهابه همت بالصعود الي شقتها ولكن اوقفها صوت حماتها الساخر: علي فين ان شاء الله
التفتت لها ببرود : طالعة شقتي
سارعت نهال بالرد تلك المرة: وشغل البيت و..
قاطعتها قائلة: البركة فيكي
ولم تترك لهم فرصة للرد وانصرفت بهدوء أشعل النيران في صدورهم فهم غير معتادون علي ردودها وأخذت نهال تبثُ السموم في رأس حماتها لتزيدها حنقاً علي حنق!!
صعدت إلي شقتها واتجهت لهاتفها وبحثت في قائمة الأسماء حتى وجدت ضالتها وضغطت زر الإتصال منتظرة الإجابة...
جاءها صوته: وحشتيني والله
ومع صوته انهارت حصونها واشتد بكاءها وسقطت قوتها الزائفة وأخيراً بعد خمسة أعوام قررت المُشاركة قررت الإفصاح.. قررت طلب العون!!...




مع صوت آذان العصر كان يدخل تلك البناية التي عانت بها غاليته طرق الباب بعنف وأنتظر ثوانٍ حتى فتحت والدة محمود وهي تقول : مين اللي بيخبط كدة
ولكنها صمتت عندما وجدت أدهم يقف أمامها وخلفه والده فرحبت بهم بزيف كالمعتاد: اهلاً اهلاً اتفضلوا
جاءتها الإجابة من والد سارة قائلاً بحسم : احنا مش جايين نتضايف رن علي اختك يا أدهم خليها تنزل
هتفت نهال من الخلف: هو في ايه
هبطت سارة وهي تحمل حقيبتها فوضحت الأمور أمام نهال وأم محمود
تلقاها أدهم وحمل عنها حقيبتها قائلاً: يلا يا حبيبتي
هتف ابراهيم والد سارة: بلغي ابنك ان بنات الناس مش لعبة وورقة طلاقها توصلنا
ردت عليه ام محمود : وهي الأصول بتقول انها تخرج من غير إذن جوزها
استشاطت نظرات أدهم وهم ان يرد عليها ولكن اوقفه والده بنظرة منه وتولي هو مهمة الرد قائلاً: انتوا لو عارفين الأصول مكنتوش وصلتونا لكدة..
غادرت سارة مع والدها وأخيها.. ليست اول مرة تخطو قدميها خارج هذا المنزل ولكن تلك المرة مختلفة عن كل مرة...



استقبلها والدتها على أعتاب باب المنزل وهي تحتضنها ثم قالت بعاطفة أُم : الأمور مبتتاخدش كدة يا سارة..
هتف ابراهيم بزوجته مقاطعاً: وبعدهالك يا سناء انا مش منبه عليكي... ثم وجه حديثه ناحية ابنته : خشي يا حبيبتي اوضتك ارتاحي
أومأت برأسها وتوجهت في صمت نحو غرفتها وجدت أخيها يخرج منها بعد وضع حقيبتها وقفت أمامه بعيون دامعه تشكي كم الألم النفسي ومدي اثره عليها وما كان منه إلا احتضانها عساه يطمئنها ولو قليلاً، وربت علي كتفيها بحب ودعم وكأنه يُخبرها "أنا هنا لأجلك".. انهارت حصونها في أحضان أخيها وأخذت تصرخ كما لم تصرخ من قبل هرع والديها إليها ولكن أشار لهم أدهم بالابتعاد فعاجلاً او آجلاً كانت ستنهار ظل محتضنها في حب بينما دموعها وصرخاتها تحكي لهم معاناتها
وفجأة!! سكنت وهدأت صرخاتها ولكن تلك الشلالات علي خديها ما زالت تهبط في هدوء وجِفنيها مفتوحان.. قلق أدهم من سكونها بين زراعيه، أخذ يهزها برفق ولم يجد استجابة وكأنها جُثة بين زراعيه.. هرولت إليها والدتها وهي تهتف بها : سارة مالك...سارة فوقي
أخذت تُقلب عينيها بينهم ولكن دون رد، وكأنها في عالم آخر
تلقاها والدها من أحضان أخيها وشدد علي احتضانها وهو يهتف بإسمها : فوقي يا سارة.. عايزة تموتيني!! ساارة
وبكي!! بكي هذا الرجل لأول مرة في حياته خوفاً علي صغيرته واشفاقاً عليها مما عانته ومرت به، بينما والدتها تبكي بحرقة خائفة...وبدون سابق إنذار صرخت مرة أُخري ولكن تلك المرة من ألم شديد.. ألم عصف بقدميها ظلت تصرخ: رجلي يابابا...اااه
أسرعت والدتها لقدميها تُدلكها لها في محاولة ضعيفة منها للتخفيف علي ابنتها.. مر وقت ليس بقليل حتي هدأت تدريجياً بين أحضان والدها ودموع والدتها وحزن أخيها.. لم تتذكر ما حدث فقط تشعر بألم في قدميها بدأ يزول تدريجياً.....



طرق علي باب منزل والدته واستقبله ابن أخيه كالعادة، ولكنه احس ان هناك خطب ما وتأكد من ذلك عندما هتف الصغير ببراءة : طنط سارة هترجع امتى
عقد حاجبيه بعدم فهم وخرج السؤال الذي بدر في ذهنه علي هيئة حروف: ترجع منين
أتته الإجابة علي لسان والدته تلك المرة وهي تقول : ابوها جيه خدها
استشاطت نظراته وأكملت نهال حديثها فهي ما كانت لتفوت فرصة كهذه : وبيقولك طلقها وملكش بنات عنده
صوب نظراته النارية تجاهها فتراجعت خوفاً، ولكنه انطلق للخارج دون أدنى كلمة وهو يعرف وجهته جيداً
حاولت والدته اللحاق به ولكنها فشلت..

فزعت في أحضان والدتها وهي تستمع لطرقات الباب الصاخبة ولكن طمأنتها والدتها.. واتجه والدها خلف أخيها الذي هرع ليفتح للطارق وإن كان يتوقع من هو...
صاح محمود بمجرد ان رأي أدهم : فين مراتي
رد عليه أدهم بصوت مماثل: اتكلم عدل وصوتك يوطي
قاطع ابراهيم حديثهم وهو يقول لمحمود : ادخل مش هنتكلم على الباب
دخل حانقاً وهو يهتف : انا عايز مراتي
كاد ان يرد ابراهيم ولكن صُدم عندما استمع لصوت ابنته وهي تقول : وانا مش عايزاك يا محمود
اتجه نحوها بعصبية فهدر والدها وهو يقف امامه: هتمد ايدك عليها قدامي كمان
صمت رغماً عنه ف الأمور ليست في صالحه، بينما هي تابعت حديثها قائلة: انا مش هعيش معاك تاني... انا استحملت كتير وحتي اهلي كانوا فاكرين اني اسعد واحدة ف الدنيا، وانا كان كل اللي هاممني اني مطلعش مشاكلنا برا بس الظاهر كنت غلطانة ودا جرأك عليا اكتر فضلت طايح فيا انت وأهلك مانتوا ملقيتوش حد يقفلكم.. انا اللي عملت ف نفسي كدة وانا اللي هصلح الغلط دا بطلاقنا.. طلقني
رد بعند: مش هطلقك
هتفت بقوة لم يعتادها منها : هخلعك
وتركته وعادت لداخل غرفتها مرة أخرى وهنا أتي دور والدها وهو يقول : اظن سمعت وزي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف
لم يدري بم يُجيب ربما أدرك انه أخطأ في حقها ولكن ما فائدة الندم!! تركهم ورحل دون التفوه بأي كلمة..


مرت الايام بل الأسابيع وهي لاتزال جالسة بمنزل والدها رافضة اي كلمة تخص علاقتها به لا تتردد علي لسانها سوي كلمة "الطلاق"...
كانت جالسة في غرفتها سارحة في حياتها السابقة حتي قطع شرودها طرقات هادئة عرفت أنها لوالدها فقالت: ادخل يا بابا
جلس بجوارها قائلاً: عاملة ايه دلوقتي
أجابت بهدوء: الحمدلله
أوما برأسه ثم قال: انا جاي اتكلم معاكي..
قاطعته قائلة: انا مش عايزاه يابابا
رد بهدوء: اسمعيني
لم يجد منها رد فاعتبرها إشارة لمتابعة الحديث فقال: الندم ساعات بيبقي نقطة قوة، ساعات بيغيرنا.. لما بنكتشف اننا ممكن نخسر حاجه غالية علينا بنفوق والغلط وارد مين فينا مبيغلطش المهم نتعلم

ردت قائلة : دا لما تكون غلطة واحدة مش مليون غلطة وياريت مختلفين نفس الغلطات باختلاف الشكل بس... صدقني يابابا انا حاولت وكل مرة كنت بحاول كان هو بيهد من الناحية التانية

قال: بس اهله مش ساكتين وموفقين بأي شرط تحطيه

أجابت قائلة : هي دى المشكلة يابابا أهله اللي بيحركوه، فين رأيه، فين موقفه؟! فين انا من حياته؟ كرامتي اللي كانت بتتبهدل قدامه دي ،واللي ما بيدوس هو عليها لما مد ايده مرة واتنين عليا سواء قدامهم او بيننا وبين بعض...انا مش قادرة اشوفه تاني ولا قابلة انه يكون ف حياتي
وصدقني يا بابا محمود محبنيش هو خايف علي شكله مش اكتر، مش حابب ان يتلوي دراعه
تنهد والدها بخيبة أمل ف علي ما يبدو أن ما كُسر بداخلها من الصعب تصلحيه.. فقال: يعني خلاص يابنتي؟!.
ردت بقوة: خلاص..



بعد مرور اسبوع كان يجلس عند المأذون وتجلس هي أمامه يجاورها والدها واخيها...أدهشته قوة نظراتها وكأنها ستُحرر من محبسها وليس طلاقها تمت إجراءات الطلاق وبتمامها زفرت بارتياح.. فهناك علاقات مرهقة ترهق أرواحنا معها.. علاقات ان حاولنا إصلاحها نفسَد نحنُ....


مرت الأعوام واحداً تلو الاخر.. بمرور اليوم الواحد تحدث آلاف الحكايات وتتغير الاقدار فماذا عن مرور الأعوام!!..

كانت تقف بجوار والدتها في إحدى الأفراح حتي وجدت من يضع يديه علي كتفها وهي تهتف بدهشة: سارة صح؟؟ يخرب عقلك وحشتيني
نظرت لها باستغراب لثوانٍ ثم هتفت : منال؟؟ ايه الصدفة دي
احتضنتها منال فهي كانت جارتها في منزل زوجها السابق وقالت: يااه ست سنين عدوا ومشوفتكيش
قالت سارة بابتسامة : ادينا اتقابلنا
ردت منال : انتي عاملة ايه دلوقتي
أشارت سارة بابتسامة لذلك الصغير الجالس علي أقدام والدتها قائلة: بقيت أم أدهم وزين بس زين مع باباه
باركت لها منال بفرحة حقيقية وهي تقول : ما شاء الله ربنا يخليهوملك... الحمدلله ربنا عوضك
أمنت وراءها وهي تقول : ايوا الحمدلله...
باغتتها بسؤال عفوي : بس انتي اتجوزتي مين
ردت سارة ببسمة قائلة: الحمدلله ربنا عوضني عن كل حاجه شوفتها ولاقيت حياتي مع مالك جوزي.. هو صاحب أدهم اخويا
هنئتها مرة أخرى ودعت لها ثم قالت: النصيب يا سارة وكل واحد نصيبه مكتوب... محمود كمان اتجوز وعنده بنت بس دايما بنسمع مشاكلهم
قاطعت كلامها قائلة: ارجوكي انا مش عايزة كلام عاللي فات، انا كل اللي مستنياه حياتي الجاية مع مالك وحياة ولادي..
هزت منال رأسها ببسمة بسيطة وأخذتهم الأحاديث ولكن شردت هي بقلبها قبل عينيها في هذا الواقف وسط والدها واخوها... مالك.. من جعلها تُدرك معنى الايام، من أحيا قلبها وروحها من جديد..انتبه لنظراتها له فغمز لها بحُب فابتسمت بخجل علي حركاته تلك وهي تعاود انتباهها لصديقتها مرة اخري...











ليس كل فشل سقوط، ف أحياناً نفشل لنلتقي بالنجاح الحقيقي، وأحياناً أخرى يكون الفشل نجاح...
بوجود الشئ نجد عكسه هذه هي الحياة، علاقات آمنة وأخرى مخيفة، أشخاص سوية وآخرين يتمتعون بشخصية سوداوية...
كرامة من تحب قبل كرامتك..
لا تجعل حياتك محط اختيار الآخرين، كُن انت فقط برأيك، بقولك، بتفكيرك مادُمت علي صواب







"تَمت"

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 19, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أمل بعد يأس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن