ذكرى

67 20 24
                                    

تجلس في منزلها شاردة في تلك الايام التي كانت فيها ما زالت حية.

" كانت بعمر الست سنوات تنام بكاملها فوق والدها يدغدغها بذقنه النامية وتزقزق بضحكاتها الصغيرة كنسمات الربيع،

وطن: بابا انت ليه سميتني وطن؟
يوسف: انا كنت صغير جدا لما اتعينت سفير كنت اصغر سفير وقتها وانتقلت بين بلدان كتير وكنت طول الوقت حاسس بالغربة حاسس ان حياتي كلها مختصرة في شنطة سفر لحد اليوم اللي سمعت صوتك وانتي بتعلني للدنيا كلها عن وجودك حسيت ان قلبي برغم هدير دقاته هدي ولما شفت عينيكي  حسيت اني خلاص مفيش رحيل تاني مفيش غربة تاني انتي رجعتيني للوطن حتى وانا جوة دايرة الرحيل"

نظرت إلى الفراغ بنفس النظرة ولا يدور في عقلها سوى سؤال واحد: لماذا يرحلون؟
لماذا تدور حياتها في ساقية الرحيل؟
رحيل من وإلى رحيل آخر، لا تريد انتظار عودتهم
ولكنها تريد انهاء الرحيل.

عند جهاد كان يجلس في منزله يفكر في هذه التي اقتحمت هدوء حياته لتدخل اليها الاسئلة والقلق.
فزع على صرخة قوية تأتي من خارج غرفته كلمة واحد "يا رب" بصوت يمزق نياط القلوب، هو يعرف هذا الصوت ولكنه لم يكن يعرف أن صاحبه يحمل في قلبه كل هذا القهر...
خرج من غرفته ليرى ماذا هناك وجد والده (زياد نصار رجل أعمال ذو مكانة عالية في المجتمع لا يهمه في الدنيا سوى ابنائه وعائلته)
وجده يخر على مصلاته ساجدا يذرف دموع قهر الرجال، جلس بجواره ينتظره حتى ينهي صلاته وفي عقله الف سؤال وسؤال.

في مكان آخر يجلس هو  يحمل في عينيه الخضراء غضبا لو اطلق له العنان لأحرق الأخضر واليابس ينتظر ذلك اليوم الذي سيظهر ليعيد لكل قلب مقهور حقوقه ويجعل من قاهريه عبرة لكل آثم جبار، ولكن ليس الآن مازال الوقت مبكرا على سداد الديون.

حملت هاتفها واتصلت بذلك الشخص البارد قائلة:أنا موافقة، لما تعوزوني حتلاقوني.

أغلقت الهاتف وانطلقت إلى جامعتها فرأته أمامها تلاقت عيونهما مرة أخرى، هي أيضا لا تعرف ما الذي يميزه مالذي يجعلها تشعر بالأمل والأمان لمجرد رؤيته، ابتسم لها فشعرت كأن الله أرسل لها يدا تربت على كتفها وتخبرها أنه معها أومأت. قائلة: صباح الخير يا دكتور.
ابتسم أكثر ورد عليها: صباح النور يا آنسة وطن.
وقفا لبرهة صامتين وكأن كل واحد يعرف ما سيقوله الآخر، قال لها: مش عارف ليه بس أنا قررت أساعدك، وحكون معاكي في أي وقت وكل خطوة. فزعت ونظرت له، كيف عرف ما تفكر، هل؟
ابتسم لها مرة أخرى ورحل صامتا، ترك وراءه عقلا يخشى الآتي فهي تعلم أنه صعب.

كيف عرف جهاد تفكير وطن؟
من هو الشخص الجديد؟
ما هو سر ألم زياد نصار؟
ماذا ستفعل وطن؟

رحيل من والىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن