(3) مذكرات ميت

588 27 0
                                    

كُنت راجع بالليل متأخر قبل الفجر بساعتين بعد ما قضيت اليوم مع صحابي، بحاول أسرع في خطواتي عشان عارف إني هتهزق من أبويا لأني محستش بالوقت واتأخرت، كُنت ساكن في "....." والمنطقة دي في القاهرۃ وقتها مكنش حد بيسكن فيها إلا ناس قليلة جدًا يعني شبه مكان مقطوع، قبل بيتي بشوية كان لازم أعدي على السكة الحديد، من صغري وأنا بخاف جدًا من السكك الحديد وعندي شعور دايمًا إني لو عديت لوحدي في قطار هيجي يدوسني..
سمعت صوت قطار بعيد فوقفت بعيد لحد ما يعدي، الدنيا كانت ضلمة، أعمدة النور مكنتش شغالة، والجو كان برد جدًا في اليوم ده، كان ناقص السما تمطر ويبقى اكتمل الرعب، وانا راجل اه بس جبان وبترعب من الضلمة..
وانا واقف اتهيألي اني شوفت خيال لحد واقف على القضيب، بس شكله مش باين، واقف مديني ضهره، كان واقف على رجل واحدة..
والتانية مقطوعة..
هو فعلًا كان موجود انا مش بتخيل..
فجأة لاقيته قعد على الارض، صوت القطار بقى واضح جدًا، وبيقرب بسرعة، الراجل مبيتحركش، هيموت، بدون إرادة مني لاقتني بصرخ بأعلى صوتي:
-حااااسب
القطار عدا..وقعت على الارض من الصدمة وحسيت إن جسمي كله إتشل، وحسيت ببرد شديد..غمضت عيني عشان مشوفش المنظر
القطار عدا، فتحت عيني ببطء..بس ملقتش حاجة، مفيش آثر للراجل، ولا حتى دم، ولا أي حاجة..
تقريبًا كدة قلة النوم خلتني بشوف حاجات غريبة، قُمت وعديت السكة وأنا بشتم في نفسي في القطار اللي خلاني هقطع الخلف ده..
وصلت البيت ولحسن حظي والدي كان نام، حمدت ربنا ودخلت بسرعة عشان ارتاح، غيرت هدومي وروحت أقفل الشباك عشان الجو كان برد، الشباك بتاعي كان بيبص على السكة الحديد بس من بعيد شوية، وأنا بقفل الشباك شوفت نفس الراجل واقف هناك، وعينه ثابتة على شباك اوضتي..

محستش إني خايف، عينه بقت في عيني كأنه قريب مني جدًا، كان واقف على رجل واحدة بس بتوازن رهيب، كأن رجله مش لامسة الارض، قفلت الستارة على أساس إنه يختفي زي المرة اللي فاتت، فتحتها تاني لاقيته اتحرك من مكانه، بقى أقرب، إترعشت للحظة وحسيت بخوف بسيط، بس بعدين قُلت انا في بيتي الدور الرابع هيوصلي ازاي يعني، قفلت الستارة كذا مرة، كل مرة كان بيقرب، في المرة الأخيرة كان اختفى، إتنهدت بإرتياح وقفلت الشباك خالص ومشيت في إتجاه السرير عشان أنام، مريت من قدام المرايا اللي كانت قاصد الشباك..
لمحته واقف جانب الشباك وبيبص عليا، أنتفضت ووقعت على الارض من الخضة، قلبي كان بيدق بسرعة، حسيت انه هيخرج من مكانه في اللحظۃ دي..

مفيش حاجة عند الشباك..

استعذت بالله من الشيطان واتحركت ببطء ناحية السرير، نمت وغمضت عيني، بس منظر الراجل وهو واقف عند الشباك؛ ملامحه اللي كانت مشوهه، وعينه اليمين اللي مش موجودة متصفيۃ خالص، هدومه مقطعة وكلها دم..
طول الليل معرفتش انام، ولو غفلت اشوف كابوس وفيه نفس الراجل ده..
فات كام يوم ومحصلش فيهم حاجة، بس الموضوع بعدها اتكرر كتير، لدرجة إني بقيت بشوف الراجل ده في كل الوشوش، بقيت اكره اليوم اللي برجع فيه متأخر واعدي من عند السكة الحديد..
بقيت اكره انام لانه بيظهرلي في احلامي

فكرت اسأل أمي عن الراجل ده، واتوقعت انها تقولي مثلا ان في حد القطار خبطه او حاجة من دي بس هي مقلتليش كدة خالص، كل اللي قالته إن الراجل ده كل الناس بتشوفه بالليل وبيختفي من زمن الزمن، من بداية ما السكة الحديد دي اتعملت لحد وقتنا هذا، زي ما تقولوا كدة الناس اعتبروه بيحرس القطار.. وقالت لي وهي بتضحك:
-متخافش منه ده بيتعرف عليك
طبعا شيء مضحك جدًا، بيحرس ايه بس ده بيفزعنا، بس اللي اكتشفته كمان انهم اتعودوا على وجوده ف مبقاش حد يخاف من ظهوره..
مرت الايام وفضل يظهر زي ما هو، وانا كمان اتعودت على وجوده ف مبقتش اخاف منه، وتقريبا بقيت ببتسم له لما اشوفه ماهو بقى عشرة بقى..
...
ده كان جزء من مذكرات جدي، منصور السيد..
انا مين؟ انا عُلا خالد منصور السيد، لاقيت دفتر مكتوب عليه اسم جدي في حاجات والدي القديمة، الدفتر ده مليان حكايات،هحكيهالكم كل ما الوقت يسمح لي..
تمت..
**

حكايات العالم الآخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن