في هذا المقهى العصري تجلس وحيدة في طاولتها المعتادة ، تنظر الى كتاب ما بيدها وتحتسي كوبا من القهوة المطعمة بنكهة الكراميل المفضلة اليها ، تعبس بضيق وتتأفف بتذمر وهي ترمق تلك الطاولة البعيدة الفارغة لخامس يوم على التوالي .
لوت شفتيها بضيق وهي تتساءل عن سبب تخلفه عن القدوم الايام الماضية بعد ان كان مداوما على الحضور في نفس موعدها تقريبا ، وعلى الرغم من عدم معرفتها به الا ان كثرة تواجده من امامها شغلت عقلها وجعلته يحتل جزء من تفكيرها وعقلها .
تلونت نظراتها بحنين لذكرى اول يوم تلاقيا به ، لم يكن لقاء بالمعنى المتعارف عليه، ولكنها اول مرة راته بها ،
كانت تتسوق مع صديقاتها ولكنها تخلفت عنهن عندما خطف بصرها فستان ما في احدى وجهات المحلات التجارية فوقفت لتتأمله عن قرب ، وبعد ان تنبهت الى ابتعاد صديقاتها عنها ، دارت براسها بحثا عنهن ليخيل اليها بانها راتهم بعيدا عنها ، فأسرعت بخطاها لتلحق بهن ولكنها اصطدمت بجسد قوي ، تأوهت بسخط قبل ان تتمتم: سوري مكنش قصدي ، ماخدتش بالي وكنت متسربعة .
رفعت عيناها تنظر الى من صدمته فتحتقن خجلا وهي ترى شابا وسيم بعينين عسليتين ينظر اليها من بين رموشه متفحصا قبل ان ينطق بهدوء :حصل خير انتي كويسة دلوقتي ، انا كمان اسف ، مشفتكيش وانا ماشي ، اصلك صغيرة اوي
عقدت حاجبيها بغضب طفيف داعب ملامحها الرقيقة ، فتهمس بحدة : خلاص مفيش مشكلة ، بعد اذنك
رفعت راسها بكبرياء وانصرفت من امامه بهدوء وهي تلعن قلة ذوقه فلطالما كانت تتحسس من صغر قامتها وجسدها ، فرغم سنواتها الخمس وعشرون الا ان مظهرها لا يوحي باكثر من فتاة صغيرة تمت اعوامها السابعة عشرة للتو !!
فوجهها المستدير ذو الملامح الطفولية البريئة وضحكتها الجميلة ذو الغمازتين ، تُصغرها كثيرا عن عمرها الحقيقي ، ورغم ان شقيقتها الصغرى تشاكسها دوما وهي تهتف بها بمرح " حد طايل يا بنتي المفروض تبقي مبسوطة ،مش مبوزة كدة ، ده الناس لما بتشُفنا مع بعض بيبقوا فاهمين اني انا الكبيرة مش انتي
فكيها ومتزعليش نفسك على حاجة المفروض تبسطك "
تأففت بضيق لتنتبه الى اقتراب صديقاتها منها واحداهن تناديها لتسالها باستنكار : انتي فين يا بنتي ؟ احنا قلبنا عليكي الدنيا
__ مفيش كنت ببص على فستان وملاقتكوش ورايا وقعدت ادور عليكم
__ طيب كويس اننا لاقيناكي، مالك فيكي ايه ؟! وشك متغير ومقلوب في حاجة حصلت حد ؟!
زفرت بضيق : اه خبطت في واحد
لوت الصديقة شفتيها : ايه طلع معندوش ذوق ولا ايه وزعئلك
__ لا خالص بس قالي انه مشافنيش عشان صغيرة ، اكملت بتهكم - قال صغيرة قال
ضحكت صديقتها : متزعليش نفسك ، صغيرة صغيرة
خلاص بقى حتنكدي على نفسك عشان واحد مبيفهمش
حد يشوف القمر ده ويقوله انه صغير
ابتسمت على مرح صديقتها لتهتف اخرى: الشمس طلعت يا جدعان ، ايوة كده اضحكي ومتضيقيش
أدارت راسها مرة اخرى بالمقهى ظنا منها انه غير مكان جلوسه لأحدى الطاولات الاخرى بعيدا عن مكانه المعتاد وهي لا تستطيع رؤيته ، لتزفر بضيق وهي تتبين عدم وجوده في المقهى كله ، سحبت نفسا عميقا وهي تنظر الى ساعتها حتى تتأكد من موعد عودتها الى عملها من استراحة الغذاء .
لتبتسم وهي تنظر الى عقارب الساعة وسطحها الزجاجي فتتذكر اخرى هي من لفتت انتباهها الى تواجده هنا في امامها، فهذا هو مطعمها المفضل القريب من عملها ، تأتي اليه يوميا تتناول فيه غذائها وقهوتها ، كانت تختار أي مكان شاغر فتجلس فيه لتتناول طعامها سريعا قبل ان تعود الى عملها ، حينها كانت تجلس على نفس طاولة اليوم والتي اصبحت منذ هذا اليوم طاولتها المفضلة – ولكن انعكاس لضوء الشمس ضايقها فأغمضت عيناها من الانزعاج وهي تعبس بضيق لتلف وجهها الى الاتجاه الاخر، عادت بوجهها مرة اخرى لتنظر امامها فيختفي هذا الانعكاس ثم يعود مرة اخرى بقوة اصابتها بصداع وخاصة عندما اطبقت فكيها بقوة من الغيظ ، دارت بعينيها بحثا عن سبب هذا الانعكاس القوي ليحرك الشخص الجالس امامها يده فينعكس ضوء الشمس بعينيها ، نادت على النادل وتطلب منه ان يخبره بان ينقل الساعة من يده او ينتقل من مكانه فضوء الشمس المنعكس من ساعة معصمه اذى عينيها .
وبالفعل تو جه النادل اليه واخبره بطلبها ، فأومأ الاخر براسه موافقا وهو يبتسم لها ابتسامه رائعة ضوت امام عيناها بالق اقوى من الق انعكاس ضوء الشمس بعينيها ،خلع ساعة معصمه نهائيا من يده وهو يمنحها ابتسامة اخرى ثم يرفع اصبعيه السبابة والوسطى لراسه ويحيها بهما ، ضيقت عيناها قليلا وهي تحاول ان تبحث عنه بداخل تلافيف مخها فمظهره ليس بغريب عليها ، لتتألق حدقتيها بذهول وهي تدرك انه هو ، هذا السمج الذي صدمها من قبل ، ادارت وجهها بعيدا عنه حتى لا تنظر اليه فيخترع سببا من العدم ويتحدث اليها ، لتتذكر جملته الحمقاء اليها فتطبق فكيها بحدة ثم تترك المطعم بأكمله وتنصرف .
ورغم ضيقها منه وغضبها الغير مبرر الا انها اخذت تلك الطاولة كمجلس دائم لها ، كما اعتادت على رؤيته داخل المطعم يوميا يجلس من امامها ،وكان استراحة الغذاء خاصته تماثل موعد استراحتها هي الاخرى ، في اول الامر نهرت نفسها على رمقه بطرف عينها ولكن بعدها بدأت في مراقبته جيدا وهي تتلصص عليه من خلف كتابها الذي تصحبها معها كرفيق دائم فتوهم الاخرين بانها منشغله في قراءته .
كانت تفتحه على احدى الصفحات لتتمعن في مراقبة اخر انجذبت له بشدة دون ان تجد سرا لانجذابها ، ولكنها راقبته الى ان حفظت ادق تفاصيله ، هو دائما يأتي بمفرده ، يحمل الجريدة مع معطفه الشتوي الثقيل ، يتحدث مع العاملين بالمطعم بأريحية شديدة ويمازحهم بخفة دم ونبرة صوت جذابه كانه مذيع احدى نشرات الاخبار ، ويعاملهم بدماثة اخلاق نادرة الوجود الان !!
يجلس ليطلب كوب من القهوة التركية صغير الحجم ويفتح جريدته ليقرا فيها ، يثنيها لنصفين فيطل وجهه ببهاء وهو يتطلع الى ما يقرأه فيعقد حاجبيه وينظر بتمعن وعندما لا يعجب بما هو مكتوب تتلون ملامحه باستياء ويهز راسه استهجنا !!
وتوالت رؤيتها له لدرجة انها ظنت ان مخها يوجده من العدم ، فهي على مدار شهرين كاملين تلاقيه هنا في المقهى وتصطدم برؤيته في معظم الاماكن التي تذهب اليها ، سواء مجمعات تجارية .. مطاعم .. مكتبات وفي كل مرة يمنحها ابتسامته المتسعة الرائعة التي تومض من عمق حدقتيه ويما لها براسه ايماءة خفيفة قبل ان يختفي من امامها .
ابتسمت رغم عنها وهي تتذكر ملامحه الرائقة عندما يبتسم لتحمر خجلا وهي تتذكر مقابلتها له بجوار بيتها ، يومها اصابها الهلع وهي تكتشف وجوده بالسوبر ماركت الواقع اسفل بنايتها ، والمعتادة هي على ابتياع احتياجاتها من عنده ،
كانت دلفت الى المتجر بأريحيتها المعتادة ، تمنح صاحب السوبر ماركت العجوز تحيتها وتبتسم له بلباقة فيسالها كما اعتاد دوما : عروستنا الجميلة اخبارها ايه النهاردة واخبار ماما وبابا واختك ايه ؟!
__ الحمد لله يا عم سعيد ، جبت لي اللاتيه ابو كراميل اللي طلبته منك .
ليبتسم العجوز : هو انا عندي كم استاذة في الدنيا يا استاذة نيرمين عشان مجبلكيش ، طبعا طلبته من عربية التوزيع والراجل جابه النهاردة ، اتفضلي .
ناولها العلبة الكرتونية لتبتسم باتساع وتهتف بمرح : ربنا ما يحرمني منك يا عم سعيد .
__ ربنا يخليكي يا بنتي ويفرحنا بيكي قريب .
اخفضت عيناها بخجل ووجهها يتورد لتشحب ملامحها بالتدريج وهي تستمع الى صوته من خلفها يحيى العجوز بأدب ويساله عن احد الاشياء ، خافت ان تلتفت اليه فيتأكد ظنها انه هو ، حاولت الانصراف قبل ان ينتبه اليها ، لكنه تحرك ليقف بجانبها ويضع مشترياته فوق طاولة المحاسبة ليلتفت براسه اليها ثم يرفع حاجبيه بدهشة ، ثم يهمس بخفوت شديد قاصدا ان لا يستمع اليه عم سعيد : صدفه سعيدة .
اجفلت وكادت ان تشهق بقوة لولا ان احترامها لنفسها منعها فتجاهلت جملته قبل ان تتحرك مبتعدة ، تغوص داخل المتجر لعلها تستطيع ان تهدا وجيب قلبها !!
ليلتها لم تذق طعم النوم وهي تتذكر جملته وابتساماته ، قربه الشديد منها ليهمس لها، وعطره الذي تغلل الى اوردتها فعلق برئتيها فلم تستطع الفكاك منه ، لقد تسلل اليها رغما عنها ، شغل عقلها وملك قلبها وحلمت به يوميا كمراهقة صغيرة تحلم بفارس احلامها وتتخيله بجوارها ، يؤثثا عش زوجية صغير يكلل بالحب ويكتمل بأطفال جميلة ترث ملامحهما سويا ، حلمت بأشياء كثيرة كان هو بطلها الاوحد فيها ، اشياء دغدغت حواسها وملكت مشاعرها ، لتستيقظ اليوم التالي وهي تشعر بسعادة كبيرة سيطرت على حواسها وملات روحها ببهجة لم تشعر بها قبلا ، انهت عملها بسرعة قياسية ونشاط فاق الحد وهي تنتظر استراحة الغذاء فتذهب وتراه كالعادة ، لتنشطر ورحها الى نصفين عندما وصلت الى المطعم وانتظرته فلم يظهر في الافق ، انتظرته يومها كثيرا لدرجة انها تأخرت عن موعد عودتها الطبيعي نصف ساعة كاملة ولكنه لم يظهر ، فلملمت روحها المبعثرة لأشلاء صغيرة وحقيقة واحدة تصفعها بقوة وتمحي احلامها العديدة ، بممحاة جافة ..قاسية .. ازالتهم عن بكرة ابيهم وهي تفيقها على شيئا غاب عن ذهنها طويلا ،انها لا تعرف عنه شيئا ، فمعلومتها عنه صفرية لدرجة انها لا تعرف اسمه !!
ولكنها لم تيأس فذهبت اليوم بعد الاخر ، وجلست تنتظره كعادتها لعله يظهر في الافق ، فتساله وتعرف منه ، او حتى تخبر عقلها -الذي يلومها- بانه موجود ولم يكن وهما صنعه خيالها ، ولكن ظلت الايام تمر دون اشراقته على حياتها ، تمر والشوق يمزقها ، وقلبها يئن الما وروحها تفيض وجعا من انتظار مضني تذوقت مرارته على مدار ايام وليالي طويلة احرقتها فيها لهفتها اليه !!
واليوم قررت ان لا تعود الي عملها وتنتظره ، فهي فكرت انه من الممكن يأتي بعد انصرافها ولذلك لم تصادفه الايام الماضية ، بحثت بعينيها وهي تدير راسها في كل الاتجاهات مرة اخرى فتمني بخيبة امل وروحها تتكسر الى شذرات صغيرة بسبب عدم لاقياه .
سألها احد العاملين بالمقهى :بتدوري على حاجة يا انسة ؟
رفعت راسها تنظر الى النادل برهبه قبل ان تستجمع نبرات صوتها وتسال عنه فتريح روحها او تميتها للابد .
اشارت بصوت خفيض واصابع متوترة : كان في استاذ بيقعد هنا ، تعرفه ؟!
هز العامل راسه بالإيجاب : اه طبعا ، اعرف دكتور جاسر ومين فينا ميعرفوش بس ده داخل على اسبوع مبيجيش ، عبس بتعجب وسال بحمية – هو ضايقك ولا حاجة يا انسة ؟!
كحت بحرج وهي تخفض عينيها : لا خالص بسأل بس اصلي مشفتوش بقالي شوية وهو كان دايما قاعد هنا فقلت يكون حصلت له حاجة ياعني
حرك العامل راسه باستهجان ليجيب بخشونة : والله مش عارف ، بس فعلا عجيبة انه بطل يجي ، يمكن عنده ظروف ولا حاجة.
هزت راسها بخيبة امل وهمست بصوت ماتت نبراته حزنا : اكيد طبعا عنده ظروف .
سحبت نفسا عميقا وهي تنظر الى طبق طعامها الذي لم يمس فتزيحه للخلف وهي تشعر بان انفاسها تتلاشى ببطء ، فاملها في انه كان يأتي بعد انصرافها كان كبيرا ، ولكنه تحطم على صخرة الواقع بانه توقف عن الظهور ، من المحتمل انه مل من المطعم او من مقابلاته الكثيرة لها
هزأ عقلها " او كان يدري عنك شيئا ايتها الحمقاء ؟! التي تصرفت كالمراهقات وتعلقت بأحد عابرين السبيل !! "
شرعت في المام حاجيتها لتهم بالوقوف ولكنها انتبهت على صوت ذكوري تعرفه جيدا يهتف بسعادة استولت على زفراته اللهاثه : كويس اني لقيتك ، كنت متوقع الاقيكي مشيتي بس الظاهر ان حظي حلو .
اعتلى الذهول ملامحها لتنظر اليه بتعجب واستفهام اجبرت نفسها عليه وهي تشير الى نفسها : حضرتك تقصدني انا .
اتسعت ابتسامته ليجلس من امامها بأريحية ويثرثر بعفوية : انتي عارفة انا جاي من محطة القطر على هنا على طول كان ناقص اجري في الشارع زي المجانين عشان الحقك
__ تلحقني ، رددت بدهشة افتعلتها وهي تهدا من قلبها الذي يقفز بمرح طفل صغير ، فاتبع بهدوء وهو يشير الى العامل الذي حدثته منذ قليل – قالي انك سالتي عليا اول ما شافني داخل من باب الكافية .
رمشت بعينيها كثيرا وهي تحاول ان تخفي حرجها .. ارتباكها .. وروحها الذي ألتئم جُرحها حينما ظهر امامها كفارس مغوار اتى ليحررها من اسر احزانها .
تحاشت النظر اليه لكنها شعرت بابتسامته الواسعة وهو يضيف دون ان يزد من حرجها وخجلها الذي سيطر على ملامحها : ممكن نتكلم شوية ، عندي كلام كتير عاوز اقوله لك .
لم ينتظر ردها وهو يقرب الكرسي من الطاولة قليلا قبل ان يعتدل جالسا : تشربي ايه ، اكمل وهو ينظر الى طبق طعامها – ولا نطلب غدا بدل اللى انتي ماكتلهوش ؟!
احتقنت وجنتيها بقوة لتهز راسها نافية فيسالها باهتمام تشبعت به نبرات صوته : انتي مكلتيش ليه الاكل وحش ولا فيه حاجة اخليهم يغيروه ؟!
هتفت بخجل : لا لا ما فيش داعي انا مش جعانة .
اشار الى النادل ليعيد عليها سؤاله فترمش بعينيها ثانية وتهز راسها نافية : خلاص هاتلنا اتنين عصير ولا اطلب لك لاتيه بالكراميل .
القى اخر كلماته بنبرة ذات مغزى ،فشهقت بخفوت وهي تشعر بوجنتيها تحترقان خجلا فيبتسم هو بانبهار وهو يتطلع الى ملامحها الخجول بافتتان قبل ان يكح بخفوت ويكمل حديثه بمرح جلبه من داخل اعماقه فيغشى على صوته الاجش وهو يريح ظهره الى الوراء مانحا لها مسافة كافية فلا يُشعرها بانه يترقبها : بصي بقى عشان بس متستعجبيش وتبطلي تتوتري ، عاوزك تسمعيني للآخر من غير ما تقاطعيني ، ينفع ؟!
اجبرت نفسها على عدم الابتسام والظهور بمظهر متزمت فعقدت ساعديها امام صدرها ورفعت راسها بكبرياء عتيد لون ملامحها فدفعه الى الابتسام لترد هي بجدية : اتفضل عاوز تقول ايه ؟!
تنحنح وتنفس بعمق : فاكره اول مرة شفتك فيها
رفعت حاجبها استهجانا ليكمل هو بارتباك : الظاهر انك مش فاكره ، يوم ما خبط فيكي في المول ، يومها اتضايقت اوي انك استكبرتي عليا ومشيتي كدة وانتي رافعة مناخيرك في السما ، بس بصراحة عجبتيني .
كتمت تنفسها لتنظر اليه باستنكار مفتعل فاردف بابتسامة ظللت عيناه :اه عجبتيني ، مقدرتش اشيلك من بالي ، بس مكنتش عارف اوصلك ازاي ، وفي مرة شفتك صدفة وانتي خارجة من شغلك ومن غير ما احس مشيت وراكي ، لقيتك بتقعدي هنا وعلى الرغم من اني مبحبش قعدة الكافيهات بقيت اجي هنا كل يوم عشانك
اتسعت عيناها بذهول وقلبها يرفرف طربا استنتج هو انه تعجب فاكمل : اه ،مستغربة ليه اني باجي عشانك ، عشان اشوفك واقرب منك اكتر ، بس اللي غاظني بجد انك مفيش ولا مرة شفتيني ولا خدتي بالك مني خالص ، كأني مش موجود
خفض راسه وابتسم بحرج : لغاية ما فكرت الفت نظرك ، كنت بعاكسك بالساعة بعد ما جبت لها مراية وركبتها فيها ، بوظت الساعة اللي كانت ماما جيبهالي في عيد ميلادي بس عشان الفت نظرك بهيا ، كنت قاصد اجبرك انك تشوفيني ، بس لما دورتي وشك الناحية التانية جالي احباط ، وقلت يا واد شكلها ولا هتعبرك ابدا .
صمت قليلا فكادت ان تحثه ان يكمل حديثه ولكنها تمالكت نفسها ، ليكمل هو من تلقاء نفسه : بس بعد كدة لاحظت انك بتقعدي قدامي على طول وبتقري كنت فرحان انك بتيجي ،واني بشوفك كل يوم.
اخفضت نظرها وهي تتحكم في خجلها قويا قبل ان يهمس برقة :على فكرة انا عارف انتي مين
رفعت راسها سريعا وهي تنظر اليه بعدم تصديق فاردف هو بخجل جعل ملامحه تخطف الابصار: اصلي في مرة مشيت وراكي وسالت عنك بواب عمارتكم
لم تستطع الصمت فهتفت بدهشة جلية : انت مجنون ، سالت البواب ؟!
عقد حاجبيه : اه فيها اية ، عادي ، كل الناس بتعمل كده واكيد هو فهم اني بسال عشان عريس زي ما بيحصل دايما ، اتبع بجدية -وهو هيبقى عنده حق لان هو ده فعلا السبب الرئيسي اني سالت عليكي ، كنت ناوي اروح لباباكي واخد منه ميعاد عشان اجي البيت ، بس للأسف جاتلي سفرية ضروري شاغلتني اليومين اللي فاتوا دول .
__دول خمس ايام مش اتنين بس ، القتها بعفوية فارتفع حاجبيه بدهشة وهو ينظر اليها بتفحص فتعض شفتها بقوة ووجنتيها تتقدان خجلا ،لمعت حدقتيه ببريق خاص وهمس بصوت اجش لم يحاول اخفاءه : ده انتي عداهم بقى .
اخفضت وجهها بخجل كلل هامتها فلون جبينها الى نقطة التقاء جبهتها بوشاحها الرقيق مثلها ، ليزدرد لعابه ويكمل هامسا :ياعني كنتي واخدة بالك مني ،مش زي ما كنتي مفهماني انك مش معبراني .
كتمت ضحكتها ولكن ابتسامتها التي سطعت قويا فأظهرت غمازتيها جليا روت ظمأ روحه اليها لتهمس بتساؤل لمع بعقلها : قولي الاول ، ياعني لما كنت بتطلع لي زي عفريت العلبة كده في كل مكان بروحه ، كنت بتبقى قاصد مش صدفة ؟!
ضحك بخفة و أومأ براسه ايجابا : اه كنت قاصد .
ابتسمت بشقاوة وطفولية رجف لها قلبه وهي تهمس : وانا كنت واخده بالي ، بس بعد موقف الساعة
قهقه ضاحكا بضحكة صافية تردد صداها من حولها فملات كيانها وسيطرت على حواسها قبل ان يميل على الطاولة الى الامام ويستند على حرفها بمرفقيه : طيب كده متفقين ، هتاخديلي معاد في اقرب فرصه من بابا عشان اجي اقابله ؟!
ابتسمت بخجل وهمست : ان شاء الله
