أهلاً وسهلاً بكم بين ذكرياتي وبين سطوري التي ارتسمت على هذه الأوراق.
نعم بعد قليل سوف تقرأون مجموعة من السطور التي تحمل العديد من الذكريات مع (الجنة)!
لا تستغربوا ذلك .. نعم مع الجنة!
الجنة التي انجبتني وعلمتني الجنة هي أُمي !
الشجرة المثمرة كما وصفها الشعراء لا تكفي لوصف الأُم .. لأن الأُم حقاً جنة ومن يمتلكها يعيش أجمل أيام حياته ومن فقدها يتلوى بين جهنم ذكرياته ونيران الحياة.
تأليف: سبأ معتز غضبان
الفصل الأول: أنا في عيون أمي
كنت فتاة مدللة جداً لم ترفض أمي لي طلباً ما .. كانت حنونة وقاسية مسامحة صارمة لم تجعلني كباقي الفتيات المدللات اللواتي يتجاوزن الحدود الأخلاقية في دلالهن، حيث أنها كانت تعاقبني كفتاة في العشرين من عمرها عند قيامي بأشياء خاطئة وحين قيامي بأشياء جيدة تلاطفني كطفلةٍ في سن الخامسة عبر شرائها لي أجمل اللعب التي كانت تملأ حياتي، فأنا من المدمنين على إقتناء اللعب وهذا الأسلوب في التربية صنع مني فتاة تخاف من ضياع أحد لعبها الجميلة ولاتهاب النوائب.
كانت أمي دائماً ما تظن أنني لا أتأثر كبقية أخوتي والأقسى قلباً بينهم وأقلهم إحساساً بها والحقيقة هي عكس ذلك تماماً كنتُ أريد أن أكون كتومة فحسب، ربما لو أدركتني بأيامي هذه لكانت قد أيقنت أنني أضعفهم جميعاً ولكن لم أكن اريد كشف عورة حزني لها كي لا أرى ألحزن في عينيها الجميلتين اللاتي يشعرنني بالأمان عند النظر إليهما.
إعلمي يا إمي أنني اشتاق جدا لتلك النظرات المملوءة بالحب والحنان
الفصل الثاني: نظرات مبعثرة
قال لي الكثيرون أن أمي تعرضت لحركة خاطئة أثناء ولادتها إياي نتجَ عن تلك الحركة ضرر في نخاعها الشوكي أقعدها عن الحركة وهنا بدأت معاناة أمي فهي لم ترزق بفتاة غيري لا أعلم هل فعلاً كنتُ رزقاً لأمي أم إبتلاء؟
آنذاك إهتم والدي بأمي حتى بلغت السابعة من عمري فتقاسمنا الأشغال أنا وأبي.
وقع على عاتقي الاهتمام بجنتي الجميلة (أمي) كانت كالأطفال عاجزة تماماً لم تظهر يوماً حزنها وآلامها ، لكن كنت أرى إنكسارها في عينيها وصوتها الدافئ ، مضت السنين ومع تدهور الحالة الصحية التي تعايشها أمي كان من المستحيل أن تحمل بطفلٍ آخر وفي هذه الأوضاع أضحيت ألقي أللوم على نفسي فهي حقيقة لو لم تلدني لما حدث لها ماحدث لكن لم أظهر شيئاً لأمي كي لا تحزن لأنها تحبني كثيراً وتحزن لحزني.
وفي يوم من الأيام لم أحتمل وقمت بسؤالها، أمي هل تمنيت يوماً لو إنكِ لم تلديني؟؟ فنظرت إلي بنظرة جميلة وقالت لو لم يرزقني الله بكِ يا حبيبتي من كان سيهتم بي فأنتي طفلتي الوحيدة، ثم تغيرت نظراتها الجميلة إلى نظرات غضب وعتاب وقالت من أين أتيت بهذه الأفكار؟ وهنا كذبت على أمي وقلت لها أن صديقتي لا تحبها أمها ، وعلق هذا السؤال في ذهني فأجابتني بنظراتٍ مبعثرة لا توجد أمٌ لا تحب صغارها ،أزيلي هذه الأفكار من رأسكِ ياصغيرتي ،، أعلم بأنكِ لم تصدقيني يا أمي لكن لم أود إحزانك كنت ارددها في قلبي،،
متأسفة يا أمي كانت ولا زالت هذه الأفكار تراودني لا أقصد أن أؤذي نفسي بهذا التفكير المرهق ومرحلة الإحباط التي أمر بها ولم أنوِ أن أدمر نفسي بهذه الأسئلة الخالية من الأجوبة ولكن أنا عاجزة عن إنتشال نفسي من هذه الحفرة ألسوداء بعد أن كانت تحيطني في وجودك أصبحت تلتهمني في غيابكِ، تأتيني هذه الأفكار كلما رأيت جمر غيابك يأكل صحة وسنين أحبائك،، لكن لا تقلقي ستنتهي هذه الأفكار حين ألقاكِ يا أمي وأختي ورفيقة دربي ومعلمتي نعم كنتِ كل شيء يا جنتي.......
الفصل الثالث: وفاة أمي
في عام 2013 كنت قد بلغت من العمر اثنا عشر عاماً في هذا العام أصيبت أمي بانتكاسة صحية دامت ثلاث أشهر وتسعة أيام في البداية ظننتُ أنها تشبه الوعكات التي كانت تمر بها لكنها لم تكن كذلك في هذه الأشهر كنتُ أعود من المدرسة راكضة كي أراها حتى أنني تغيبت لعدة أيام بسبب تفاقم المرض، لم تكن راضية على تغيبي عن المدرسة لكن كان يراودني شعور سيء وكانت بين ساعة وأخرى تغيب عن الوعي وكم من ليلٍ سهرتُه كي أخفضَ حرارتها التي كانت تزداد ولا تنخفض.
يوم بعد يوم كنتُ قد فقدت أملي من أن تتعافى أمي لكنها عكسي تماماً كان الأمل يملئ عينيها والإيمان يحيط قلبها الجميل لم تترك فروض العبادة حتى وهي في هذه الحالة وقد أضحت تصلي وهي نائمة لعدم مقدرتها حتى على النهوض شلت أمي بالكامل حيث بقت تحرك فقط عينيها بهدوءٍ تام كانت تسألني في كل يوم،،، ماذا تفعلين لو رحلت عنكِ؟ وكان جوابي المعتاد أذهب حيث تذهبين كنت أبكي في الخفاء كل يوم أرى فيه حالة أمي وفي يوم أستردت أمي عافيتها وأستيقظت فجراً كالمعتاد لتصلي الفرض قرأت القرآن لمدة ساعة كاملة بعد أن أنهت فرضها بقت مستيقظة وأجبرت أبي على الذهاب إلى عمله بعد أن كان قد جلس ليساعدني في رعايتها مدة طويلة وودعت أخوتي وأرسلتهم إلى المدرسة أما أنا لم أذهب لأنه كان يوم السبت كان داخلي إحساسٌ غريب نظرتُ لأمي دون توقف حتى حلت الساعة التاسعة صباحاً عادت أمي تغيب عن الوعي مجدداً وفي هذه الأثناء كانت توصيني بأخوتي وأبي كثيراً لم أحتمل سماع كلامها و وصاياها وانفجرت بالبكاء قربها ثم عند تمام الساعة العاشرة والنصف نادتني أمي لالتقاط صورة تذكارية معها إلتقطنا الصورة ثم قالت لي أغلقي الباب وأبدئي بتهيئي لفرض الظهيرة ذهبت لأغلق الباب لم أستغرق سوى عدة ثواني اقتربت منها لأخبرها أنه ما زال الوقت باكراً من أجل تأدية الفرض فنظرت وأذ بها قد أغلقت عينيها، حاولت إعادتها لوعيها ظناً مني أنها قد غابت عن الوعي مجدداً لكنها لم تكن تخرج أنفاسها بدأت بالصراخ وأتى كل من في بيتنا وأخبروني بأنها قد تركتني وأخرجوني من قربها ومن حينها يا أمي لم تفارقني نظراتك الأخيرة وهمساتك لقد أصبحت بلا أُم ،احتجتك في مواقف عدة بكيتُ كثيراً وجُرحت كثيراً لكن لم أجد صدرك حتى اخفي رأسي ولم أجد كفك الحنون كي يزيل
دموعي من عيني ،،،، أعتذر منكِ بشدة يا حبيبتي لقد قمت بإزالة صورتنا التذكارية الأخيرة بعد أن أخرجوا نعشكِ أمامي وفي ذلك اليوم قطعت وعداً على نفسي بأنني لن أقوم بالتقاط صورة مع أي شخصاً بعدك وأني لن أصبح أماً لخوفي من أن يصيب ابنتي ما أصابني من ذلٍ وهوان وعجز وأيضاً لأنكِ أخبرتني ذات يوم أنكِ ستكونين أول شخصٍ يرى طفلي الأول، إلى اللقاء يا جنتي لم ولن تفارق ظلالك أفكاري
وهذه ليست سوى خيط ذكرى من ذكرياتي مع جنتي
أنت تقرأ
ذكرياتي في الجنه
Short Storyأصنف نفسي من الفئة التي يموت الكلام بصدرهم بحضرة الموقف إنسانه يظنها الناس لا تبالي لكن بقلبها سنين عجاف من الضجه