الفصل الأول

29 0 0
                                    

تجلس هناك في قلب الربيع على ضفة نهر بلوري، تقرأ كتابها متأملة عباراته، منغمسة في صفحاته بكل ذاتها، بعد برهة تغلقه و تضعه جانبا. تداعب بأصابعها أزهار البنفسج المحيطة بها ثم تغمض عينيها و تلقي بجسدها على العشب. تستلقي في قلب تلك الجنة مستمتعة بخرير مياه النهر المنسابة وعبيرالأزهار الذي يملأ المكان و كذا السيمفونية العذبة التي تعزفها جوقة موسيقية من البلابل و العصافير. لم تفق الا على صوت أمها يناديها من بعيد "مريم الغداء جاهز" نهضت من على العشب، و قد تعلق بشعرها البني بضع بتلات من البنفسج ثم أخذت تركض باتجاه منزلهم الواقع في رأس هضبة علية في سفح جبل مخضر. لم يكن الباب مغلقا، لذا دفعته بيدها و دخلت الى المنزل ليمتلأ أنفها برائحة الطعام، جلست على كرسيها ثم مدت يدها لتاخذ قطعة من الطبق، ليوقفها صوت والدتها.

ـــ مريم,تعلمين كم أكره هذه العادة، اذهبي لغسل يديك ثم انتظري وصول والدك.

ـــ عقدت مريم حاجبيها باستياء ثم أجابت لكنني اتضور جوعا.

ـــ مريم انهضي و فورا.

.جلست العائلة الصغيرة يتناولون الغداء و يتحدثون في مواضيع شتى.
____

من عادات مريم هو الجلوس بعد العصر في ظل شجرة وارفة في فناء منزلهم، فتقرأ كتابا او تعيد قصيدة و أحيانا تحمل عدتها و تصور بخفة أناملها الجمال الماثل أمامها, و تجمع ما عجزت بكلماتها أن تجمعه في قطعة بيضاء محدودة الطول وهذا هو الفن أن تقول الكثير في شيء، قليل. كان هذا العمل يأخذ منها الساعات الطوال و قد تضطر الى تأجيله لعدة أيام، لكن ما إن تتمه حتى تحمله راكضة الى أمها فتسعد بذلك كثيرا و تعلقها على حائط غرفة المعيشة أو أي غرفة أخرى اذ أن المنزل يعج برسومات مريم منذ كانت طفلة.

كانت حياة مريم رتيبة و بسيطة الى حد كبير , لكنها كانت تسعد بها، و تطرب جدا لساعة تمضيها بين احضان والديها, أو بين صفحات كتبها، لذا لم يكن لديها الكثير من الأصدقاء و لم تكن تحفل بالحفلات و السهرات كما يفعل أترابها، بل تؤثر أن تمضي ليلتها مستلقية أو جالسة تشاهد قبة السماء النجمية أو تعد الحلوى مع أمها، فقد عني أبواها بتثقيفها و تدريسها فقرأت للفلاسفة و الشعراء واطلعت على العديد من القصص و الروايات و أتقنت الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و غيرها. هكذا كانت حياة عائلة 'كنفاني.

في صبيحة أحد أيام الثلاثاء، استيقضت مريم على خيوط الشمس تداعب جفنيها معلنة عن بداية يوم جديد، مدت يديها بتكاسل في كلا الجانبين ثم جالت بناظرها في أرجاء غرفته، دفعت بجسدها خارج السرير ثم قامت بنشاطها الصباحي المعتاد، ارتدت ثوبا طويلا قصير الأكمام بلون سماوي عكس زرقة عينيها و مزين بوردة بيضاء على جانبه الأعلى من اليمين ثم أسدلت شعرها على كتفيها، تفحصت نفسها في المرآة تتساءل لما بشرتها شاحبة جدا رغم أنها تمضي معضم وقتها خارجا.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 17, 2017 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الطريق إلى الحريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن