القريب

139 36 11
                                    

﴿... وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَريدِ﴾
[ق: ١٦]

قبل ما يقارب الثلاثة أشهرٍ من الآن، ذاتَ ليلة سبت، أخذَ أخي وزوجُه ما تبقّى من أغراضٍ لهم في بيتنا، أخذوا طفليهما اللذان كانا يملآن البيت صراخًا وبُكاءً ورحلوا لبيتهم الجديد، في ليلتهم الأولى فيه.

بكَت أمّي طويلًا.

يومَها لم أكُن هُناك لأودّعهم. كنتُ مشغولة بحلقة الاستفتاح في الدورة المكثّفة الأولى لمشروع الإجازة القرآنية بجامعتنا. وحمدتُ الله أنّني لم أكُن هناك وقتها لأنّني سأبكي وأتحلطم وأزيد حزن أمي ونصَبها.


في اليوم التالي لم تعُد أمي أمّي. لم تملك القوّة لأن تذهب للمطبخ من بعد الفطور، كانت فقط تستلقي محدّقة في الفراغ، ولم تُعرني بالًا عندما جئتُ أكلمُها.

حضَرتني ساعتَها "وأصبَحَ فُؤاد أمِّ مُوسى فارِغًا"، كان الفراغ الذي تركه أخي وزوجته وابنتهما في قلب أمّي واضحًا رأيَ العين، واضحًا حدّ الألم.

لمْ أملك من الأمر شيء، لم أعرف أي شيء قد يُواسي أمّي بحالها تلك، ولم أعلم بأي شيء أواسي نفسي -التي اكتشفتُ ثقبها لاحقًا-.

أذكرُ كيف واسَتْني الحلقات عندَها، حلقات أذكار الصباح، صوتُ أخواتي القرآنيات بآيات البعث، تدبّراتهنّ وأرواحهنّ الناضحة حنانًا ولُطفًا.

وعندما لم أملك من أمر أمّي شيئًا، دعوتُ الله أن يواسيها كما يواسيني بسكينة الحلقات ألفَ مرة في اليوم. ودعَوتُ باسم الله القريب.

قلتُ يا قريب، أنتَ أقربُ فَواسِها بقُربِك، يا ربّ وأوصل لأمي سكينة الحلقات من خلالي، يا ربّ من خلالي أو بأي طريقة كانتْ، يا قريبُ واسِها بقُربك.

عصرَ ذلك اليوم، كانَ عليّ أن أقفَ وقفة استغراب ودهشة أمام أمّي. أمّي التي صنعت لنفسها قهوةً بحبّ ودعَتني بابتسامة لأجلس معها بكلّ انشراح العالم. لم أستوعبْ بأيّ سُرعة جاءت الإجابة إلا بعدما تذكرتُ أنّني ناديتُ اللهَ القريب، الأقربُ إليّ من حبل الوريد.


لكَ الحمدُ إنني ما ناديتُكَ إلا أجبتَ،
لله الحمدُ حُبًّا، ودهرًا، وأبدًا🌿.

فادعُوهُ بِها حيث تعيش القصص. اكتشف الآن