(( روح بغداد ))
ربما سمعتم عن قصص الحب الاسطورية .. عن عشاق كثيرين ولكن قصتي تختلف عن الجميع .. لأن العشق الذي في قلبي اكبر من هذه الكلمة نفسها ...
قبل ان ابدأ بسرد لكم تفاصيلها ساعرفكم بأشخاص هم الاقرب الى قلبي .. انشأوا مجموعة ضمت مبدعين من كل مكان .. لم يكن هدفهم شهرة او لفت انظار الجميع بل هدفهم اكبر من ذلك .. هدفهم هو توعية الجميع من ضمنهم انتم يامن تقرأون قصتي الان ... رغم كم مامروا به الا ان مواهبهم استمرت لتصبح هي النور في هذه الليالي المظلمة ... ستعرفون من هم ولكن في نهاية قصتي لأني الان سأبدأ بسردها لكم ...
في قديم الزمان على هذه الارض التي اقف عليها تحديدا بدأت الحكاية .. هذه الارض كانت فارغة جدا .. كنت انا اكبر اخوتي من ملايين السنين ولدت .. كان اخوتي يراقبونني وهم اطفال والبعض منهم لم يولدوا بعد .. كانت مسؤوليتي كبيرة فأنا الذي سأبني لي منزلا قبلهم لذا بدأوا يراقبونني ويتعلموا مني ... بنيت بيتا صغيرا يسمونه الان في كتب التاريخ حضارة .. اطلقت عليها اسم الحضارة السومرية .. كان جميع اخوتي مذهولين بهذا المنزل الصغير فلم يسبق لأحد ببناء منزل بمفرده .. ولكنني استطعت .. بعدها بدأت اوسعه عندما بنيت غرفة اضافية اسميتها الحضارة الاشورية ... ومن ثم انشأت مكتبي الخاص في المنزل ليصبح هو منبع الابداع واسميته الحضارة البابلية ... بدأ اخوتي يكبرون يوما بعد يوم فأختي التي تصغرني بمليون سنة اسمها مصر سكنت بعيدا عني واسمت منزلها بالحضارة الفرعونية ... واخواتي التوأم بلاد الشام ايضا صنعوا لهم منزل .. واخي في اليمن ايضا ... بدأت المنطقة من حولنا تزداد سكانا .. في يوم من الايام رأيت امرأة جميلة للغاية ملامحها تشد كل من ينظر اليها ...
صدفة كان لقائنا ولكن منذ تلك اللحظة وقعت في حبها ... كانت هي خجولة ورقيقة .. سألتها : شنو اسمج ؟.
اجابت بخجل : بغداد .
اااه كم هو جميل هذا الاسم .. يعتبر هذا الاسم مطمع للعديد من الشعراء كي يكتبوا به قصائد غزل ... ابتسمت لي وسألتني : انت شنو اسمك ؟.
اجبتها بفخر : اسمي العراق .
قالت : اسمك كلش حلو وكله هيبة .
- وانتي اسمج كله رقة .
بقينا صامتين لبرهة .. تشجعت قليلا وحاولت ان اتدرأ واطلب منها ان تشاركني حياتي كلها .. نظرت في عيني وقالت : اكو كلام بعيونك بس داحسك متردد .
- هههههه انتي ذكية .
- لا اني افهم لغة العيون .
- وعيوني شقالت ؟.
- ممممم مادري .
علمت انها تعرف ما اقصده ولكنها تخجل ... قلت لها : بصراحة من شفتج واني احسج الوحيدة الي تستحقين تكونين ام اولادي .. الي تشاركيني حياتي كلها .
ابتسمت بخجل وبقيت صامتة لا تعلم ماتقوله ... قلت لها : بس اكو مشكلة .
رفعت رأسها وقالت : شنو ؟.
- اني حياتي صعبة تعرفين انو البجر عند اهلي وخاف تصيرلي مشاكل هواي ناس يحسدوني .
- اي مشكلة تصير اني حكون وياك بيها لتخاف .
- يعني موافقة .
عادت لخجلها ...
اقمنا حفل زفاف رائع حيث شهد عليه جميع العالم ... كان فستانها الابيض يزيدها جمالا .. وطرحتها التي غطتها اسماها والدها بسور بغداد .. ذات يوم عرضت علي امرا قائلة : شنو رأيك نبني هالارض الواسعة عمارة بكل هالارض .
- لجهالنا ؟.
- اي .
- اوكي خوش فكرة ... بس اريد هواي جهال .
- ههههههههه شدعوة .
- حتى كلهم يطلعون حلوين نفسج .
بينا انا وهي العمارة بحرص شديد قسمناها لتسعة عشر شقة ... كانت شقتي التي اسكن بها انا وبغداد في الطابق الارض ... كانت من اهم مميزات عمارتنا هي انها تطل على اربع جهات .. موقعها استرياتيجي للغاية وهذا ماجعل جميع اصحاب العمارات الذي بجوارنا يغارون منا ... كانت الاطلالة الشمالية تطل على طبيعة خلابة حيث سكنتها ابنتنا اربيل .. في الواقع اربيل لها عدة اسماء واربيل ذكية للغاية لانها استطاعت ان تتعلم لغة جديدة الكوردية ... كانت اربيل شقراء وفاتنة للغاية ... اما ابنتي الموصل فهي هادئة للغاية تطل شقتها على شقة اختي وهي خالتها سورية كانت متعلقة كثيرا بخالتها سورية لذا يمكن ان اقول ان كلامها يشبه كلام خالتها بعض الشئ ... في الجهة الجنوبية كنت شقق اولاد وسندي في هذه الحياة .. هم مصدر قوتي .. في كل مشكلة يهرعون للمساعدة ولا سيما اختهم الكبيرة التي كانت مصدر فخر لي فهي لم تكبه تشبه النساء بل كانت قوية شامخة كالنخل الذي زرعته اما شقتها ... البصرة طيبة القلب للغاية ونافذة شقتها تطل على جيراننا الخليج فتأثرت هي ايضا ببعض اطباعهم .. اما ابني تكريت فهو الابن الناضج وفي لي جدا ..
كانت بغداد تحب القراءة للغاية انشأت مكتبة كبيرة في المنزل لها .. كانت هذه المكتبة تضم اهم الكتب الموجودة في العالم ... في كل مساء تجلس لتقرأ كتاب وقبل النوم تبدأ بسرده لي بكل حماس .. رغم جمالها الا ان ذكائها كان اكبر ..
ذات مساء اثناء تناولنا للعشاء انا وهي اخبرتها : اني رح اسافر باجر .
قالت بقلق : وين تروح ؟.
- الجماعة جيرانة عدهم مشاكل خطية تعرفين هاي العصابة الجديدة الطالعة بالمنطقة اسمهم المغول .
- حسبي الله عليهم شكد اذوا ناس .
- حروح اساعدهم .
- الله يوفقك يارب .
- ديري بالج على نفسج .
- لتخاف .
في اليوم التالي سافرت للاطمئنان على جيراننا ... عندما وصلت الى حد بيوت الجيران سمعت صوت صراخ في المكان .. خرجت للخارج كان الجميع يتحدث عن ما جرى ..
سألت احد الرجال عن الامر اجابني ان عصابة المغول قد اقتحمت عمارتي ... وقع علي هذا الخبر كالصاعقة .. تجمدت في مكاني.. كل مافكرت به هو بغداد !.. حبيبتي ..
عدت على الفور اليها .. دخلت المنزل فوجدتها تجلس على الارض تبكي بصوت عال .. جسدها يهتز مع كل شهقة ... نظرت للمنزل الذي تم تخربيه .. كانت صدمتي اكبر عندما رأيت مكتبتها التي حرقت .. نهضت بغداد من على الارض بتعب امسكت بيدها لتستند علي ...
قالت ببكاء : حرقوا كتبي كلها .
- حبيبتي اهدي كلشي يتعوض الا انتي .
تركت يدي وسارت باتجاه رماد الكتب المحروقة ... انحت للارض والتقطتها لتحتضن بقاياها ... كان جميع الجيران يراقبها .. فبدأوا بتسجيل هذا في مذكراتهم ( التاريخ ) ...
بغداد ليست بمجرد امرأة عادية بل هي مصدر للالهام .. مصدر للامل والمثابرة والارادة .. رغم ما مرت به الا انها كانت تفاجئني دائها بقدرتها على الاستمرار ... بعد ماحدث استمرت بل ازالت ذاك الرماد وبدأت تنظف من جديد ... اشترت ارففا جديدة وبهذه الطريقة اثبتت للجميع ان هناك ذائما بداية جديدة ....
كبرت انا وهي في السن واصبحت لا استطيع ان اتولى مسؤولية هذه العمارة بمفردي واولادي كذلك فلكل واحد منهم شقة ... قررت ان اوظف مديرا لهذه العمارة ( رئيس ) ... ولأنني طيب القلب كعادتي تركت الامر لأولادي ليختاروه المدير ...
لكن ابنتي الكويت انزعجت للغاية ... كانت غاضبة كثيرا .. كنت انظر اليها بدهشة مهلا لم غيرت لهجتها !!..
قالت : انا مابي اتم معاكم فالعمارة .
بغداد : وين تروحين ؟.
الكويت : بفصل شقتي عنكم ابي استقل فحياتي .
قلت : اني ابوج وميصير هيج تسوين .
الكويت : انا كبرت وخلال مابي اتم معاكم .
بغداد : بنتي لتخالفين كلام ابوج ترا يتبرا منج !.. ترضيها .
نهضت من مكانها ببرود وقالت : انا مالي شغل فيكم سوا الي تبوه بس شقتي بفصلها عنكم .
نهضت بغداد من على الاريكة وجلست بجواري .. مدت يدها ووضعتها فوق يدي ومسحت عليها بلطف .. التفت اليها ونظرت بحزن... رغم المها وحزنها على ابنتها العاق الا انها ابتسمت وقالت : حبيبي لتزعل جهالنا الباقين ويانا ومرح يتخلون عنا .
ابتسمت وقلت : ان شاء الله .
كان مدير العمارة جيدا ... كانت فترة السبعينات .. يهتم بها للغاية بل كان يحرص على نظافة العمارة واظهارها بشكل جيد امام العالم كله ... كانت نظافتها وترتبيها دفع ابنائي للدراسة والاجتهاد اكثر ... فأصبحت ارى ابداعات منهم غير عادية .. بل على مستوى العالم اصبح اولادي مشهورين ... يوميا اذهب انا وبغداد لحفل تكريم احد اولادي ... كم كنت فخورا بهم ..
في يوم من الايام اتانا خبر وفاة مدير العمارة ... حزنا كثيرا بل حتى اولادي حزنوا ... وليت مديرا جديدا .. كانت شخصية هذا المدير قوية في وقت كان اولادي الصغار يشاغبون كان يتحكم بهم ...
بدأ جميع جيراننا يشعرون بالغيرة منا ويحاولون ان يؤذوننا ... كان مدير المنزل لا يسمح لأحد من الحي كله ان يتحدث بكلمة سوء على احد اولادي ... احببت هذا الامر به مما جعل اولادي يسيرون في الحي بفخر ... ولكن الحق يقال فلكل شخص ايجابيات وسلبيات .. فجميعنا بشر ولا احد كامل سوى الله سبحانه وتعالي ... كان مدير المنزل يحب الجيرة كثيرا ويحب ان يساعد الاخرين .. عندما تحدث مشكلة لأحد من سكان الحي يهرع لمساعدتهم ... احيانا كان يجعلنا نطفئ بعض انوار المنزل ليمد لهم بسلك الكهرباء ليساعدهم ... واحيانا كان يأخذ من مصروفنا الشهري ليساعد به العمارات الاخرى ... هو انساني جدا وهذا شئ رائع ولكنه نسي واجبه .. ظن ان الواجب ان يساعد الاخرين .. ولكن الواجب هو ان يقوم بعمله على اكمل وجه وان تأكد ان كل شئ مكتمل في عمارته واصحاب الشقق لا تشكو من اي عطل او لا تحتاج لشئ يمكنه ان يقدم المساعدة لهم ...
من المشاكل التي مرت علينا ايضا هي ابنتنا الكويت .. رغم تعبي ورغم حالتي المادية التي كانت متدنية وهي كانت تعلم انني احتاج للتجارة الا انها كانت عنيدة وكأنها تحاول ان تقهرني فنسيت انني والدها ... واصبحت ترخص سلعها في المحل كي يأتي الزبائن عليها اكثر ...
اتصلت بها والدتها بغداد ... طلبت منها ان تتوقف عن افعالها الصبيانية ولكنها لم تسمع كلام والدتها ...
في اليوم التالي خرجت بغداد في الحي وقابلت جميع سيدات الحي ... قالت لهن : بنتي الكويت هواي دتعادي ابوها وهو وضعه هسة مو زين فمادري شسوي تقدرون تحجون وياها وتعقلوها ... خل من تشوف كلنا ضدها تخاف وترجع .
قالت نساء الحي : اوكي تدللين .
ولكن كما قالوا في الامثال ( كلام نسوان ) .. لم يحدث شئ .. طرق باب منزلي في المساء مدير المنزل ..
فتحت له الباب وقلت : هلا عيني تفضل .
دخل للداخل وجلس قال : شلونك ؟.
- الحمد الله بخي بس ضايج ع الاوضاع والكويت هواي ضوجتني مادري شسويلها .
- اني حتصرف وياها لتخاف .
وكلته الموضوع فاتصل المدير بالكويت مساءا ... اجابت الكويت : الو .
- مساء الخير .
- مساء النور ... منو وياي ؟.
- مدير العراق .
- هلا عمو .
- بنتي مرح ترجعين عن الي دتسويه ؟.. ابوج كلش ضايج .
- شعلية اني مو مشكلتي ان اوضاعه مو زينة .
- انتي بنته دم واحد .
- لا ماعترف بهالشي .
- اوكي لعد باجر نتريق عدج ... قالها مدير العمارة وانهى المكالمة .
بقيت الكويت حائرة هي لم تفهم ماقاله !... نامت تلك الليلة من فبراير ولم تعلم مالذي يخطط لها القدر ... استيقظت صباحا على صوت ازعاج .. نهضت من غرفتها وصعقت عندما رأت الذي امامها ... كان اولادي في منزلها بعضهم يأكل وبعضهم يشاهد التلفاز ...
بحثت في جميع اركان المنزل عن اولادها ولكنها لم تجدهم لأنهم فروا هاربين لبيت الجيران خائفين ...
بهربت هي ايضا وتركت الشقة كاملة لأولادي ... مضى ثلاث اشهر ولكن الكويت لم تسكت فبدأت تحرض الجيران كلهم علي .. في الواقع كانت غلطة المدير ان يفعل هذا بها .. نعم هي اخطأت وتستحق ماحدث لها ولكنه بفعلته قطع الصلة التي بيننا فأصبح بين ابنائها وابنائي عداوة بعد ان كانوا اخوة ... طلبت الكويت مساعدة من عمدة المنطقة امريكا فهرع امريكا ببعث الامن الى شقة الكويت فعاد الي ابنائي لعمارتي ...
ولكن جراء ماحدث قاطعني جميع الجيران في الحي حتى اصحاب المحلات والمطاعم ... الجميع قاطعني .. وكعادة بغداد تنهض في وقت الشدائد .. بدأت تحضر كل شئ بنفسها .. الثياب بدأت تخيطها هي .. الطعام وكل شئ ... كانت حقا امرأة رائعة .. ولكن رغم ذلك اولادي تعذبوا خلال هذه الفترة .. كيف ولا وقد كانوا مدللين وفجأة اصبحوا لا يستطيعون الخروج واللعب مع بقية الجيران ...
تشاجر مدير العمارة مع عمدة المنطقة امريكا ... وكالمعروف ان العمدة يحب ان يظهر قوته فقد قرر ان يأتي لعمارتنا والتشاجر مع المدير .. كان ابنائي خائفين في تلك الليلة .. نعم فقد بدأ الشجار فجرا.. استيقظ جميع ابنائي على صوت ضربات نارية بين مدير العمارة وبين العمدة .... كان اولادي خائفين يسدون اذانهم بسبب تلك الاصوات المريعة ... من ضمت الضربات اصيب رصاصة بغداد ... جريت اليها مسرعا ولكنها سقطت على الارض والدماء تسيل منها .. بعد ان سيطر العمدة على العمارة كلها .. وضعت رأس بغداد على حضني .. امسكت بيدي بقوة .. تلطخت يدي بالدماء .. بدمائها ..
- الله يخليج لتموتين وتعوفيني شسوي بدونج !!.
- بسببهم متت اني .
- بغداد ترا الحياة بدونح ولا شي لتعوفينا يتامى .. انتي امي وابوية والدنيا كلها .. انتي اجمل وحدة شافتها عيني .
- هاهية بعد انتهى الكلام ... بس اني احبك كلش .
- اني اكثر .
انهيت كلامها ومع الحرف الاخير لفضت انفاسها ... خرجت روحها منها وهي ترتفع وتنظر لي ولأولادي بأسى .. حزينة علينا وخائفة مما سيحل بهذه العمارة من بعدها ...
ماتت بغداد في 2003 .. ماتت حبي حياتي .. مات معها كل شئ جميل .. ذكرياتي ماتت معها .. ضحكتها .. كلامها .. دعاباتها .. رحلت وتركتنا مخذولين خلفها ... رحلت تلك الامرأة العظيمة التي لم ولن تتكرر ابدا ... رحلت مغدورتا بسبب طيشنا ..
في الواقع كل ماحدث في الاونة الاخيرة والمشاجرة التي حدثت بين مدير المنزل وعمدة المنطقة جعل اولادي ينقسمون لنصفين ... بعضهم فرح لأن العمدة تخلص من مدير المنزل لأنهم كانوا لا يحبونه لأنه فضل الجيران عليهم والبعض الاخر كرهوا العمدة للغاية لأنهم يظنون ان برحيل هذا المدير سيسقط اسم عمارتنا في الحي مشكلة اولادي لا يفهمون ان المدير لا يملك العمارة هي لهم وان رحل لا يعني ان يرحل بها اسمنا فأسمي انا والدهم العراق سيظل شامخاً فخراً لهم ..
المنزل كله مظلم .. لا احد يديره .. لا احد ينظفه .. اولادي مشغولين في مشاكلهم .. عمدة المنلز يأتي يوميا لفتح الخزانة واخذ منها كل ما استطاع من نقود ... الجيران يدخلون للمنزل ويرون الدمار الذي حل به .. واثناءتجولهم في المنزل يختلسون بعض النقود ... بعضهم بدأ يرمي اوساخه لدينا .. وبعضهم بدأ يدخل جرذانه السوداء الينا ...
وبعض الاطفال الاشقياء يرمون بمفرقعات ليخيفونا ...
مدير المنزل الجديد كان بشعا للغاية في كل نهاية شهر يزورنا ليأخذ منا الراتب الشهري ويرحل .. ويترك العمارة بدون تنظيف .. يضع النقود في جيبه ويسير واضعها يديه على اذنيه كي لا يسمع شكوى احدا ...
تعب ابنائي من كل شئ في الواقع انا لا الومهم ... ولكن الم يقولوا ان في وقت الشدة تجتمع العائلة !!.. للاسف الا عائلتي ففي وقت الشدة تتفرق اكثر ويظهر كل شخص على حقيقته ... ابنتي الشمالية كما اسميها قررت ان تنفصل عني .. تحبني هي ولكنها مسالمة لا تريد مشاكل .. بنت سلما خارجيا لها وفتحت بابا من شقتها ليؤدي للخارج ووضعت لها عنونا جديدا غير عن عمارتنا ... ولكنها تعلم جيدا ان لا احد من الجيران سيعترف بعنوانها الجديد فالجميع يعلم انها ابنتي وقطعة مني وان شقتها جزءا من عمارتي ... وابنتي المسكينة الموصل دخلت عليها عصابة قامت باحتجازها وافراض عليها قوانين وانا واولادي مكتفين الايدي ... واحفادي المساكين المرضى اصيبوا بمرض ظهر مؤخرا اسمه الطائفية .. هذا المرض معدي للاسف يصيب منطقة معينة من المخ يجعل المصاب بهذا المرض بفرض رأيه وعدم تقبل رأي الاخرين قد يوصله احيانا للشجار والضرب .. وبسبب هذا المرض انشغل احفادي عن حل مشاكل ابائهم ... والمؤلم في هذا كله ان لدي احفاد شجعان يوميا يضحون بأنفسهم لتعود لنا العمارة من جديد وقد ذهب العديد منهم ضحية لمكائد دبرها اولاد الجيران لهم ... اتعلمون مالذي خذلني من كل هذا ؟... هو ان ابنة مذيعة لا تنشر في صحفها اوتقدس موت احد من احفادي .. فاحفاد اخوتي عندما يموتون يقيمون حدادا عليهم واما ابنتي فلا تكترث لهم بتاتا ...
بعض احفادي قرر ترك العمارة بسبب كثرة المشاكل وسكنوا في عمارات اخرى ... اعلم انهم يشتاقون الي وان جميع ذكرياتهم في كل ركن من هذه العمارة ولكن مابيدهم حيلة ....
اجلس على الكرسي الذي كانت تجلس عليه بغداد ... حبيبتي التي اشتقت اليها ... انظر لاولادي من حولي وهم يتشاجرون ويموتون امامي ... يتجاوزون بالالفاظ والكلام ... اقسم انني لم اربهم على هذه التربية ... وان بغداد لو كانت على قيد الحياة لغضبت منهم ... فأنا العراق اربي رجال شجعان .. واربي نساء محترمات قدوة لجميع نساء العالم ...
خاب ظني بكم ... مهلا ... هل تذكرون المجموعة التي حدثتكم عنها في البداية ؟... مجموعة مبدعون رغم الحرب ؟.... هؤلاء احفادي .. بعضهم مثقف وقررت ان يصلح بين اخوته كي يعيدوني ويعدوا احياء روح بغداد التي اشتقت اليها ...
مهمتهم صعبة ولكن لدي ان امل تعود عمارتي كما كانت في السابق واعود للقاء بغداد وهي جميلة كما كانت في مخيلتي دائما ...
هي ليست نهاية بل تعتبر بداية طريق لأعادة كل شئ كما كان ... ابدأ بنفسك وتغير ليتغير كل اخوتك وتعيدوني لعهدي ومجدي ..
بقلم فرح صبري