أحداث الرواية

11 0 0
                                    

     كان مالك سليمان طاهٍ كبير في مطعمٍ مشهور، وكان يعمل لدوامٍ طويل حتى ينال منه التعب. وظل على هذه الحالة لأيامٍ وأسابيعٍ وشهور، حتى أتى يومٌ استيقظ في الصباح ووجد نفسه غير قادر على الوقوف والمرض يأكل من جسمه. تأخر على دوامه وسأل عنه صاحب المطعم كثيراً لكن لم يأتي، فاتصلوا به من المطعم فقال لهم أنه مريض ويريد إجازة. ولأنه كان أفضل موظف في المطعم كيف لا وهو الطاهي، قرّر صاحب المطعم إرساله إلى المستشفى ودفع كامل تكاليف علاجه.
وعند وصوله إلى المستشفى أدخلوه إلى الغرفة وأتى الدكتور صلاح وطلب من الممرضات أخذ عينة دم لإجراء الفحوصات اللازمة، فأتت أماني وأخذت العينة. وبعد أخذها إلى المختبر أُعطيت النتيجة إلى الطبيب. فقال لمالك: لديك بداية دسك بسبب الوقوف الدائم، لكن لا تقلق سنبدأ بالعلاج حتى لا يتفاقم معك، لذا سنبقيك عندنا لبضعة أيام. فقال له السيد نوّار (صاحب المطعم): لا تقلق حكيم سيبقى هنا حتى يخرج سالماً مُعافى. وفي كل يوم كانت الممرضة أماني تهتم به وتعطيه جميع الأدوية المناسبة حتى تعافى نهائياً، وبعد أسبوع دخل الدكتور صلاح وكشف عليه وقال له: اليوم أنت بصحةٍ ممتازة ويمكنك الخروج، لكن عليك أن لا تُرهق نفسك وتبذل جهداً في العمل. فقال له مالك: أمرك حكيم، هذا يعني أنني أصبحتُ قادراً أن أعود إلى العمل. فقال صلاح: بالطبع لكن كما أوصيتك.
وفي اليوم التالي عاد إلى عمله، وعندما وصل قال له نوّار: مالك تعال. فقال: نعم سيدي؟ فقال نوّار: لقد جعلت دوامك تسعة ساعات فقط. تعمل من العاشرة حتى الثالثة ومن ثم تأتي من الثامنة حتى الإغلاق. فقال مالك: كما تريد سيدي، لكن أتمنى منك أن أعمل بشكل متواصل نهار الأحد. فقال له: لماذا؟ فردّ مالك: لأن الإثنين فرصتي وأريد أن أخرج مبكراً، وخاصةً أن الأحد مساءً لا يأتي الكثير من الزبائن، فوافق نوّار. فانتهى الحوار ودخل مالك إلى المطبخ وباشر بالعمل. وكان كل يوم يمُر عليه، يكثر التفكير بالممرضة أماني. وهي بدورها في كثير من الأحيان يجدونها زملائها شاردة وتفكر في مالك. ونهار الإثنين، جهّز مالك نفسه فكان يوم عطلته وانطلق نحو المستشفى فوجد الدكتور صلاح وسلّم عليه فسأله الدكتور: كيف أصبحت؟ فقال مالك: ممتاز حكيم، الحمدالله أشعر بأنني بكامل قوّتي. فرد صلاح: جيد طمأنتني وذهب ليكشف على مريض. أما مالك فسأل الممرضين عن أماني فردّت هيام: أماني لم تأتي بعد فاليوم دوامها يبدأ بعد ساعة، فقال لها: إذن سأنتظرها. مرّت ساعة وأتت أماني فقالت لها هيام: هناك من ينتظرك في الكافيتيريا، فتفاجأت وسألتها: من؟ فقالت هيام: إذهبي وسترين بعينيكِ. فذهبت ووجدت مالك يجلس ويشرب القهوة، فاقتربت منه وقالت: أهلاً مالك، كيف أصبحت؟ فقال: الحمدالله أصبحت بصحة جيدة لكن قلبي ورأسي ليسا كذلك. فردّت: وما بهما؟ فقال: رأسي يؤلمني من التفكير وقلبي من الشوق. فابتسمت وقالت: لمن تشتاق وتفكر؟ فقال: لصبيةٍ فاتنةٍ ولمساتها كنعومة الحرير ووجهها كبدرٍ يسطع في السماء. فقالت: يا الله كم كلامك جميل، ومن تكون صاحبة تلك الصفات؟ فقال: أسمها رجائي وأملي. فقالت: تقصد أماني؟ فقال: نعم. فقالت: كم كنت أنتظر أن أسمع منك ذلك الكلام، والآن اعذرني فلدي عمل. فقال: ومتى ينتهي دوامُكِ؟ فقالت: عند الرابعة مساءً. فطلب منها أن تقبل عزيمته على الغداء بعد الدوام، فوافقت وعادت إلى عملها. وعند الرابعة إلتقيا عند باب المستشفى وترافقا إلى المطعم، وبينما كانوا يأكلون سألها: إذا طلبتك من أهلك هل توافقين؟ ففكرت قليلاً ولم تجاوب. فكرّر طلبه فقالت: ألست مستعجلاً قليلاً؟ دعنا نتعرف على بعض أكثر ومن ثم نرى. فردّ: لماذا التفكير فلدينا فترة خطوبة سنتقابل خلالها ونتعرف على بعض. قولي نعم لأكون أسعد إنسان في هذا الكون. فقالت: كما تريد، سأخبر أهلي وأعطيك الجواب. وعندما عادت إلى المنزل، وبينما كانت تسهر مع أهلها قالت: أبي، أمي هناك موضوع يجب أن نتكلم به. فقالوا: تفضلي يا إبنتي. فقالت: هناك شاب يريد أن يتقدّم لي. فقالت مرام: هذا يوم المنى لكن من هو؟ فردّت أماني: شاب رائع إسمه مالك، ويريد أن يجلب أهله لطلب يدي منكم فما رأيكم؟ فردّ سالم: قولي له أن يأتي لوحده أولاً نتعرف عليه ومن ثمّ نحدّد يوم لقدوم أهله. فقالت أماني: أمرك يا أبي. وفي اليوم التالي، مرّت بالمطعم الذي يعمل فيه وطلبت مقابلته، ففرح كثيراً برؤيتها وقال: أكيد أن هناك أمرٌ مهم. فقالت: نعم، أهلي يريدون رؤيتك لوحدك قبل أن يأتوا أهلك. فقال: لا مشكلة، قولي لهم أن غداً سأزوركم عند الرابعة فيكون عندي استراحة. فقالت: لا غداً أنا لا آتي من عملي حتى السابعة. فقال: إذن بعد غد في نفس الموعد، فقالت: تمام وودعته وذهبت إلى عملها. مرّ يومين وأتى الموعد فجهزّ نفسه، وارتدى ثيابٍ أنيقة، ومرّ ببائع ورد واشترى باقة ورد وذهب إليها. وعندما قرع الباب، فتحت له ودخل وسلّم على أمها وأبوها وجلس. فقال سالم: قالت لنا أماني أن أسمك مالك. فقال: نعم، مالك سليمان. فسأله: وماذا تعمل يا مالك؟ فقال: أنا طاهٍ في مطعم النجمة البيضاء. فقال سالم: أها، لقد زرت ذلك المطعم كثيراً وأكله شهي جداً، وكنت دائماً أقول لنفسي كم هو ماهرٌ الذي يطهو الطعام، وها اليوم نتعرف عليك شخصياً، فأهلاً وسهلاً بك، تشرفنا. فقال مالك: الشرف لي، أتيت اليوم لأتشرف بكم وأطلب موعداً لجلب أهلي لخطوبة أماني وأرجو قبولكم. فقال سالم: أعطنا وقت للتفكير يا بني وسنرسل لك بجوابنا بعد حين. فقالت مرام: ولماذا الوقت يا سالم؟ وأكملت أنظر يا سيد مالك أنت شاب وسيم ومهذب لكن أنت تعلم أن إبنتي ممرضة أي أنها نصف طبيبة وصراحةً لن نعطيها إلا لطبيب أو مهندس أو شخصٌ حاصل على شهادة أقلها. فلا تحزن يا إبني فليس لك عندنا نصيب. فدخلت كلماتها إلى قلبه كالسكاكين فغضب وخرج أما أماني فقالت لأمها: من قال لك أنني أريد طبيباً؟ هذا من اختاره قلبي ولا أريد غيره. فقالت مرام: أصمتي فأنت لا تعلمين مصلحتك. فبكت أماني ودخلت غرفتها وأقفلت على نفسها الباب. أما مالك فمشى في الشارع وعيونه مليئة بالحزن والكآبة، فظلّ يمشي حتى وصل إلى المطعم فدخل وقال لنوّار: أتيت أقدم استقالتي سيدي. فقال نوار: وماذا حصل؟ هل هناك شيء أزعجك؟ قل يا مالك ماذا هناك؟ فقال مالك: لا يا سيدي، بل كنت مرتاحاً هنا لكن منذ الغد سأترك البلد وأذهب. فقال نوّار: ولماذا؟ فردّ: أرجوك سيدي لا أستطيع قول السبب. فأعطاه حسابه وسلم مالك على زملائه وودعهم وذهب. وفي اليوم التالي ودّع أهله وأخوته وترك البلد. وعند وصوله إلى مكان إقامته الجديد وجد غرفةً إستأجرها وبدأ يفتش عن عمل حتى وجد مطعمً يريد طاهي فوظفوه. وفي اليوم التالي باشر بعمله الجديد.
وبعد سنة دخل أحد الأشخاص إلى المطعم وجلس على الطاولة وعندما اقترب منه النادل سأله طلال: هناك طاه إسمه مالك علمت أنه يعمل هنا. فقال النادل: نعم، الشيف مالك هنا. فقال طلال: هل أعذبك أن تناديه؟ فقال النادل: لحظة لو سمحت واستأذن وذهب إلى معلمه السيد فاضل وقال: سيدي ذلك الزبون يريد مالك. فقال له: ولم يقل ماذا يريد منه؟ فقال النادل: لا سيدي. فقال فاضل: إذن إذهب لمالك وقل له أن يخرج إليه. وهذا ما فعله النادل. وعندما خرج مالك سلّم عليه وقال: أهلاً، أتعرفني؟ فقال طلال: صراحةً لا، لكن لك معي رسالة. فقال مالك: رسالة؟! مِن مَن؟ فردّ: من أماني، هذا القرص فيه أغنية جميلة تقول لك أماني إسمعها جيداً وفكّر بكلماتها. فقال مالك: شكراً لك، لكن انتظر قليلاً. جلب له الغداء وضيفه وعندما انتهى طلال ودّعه وذهب. وعندما عاد مالك إلى سكنه وضع القرص وكانت الأغنية "والله أحتاجك أنا" وعندما سمعها جيداً، وأعادها ثانيةً وفكّر بمعناها غضب كثيراً من نفسه ولم ينم تلك الليلة. وفي الصباح ذهب إلى المطعم وطلب إجازة من السيد فاضل فقال له: لماذا الإجازة؟ فقال مالك: سيدي لدي عمل ضروري في بلدتي سأذهب ليومين ومن ثم أعود. فقال فاضل: ولك ذلك. فخرج وانطلق إلى الضيعة وعند وصوله إلى المنزل، اتصل بأعمامه وأخوته وجمعهم وقال: اليوم سآخذ أماني لو كان ذلك غصب عن أهلها هل ستساعدوني؟ فقال له عمّه علاء: لا تقلق، فنحن كلّنا معك. فذهب إلى المستشفى والتقى بأماني فغمرته وقالت: الحمدالله على عودتك. فقال: عدّتُ لأجلك. اليوم سأذهب إلى منزلك وآخذك إما بموافقة أهلك أو غصباً عنهم. ففرحت وقالت: أنا في انتظارك. وعند المساء قرع بابها ففتحت أمها الباب فأتت أماني ووقفت خلفه، فقال مالك لوالدها وأهله وأعمامه وأخوته يقفون ورائه: إسمع أنا أريد أماني إن لن تعطيني إياها بالحسنى سآخذها غصباً عنكم. فردّ سالم: أخرج من هنا وإلا سأطلب الشرطة. فقال مالك: لديك دقيقتين لتقرّر وتهديدك لا يهمني. فسكت سالم، فأخذ مالك أماني وهمّا بالخروج، فصرخت مرام: لا يا إبني أرجوك لا تحرمني أن أُخرج إبنتي بالفستان الأبيض. فقال: لك ذلك لكن بشرط أن نجمع أهل الضيعة وآخذ كلمة شرف من زوجك بإعطائي أماني. فقال سالم: لا حول ولا قوة إلا بالله، لك ذلك. فأرسل مالك أحد إخوته فنادى على رجال الضيعة واجتمعوا في منزل سالم ووافق سالم على زواجهما. وبعدما طلب يدها رسمياً عاد مع أهله إلى المنزل. واتصل بالسيد فاضل وقال: سيدي، أريد منك إجازة لمدّة شهر. فقال فاضل: ولماذا؟ فردّ مالك: سيدي بعد أسبوع عرسي وأتمنى أن تشرفنا. ففرح فاضل وهنأه واعتذر عن الحضور.
وبعد أسبوع أقام مالك حفل زفافه من أماني وسافرا برحلةٍ في بحر الحب. ومن ثم عادا إلى البلد الذي يعمل فيه وعاد مالك إلى عمله وعاشا حياةً سعيدة وهنية.

الكاتب وليد بحمد

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: May 01, 2021 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

رحلة في بحر الحبWhere stories live. Discover now