قُدسنا

212 26 7
                                    


كما اعتدنا في بلدتنا في الآونه الأخيرة أن ليالينا باتت تمتلئ بصراخ النساء ودماء الأطفال وعويل الرجال وهدم البيوتو..إلخ 
جاءت اليوم غارة إسرائيلية هاجمت منطقتنا التي كانت تشهد بجمالها وهدوئها المناطق المجاورة، جاء جيش الإحتلال الصهيوني الذي لا زال مقتنعًا أن هذه البلد أرضهم وملكًا لهم وأنهم شعب الله المختار، جاء لكي يهدم ما تبقى، جاء لكي يدمر منطقتنا، جاء لكي يرهب الاطفال ويخيف النساء ويشعر الرجال بالعجز، جاء لكي يقتل ما تبقى مننا، جاء لكي يشبع غريزته عند رؤية دمائنا، جاء لكي يخلق داخل كل منا بطل يعشق بلاده ويدافع عنها حتى ينال الشهادة لكي يذهب إلى الجنة التي وعد اللَّه بها المتقون في القرآن الكريم، جاءت الغارة لكي تشعرني بالعجز والخوف، جاءت لتقضي علينا، جاءت لتحرمني من ما تبقي لي من أهل.
يزيد : متخافيش يا ماما مش هيحصلنا حاجه أنا بردد الدعاء اللي حفظتهوني وواثق أن ربنا مش هيسبنا أبدًا
"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"
الأم : أنا مش خايفه غير عليكو أنتو، اسمع الكلام يا ابني خد أختك وأنا هخرجلهم وأنتو اهربوا.
تشبثت ديمة بحضن أمها قائلةً بصوت واهن : لا يا ماما لانا مث هثيبك أبدًا أبدًا، أنا هفضل معاكي ومع يزيد وهنعيث كلنا كويثين وفي أمان بث أنا خايفه أوي.
يزيد : محدش فيكو يخاف أنا معاكو وربنا معانا فوق بيبص علينا ومش هيسبنا.
الام : عشان خاطري يا يزيد أسمع كلامي يالا نهرب مش هيسبونا.
يزيد : الجبان هو اللى بيهرب يا ماما.
الأم : إحنا مش جُبناء يا يزيد إحنا أشجع شعب في العالم إننا مستحملين كل ده لوحدنا، بس وغلاوتي عندك لتقوم معايا نهرب من هنا بسرعة.
يزيد  : ديه أرضنا إحنا، أنا مش فاهم إزاي عايزانا نمشي ونهرب زي الحراميه كده ونسبهالهم؟ المحتل هو اللي لازم يهرب مش إحنا.
ديمة تشبثت بأمها أكثر وهي تدفن دموعها في صدر أمها قائلة : ماما إيه الثوت ده أنا خايفة أوي !! 
وفجأه قطع كلامهم صوت قنبلة قريبة دَوى صوتها في البيت والأماكن المجاورة نتج عنها أبشع ما يُصور للعين …
ارتفعت الصغيرة ديمة من يد أمها لتصطدم بالسقف إثر القنبلة وتسقط هاويةً على الأرض مُعلنة استسلامها واستشهادها، وكأن القنبلة جاءت لكي تقضي على خوف الطفلة الصغيرة التي لم تبلغ من العمر خمس سنوات ولتعطي لأمها لقبًا جديدًا بجانب زوجة الشهيد وهو أم الشهيدة.
بكت الأم كثيرًا بكاءًا لم تبكيه من قبل وظلت تحرك جسد ابنتها لعلها تفيق وتعود للحياة مرة أخرى ولكن هيهات هل أسلحه المغتصبين تعيد الحياة لـ عَـربي  !؟
بينما ظل يزيد واقفًا صامدًا يحاول استيعاب ما حدث فينظر لأخته التي تحول لونها للون الأزرق البشع ويحيط بها الكثير من بقع الدماء الشنيعة التي تؤكد أنها لن تكون إلا مجرد ذكرى في حياته بعد الآن، تذكره أنه لن يذكر اسمها بعد ذلك إلا وتبعه بـ -رحمها اللَّه- …
في تلك اللحظة ظل يسأل نفسه مرارًا وتكرارًا مـا ذنب تلك الطفلة؟ ما ذنب تلك الملامح البريئة أن تتحول إلى هذا الذُعر !!، ما ذنب هذا الجسم أن يأكله الدود، هل يليق بشعب اللَّه المختار -كما يزعمون- أن يمحي كل تلك البراءة بدون ذنب ! ونظر إليها نظرة أخيرة مُودعًا إياها قائلاً لها :-
"أخبري ربك بما يحدث " .. 
جرت الأم سريعًا لابنها وضمته لصدرها وظلت تبكي بحرقة وتتوسل إليه أن يهرب معها فهي مدركة الآن تمامًا أنه لم يتبقى لها سواه فعليها أن تحافظ عليه وتحميه، أما ابنتها فقد أغمضت لها عينيها الرماديتين الجميلتين قائلة الشهادة -أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمد رسول اللَّه - ودعت لها أن يغفرلها اللَّه ويجعلها من الشهداء، فعسى أن تشفع لها يوم القيامة، فقد اعتادت الأمهات والأبهات على مثل تلك المناظر، فأنت في نظرهم تعيش في أرض غير أرضك ..
والآن جاء أصحاب الأرض الأصليين - من وجهة نظرهم فقط -  لكي يعودوا إلى بلادهم التي أخذتموها منهم فمـا عساك أن يفعلوا بكم ؟ خاصةً أنهم يعلمون أنك تحمل أخطر وأشد و أغلى وأقيم أنواع الأسلحة في العالم، فأنت تحمل القرآن الكريم وتحمل الإيمان في قلبك، أنت تدرك كل الإدراك أن وعد اللَّه حق وتثق أنه سوف يعيد لكم حقوقكم وسيعوضك في الآخرة عما عانيت منه.
ومع كل ذلك لازالت صوت القنابل والمفرقعات مستمرة بينما تعلو الصرخات والاستغاثات باللَّه -سبحانه وتعالى- فتسمع الصرخات في كل مكان ومن أهمهم "أين العرب" !؟ 
وكأن يزيد ينتظر أن يسمع هذه الصرخة لكي يجب على هذا السؤال الذي طال سماعه خصوصًا في الفترة الأخيرة فقال : العرب ! إن العرب موجودون وبأشد قوتهم ولكن عفوًا هذا زمن المصالح هذا زمن نسى كل عربي ان لأخيه العربي حق عليه …
فمنذ أن وُضعت تلك الحدود العقيمة الوهمية بين البلاد نسيتم أن فلسطين بلد عربية نسيتم أن لها حق عليكم، نسيتم لان الذين يتعرضون للقصف يوميًا هم إخوانكم، نسيتم أن اليهود يعتدون على المسجد الأقصى الذي ظل قبلة المسلمين لمدة ١٧ شهرًا، نسيتم أن هذا المسجد كانت منه رحلة الإسراء والمعراج، نسيتم أن الرسول كان أهون عنده أن تُهدم الكعبة ولا يقُتل مسلم، نسيتم أشياءًا كثيرةً جدًا ولكي أكون دقيقًا فأنتم لم تنسوا بل تناسيتم.
فذات يومٍ قال رجل لا يستحق أن يُذكر اسمه على لساني، لساني الذي اعتاد على قراءة القرآن وذكر اللَّه أنه عندما دخل فلسطين والمسجد الأقصى لم ينْم هذه الليلة من الرعب وزعم أن العرب سيأتون جميعهم ليحرروا بلادهم .. ولكن أحكم أنت بنفسك ماذا حدث ! 
فلا أحد يسأل بعد الآن أين العرب، لأنهم في غفلة لا يريدون أن يفيقوا منها، يريدون أن يظهروا من خلف الشاشات كي يظهرون دعمهم إلينا ولكن في الحقيقه لا يتذكروننا حتى بدعوة في صلاتهم، فنحن أقوى من أن نحتاج لأحد، فنحن نساؤنا رجال وأطفالنا أبطال ورجالنا شجعان ولا نحتاج لأحد معنا، يكفى أن اللَّه معنا، وفي يوم سيأتي منا صلاح الدين الأيوبي مرةً أخرى وسنعيد بلادنا وكرامتنا، سنعيدها وحدنا لأننا لم نجد من يساعدنا ويقف بجانبنا…
فـهيا يا أمي سوف نغادر الآن هذا المكان الذي أجد نفسي فيه ولكن أوعد الله قبل أن أوعدك أننا سوف نعود، تاللَّه سنعود، سنعود أقوياء وسنعيد بلادنا إلينا وسنأخذ كامل حقوقنا وهذا هو وعد اللَّه.

_ جيهان سيد  🤍🌜

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 13, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

قُدسنا 🇵🇸♥️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن