ادخلني المحقق لممر موحش، اسمع فيه
مزيجا من أصوات
منها ما يئن ألما ومنها ما يبكي حسرة على عمر ضاع أو سيضيع ،
يبدو أنه وضعني هنا مؤقتا لنقلي بعد المحاكمة للأسوء
كما يضع المروض النمر بعد امساكه بقفص صغير، يقدم له به اللحم ليهدأ عنفوانه، و ما أن يهدأ نمرنا البري، يسحب من سجنه الصغير لسجن أكبر يعلم بغريزته انه لا مفر له
الأمر مشابه هنا، فالمغفر صغير و الزنزانة خالية تقريبا الا من سيدتين اخرتين، لم تدركا دخولي حتى من كثرة الهموم السارحة فوق رؤوسهن المسكينة،المحكمة.... المحكمة يفترض بها أن تكون قشة الغريق... المكان الذي ينصفك بعد ظلم العالم لك
و لكنها في حقيقة الأمر، سيرك كبير
أجل سيرك
اذا وجد طاقمه من يشاهد العرض، اهتموا بالحيوانات و الوحوش فيها، فاطعموها و نظفوها و حرصوا على الاهتمام بها،
و هذا حال المحاكم، إذا ما أثارت قضية ما صخبا إعلاميا، اهتم بها القضاة و المحاكم العليا، و بحث مختلف المحامين دليل براءة للمذنب، و تعاطف معه الرأي العام،
و لكن هذا ليس حال الجميع هنا،
بعضنا لا نملك من يحدث صخبا لقضيتنا، فنصبح كالحيوانات التي لم يعد يهتم المشاهد برؤيتها، لا يكاد يهتم بها صاحب السيرك الا لرحمة صغيرة في قلبه أو صوت باهت لضمير عجوز أوشك على الموت، نحاكم محاكمة غيابية بالرغم من حضور أجسادنا و عقولنا، الا ان ألسنتنا عقدت و منعت من الكلام، فاصابع الاتهام تنغرس في جسدي من كل جهة، أينما التفت، و أيّا من اواجه.اتعبني وجودي هنا من اللحظة الأولى
فكيف يفترض بي ان اكمل ما تبقى من حياتي البائسة هنا، رائحة العفونة تقتلني، و الظلام يتسرب لداخلي، و الأرضية الصلبة باردة و موحشة،بكيت بكيت وبكيت حتى جفت دموعي
أن تسلب مني الحرية في شيء لا يد لي بهانا فقط أحسست للحظة انه من الممكن أن أعود للمنزل
اعتقدت اني قد اذهب و احتضن ابنتي
أن أرى ابتسامتها الصغيرة التي تسحرني،
بالرغم أنني اهملها احيانا الا انني أنانية و ما زلت أطالب بحقي بحبها و بضحكها البريء و كلماتها الملخبطة و يداها الصغيرة التي تمتد إلى لتعانقني فور رؤيتها لي....اعتقدته يوما من الايام السعيدة
فقد كانت حياتي هادئة مسالمة مؤخرا
ظننت... ظننت أنني ساحظى بالسعادة حقا
ظننت أنني سأبدأ من جديد
خدعتني الحياة فرمت لي بحبل
تشبثت به فور رؤيتي له
آمنت بسذاجة أنني سأنجو
سأفرح
سيذهب خوفي و اعيش بطبيعيةلكنها جميعا اعتقادات وتوقعات
انتظرتك أن تثق بها لتأتيك بيوم وتخون المعتادفتح الزنزانة
دفعني للداخل واغلق البابوأردف قائلا وهو يحول ببصره على كل أركان الزنزانة
"استمتعي قليلا، ف هذه نبذة عن الجحيم الحقيقي"