للخروج من أزمتنا الاقتصادية: لابد من زعيم
جلال أمين
أضف تعليقك تعليقات : نشر فى : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص
آخر تحديث : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص
فى ختام محاضراتى عن التنمية الاقتصادية، كثيرا ما كنت أقول لطلبتى إن الفشل فى تحقيق التنمية لا يرجع إلى الجهل بما يجب عمله، ولا إلى عقبات من النوع الذى يشغل الاقتصاديون أنفسهم بشرحه وتحليله، بل يمكن تلخيص السبب الأساسى لفشل التنمية، فى معظم الحالات، بالعبارة البسيطة التالية: «أصحاب السلطة القادرون على اتخاذ القرارات اللازمة للتنمية، لا يجدون لأنفسهم مصلحة فى اتخاذها، وأصحاب المصلحة فى اتخاذ هذه القرارات لا يملكون السلطة».
هذه العبارة (مثل كل التعميمات التى تبسط الأمور تبسيطا شديدا) ليست بالطبع دقيقة تماما، لكنى أعتقد أنها تلمس جانبا مهما جدا من الحقيقة، ومن السهل التدليل على صحتها منطقيا وتاريخيا. وهى تنطبق على مصر مثل انطباها على معظم تجارب ما يسمى بـ«العالم الثالث».
لن أدخل القارئ فى متاهة من الأدلة التاريخية أو النظرية، بل سأتناول مباشرة أزمتنا الاقتصادية الحالية، والتى توصف بحق بأنها أزمة حادة ومعقدة، وأن الخروج منها صعب. ومع ذلك سأشير بسرعة إلى أن هذه ليست أول مرة فى تاريخنا الاقتصادى، التى تمر فيها مصر بأزمة حادة ومعقدة. فما أكثر الأزمات الاقتصادية التى مررنا بها طوال القرنين الماضيين (أما قبل ذلك فقد كان حالنا أسوأ، إذ إن الركود الاقتصادى التام، مع الفقر المدقع أسوأ بكثير من الأزمات الاقتصادية). ولكن يلاحظ أن المرات القليلة التى حققت فيها مصر تنمية اقتصادية حقيقية كانت هى تلك التى أتحدث خلالها مصلحة الممسكين بالسلطة بالمصلحة العامة، أو بعبارة أخرى كانت هى التى رأى الممسكون بالسلطة فيها أن مصلحتهم تتطلب تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. وفى هذه المرات القليلة لم تتوقف التنمية فى مصر إلا عندما جاء أشخاص جدد إلى السلطة يرون مصلحتهم الشخصية فى تحقيق عكس ذلك بالضبط.
لم يكن الفشل قط بسبب الجهل بشروط التنمية، بل كان بسبب عدم وجود رغبة فيها. لم يكن السبب انعدام القدرة بها غياب الإرادة. إن كثيرين يتصورون أن المشكلة الاقتصادية بطبيعتها معقدة، وأن حلها يحتاج إلى عقلية فذة أو عبقرية، ولكن الحقيقة أنه ليس هناك بلد فى العالم لا يملك من الموارد المادية والبشرية ما يكفى لوضعه على مسار تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية. العقبة الحقيقية ليست اقتصادية بل سياسية. والتنمية صعبة، ليس بسبب صعوبة حل المشكلة الاقتصادية بل بسبب صعوبة التغلب على العقبات السياسية.
●●●
عندما قامت ثورة 25 يناير 2011، أى منذ أقل قليلا من عامين، كان لدى مصر كل الامكانيات الاقتصادية التى تتيح بداية مسيرة رائعة فى طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية السريعة، مما ساهم فى إشاعة مناخ من الأمل والثقة فى أن النهاية السعيدة قادمة، وأن تحمل بعض الصعاب هو أمر مؤقت ومبرر طالما بدأنا السير فى الطريق الصحيح. لا داعى لذكر ما تحوزه مصر من موارد اقتصادية، مادية وبشرية، تؤهلها لتحقيق التنمية السريعة، حتى فى ظل نمو سريع فى السكان. ولا داعى لتكرار القول بأن المشكلة السكانية تحل بالتنمية السريعة وليس العكس، وأن الاستثمارات والمساعدات الأجنبية مفيدة ولا غضاضة فيها طالما تتم فى حدود معقولة وبشروط نضعها نحن. ولكننا مع ذلك نستطيع، إذا لزم الأمر، أن نستغنى عن هذه الاستثمارات والمساعدات الأجنبية ونعتمد اعتمادا كاملا على أنفسنا فى تحقيق التنمية، إذا توفر لنا النوع اللازم من متخذى القرارات الأساسية والممسكين بالسلطة. الاندماج فى العالم جيد ومفيد ولكن بحكمة وشجاعة، والاعتماد على النفس ممكن أيضا ومفيد، ولكن بشرط توفر الحكمة والشجاعة. فما الذى أفسد الأمور خلال العامين الماضيين إذن؟ ما الذى جعلنا نفشل فى كلا الأمرين: فلا نحن اندمجنا مع العالم وحصلنا على الاستثمارات والمساعدات المفيدة من الخارج، ولا نحن اتخذنا القرارات اللازمة للاستغناء عن العالم والاعتماد بدلا من ذلك على أنفسنا؟ سبب الفشل أنه طوال العامين الماضيين لم تتوفر للممسكين بالسلطة فى مصر لا الحكمة ولا الشجاعة، أو بعبارة أخرى لم يتوفر لنا «زعيم».