.

32 7 2
                                    


كنتُ جالسًا في سيارتي ألوم نفسي على إختياري لإرتداء القميص الأبيض اليوم فلقد تلطخ بلون الدماء الأحمر، يبدو جيدًا لي ولكن لا أعلم كيف سيكون رأي البقية.

ألتفتُ للمَقعد الخلفي فتحتُ الحقيبة السوداء الكبيرة لأنتزع سترة الفتي، ذوقه في الثياب كارثة وكذلك رائحة عطره، لا أعرف كيف يُفكر الأولاد هذه الأيام.

خطفتُ نظارتي الطبية من عُلبتها وصففتُ شعري على أحد الجانبين وأحكمتُ إغلاق السُترة وهبطتُ من السيارة حاملًا حقيبة عملي، أغلقتُ نوافذ السيارة الغير عاكسة لما بداخلها بإحكام وخطّت قدماي ساحة المَدرسة.

سرتُ وسط صُراخ الأطفال ونميمة الفتيات و شجار الفتية، جاءت نحوي إحدى المُعلمات الزميلات أو فلنقل أحدي أهداف باقي الزملاء، فهي أشدهم جمالًا ومَن ذلك الأحمق الذي لن يلتفت لها.

قالت بتبسم :
«صباح الخير سيد أيّهَم.»

رددتُ عليها بخفوت مُكملًا طريقي :
«صباح الخير.»

نعم أنا هو الأحمق، لستُ مِن الذين يركضون خلف مَلذات الحياة، فأنا أصنع مَلذاتي الخاصة بنفسي.

بينما كنتُ أضع أغراضي فوق المَكتب سمعتُ صوت شجار خارج غرفة المُعلمين، لم يجذبني في البداية ولكن تآوهات أحدهم وصوت إرتطام جسد بالحائط كانت المَنارة التي ترشدني لهدفي القادم.

خرجتُ دافعًا الباب بهدوء مُراقبًا ذلك المَشهد المُتكرر، ولدان كِبار الحجم مِن الفريق الرياضي أتفقوا علي تلقين فتي نحيل درسًا لأنه بدي لهم غريب الأطوار.

ذلك المَشهد المُتكرر في كل مَكان حول العالم، ومَن منا لم يُجابه الوحش المُتنكر في هيئة مُراهقين، مَن لم يقف في طريقه مُتنمر أو اثنين ليجعلوه يُعيد النظر في شكله و شخصيته وحياته كاملة.

ليُعيد النظر فيما يُريد أن يكون، يومًا ما أردت أن أصبح طبيبًا ولكن انظروا لي الآن، مَظهري الخارجي يوحي لك بأنني مُجرد مُعلم أخرق ولكن أشد الأشخاص جنونًا كانوا هم الأكثر هدوءًا.

تقدمت نحوهم وصوت خطواتي كان إنذار الهروب بالنسبة لهم، لا رياضي يريد أن يتم إحتيجازه لما بعد الوقت الدراسي.

عندما رأوني الفتية لبثوا بالركض هاربين، هبطتُ لمستوي الفتي المسكين ألتقطتُ نظاراته المُلقاة أرضًا وأعطيته إياها، لقد أخذ من اللكمات والركلات ما يُكفيه، تحدث بضعف دون أن أسأل :
«أنا بخير أستاذي.»

«كيف أصبتَ بجروحك تلك؟»

تقلص وجهه وزاغ بصره بعيدًا مُردفًا بتقطع:
«لـ..لقد سقطتُ من على الدرج.»

ألقيتُ نظره نحو الدرج الذي يقبع بأخر المَمر ونحن بأوله، جلستُ بجانبه مُستندًا علي الحائط خلفنا و رواغته قائلًا:
«أوقفت درجات السُلم في صف ليلكموك؟»

أبتسم في ألم وكاد أن يتحدث ولكني سبقته في الحديث :

«في المرة التالية عندما يأتون مُتأهبين لإبراحك ضربًا، لا تتراجع ولا تخف، قف كالتمثال وحدق بهم، لا تخفض ناظريك مِن عليهم، حدق بهم وكأنهم هدفك الذي تريد الوصول إليه.»

أردف في إعجاب :
«وماذا بعد؟»

«لا شئ، سيخافونك، سيظننونك مَجنونًا أو مَمسوسًا، في الحالتين سيتركوك وشأنك خوفًا على أنفسهم.»

«وهل سينجح ذلك؟»

ربتتُ على كتفه في إصرار وأبتسمتُ له :
«وإن لم ينجح فسأجعله ينجح.»

«وهل جربتَ ذلك من قبل أستاذي؟»

هاجمتني دوامة ذكرياتي التي لا تنفك تذكرني بما كنتُ عليه، تُذكرني لما أصبحتُ ما أنا عليه الآن، أتذكر الأولاد الآخرون وهم يدفعونني مَرارًا وتكرارًا وضحكاتهم تتوالي وتغطي على صوت بكائي.

نعتوني بالبدين وبالجبان وبالأخرق و بذي العيون الأربع لكون نظاراتي لا تفارقني، ولكن الآن توسلاتهم تطرق أذني لتشعرني بالأنتصار.

أنتشلني من دوامة عقلي صوت رنين جرس بداية اليوم، ألقيتُ نظري نحو الفتي بجانبي لأجده يقف ويلملم شتات نفسه، نهضتُ ونظر نحوي بأمتنان ورحل في طريقه.

وفي اليوم التالي خرجتُ من سيارتي بقميصي الأسود لن تتكرر مأساة الأمس، نزعتُ قفازاتي وألقيتُ بها في الحقيبة السوداء، تدلت يد أحد الولدان خارج الحقيبة أدخلتها وأغلقتُ الحقيبة بإحكام.

كان هذين أصعب من جميع من سبقوهم، فتقطيع العضلات هو الأسوء ولكن في البداية يجب عليك أن تمر بالدهون حتي تصل للأوتار، وما قد يُفسد مُتعتك هو صراخهم المتوسل، لقد كانا يصرخان كثيرًا بتوسل وبكاء.

هل الذي أقوم به غير قانوني؟ قد يراه البعض كذلك ولكني أراه أخلاقي جدًا.

لا أعلم إن كنتَ تري الأمر كما أراه ولكني أريح ملايين الأطفال من مُعاناة التنمر، مَلايين الفتيات مِن مُعاناة المُضايقة، أريح الدولة من العبء الزائد.

بالنهاية هم لا ينفذون أبدًا لذا مهمتي لا تنتهي أبدًا.

_______________

آراكم؟

🎉 لقد انتهيت من قراءة أيّـهَـم. 🎉
أيّـهَـم.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن