مرغم عليك يا صبح مغصوب ياليل
لدخلتها برجليا ولا كان لي ميل
شايليني شيل دخلت انا للحياة
وبكرة حخرج منها شايلني شيلوعجبي (صلاح جاهين)
مازال الدعاء مستمرا، مازالوا جميعا يرجون الله من قلوبهم ان يعود ريان اليهم، مازالوا على حالهم ينتقلون من الدعاء الى الصلاة الى سجود تنصب ماسات عيونهم تحفر طريقها لتترك علامات من الحزن على الوجوه والقلوب والارواح.
وما بين الدعاء والدعاء تنتقل العقول الى أفكارها، بين بحث عن الحلول، وبين ذكريات منها ما يريق الدموع ومنها ما يبرق شبح ابتسامة من بين الاحزان.
كريم ذلك الرجل الذي يحمل في قلبه طيبة الدنيا، يجلس شاردا في حياته كيف بدأت وكيف انقلبت رفع رأسه ليجد ياسين يقف بجواره ذلك الطبيب الذي حمى صغاره من مصير اقسى الف مرة مما عاشوه، نظر اليه يحادثه كانه يحدث نفسه: هو الغلط من مين ؟ انا كنت شاب عادي جدا عندي طموح الدنيا كله بيقت مهندس، لما اتعرفت على سلام كانت رقيقة زي النسمة، هادية وبريئة وجميلة، معرفش هي اتغيرت علشان تبقى بالقسوة دي ولا انا اللي كنت اعمى ومشوفتش قسوتها من الاول، ازاي قدرت تفرط في اولادي ازاي قدرت تبيعهم للعذاب، انت عارف ايوة انت اكتر واحد عارف كان هيحصلهم ايه لو فضلوا هناك، ازاي قدرت تبيع سنين عمرنا اللي قضيناها، طب محنتش، موحشتهاش ضحكتهم وكلامهم، انا مشفقتش عليا مشفعتش ليا حاجة عندها، نفسي افهم نفسي افهم.
قالها وهو يرتعش لا يستطيع البكاء همه اكبر من جبل يجثم على قلبه، جلس ياسين الى جواره يهدئه واشار الى احدى الممرضات فاتت مسرعة بحقنة مهدئة استسلم على اثرها للنوم، حمله اولاده الى احدى الغرف في المشفى وهم يتألمون.
خرجوا من عندهم ظهورهم محنية فقد زاد الحمل حتى ناءت به، ليتفاجؤا بها تقف امامهم تبتسم وتبكي في آن واحد، نظر اليها عاصم بعيون تائهة مد يدا مرتعشة تتأكد من وجودها بينهم هزت رأسها تخبره انها هي، نعم هي.
بصرخة فرح ممزوج بالالم والحنين رفعها عاصم عن الارضيدوربها قلبه يرقص فرحا لرؤيتها انها حية لم تمت، عادت اليه لتمسح بيده الحانية على رأسه تقرأ عليه ايات الله لينام، او تهدهده كانه رضيع في مهده، لا يفصل بينهما سوى عامين ولكنها اخذت منذ لحظة اليتم دور الام، التفوا جميعا حولها سعداء بعودتها، بعد الكثير من عبارات الحب والفرح نطق كفاح بالسؤال الذي يدور في اذهانهم جميعا: ايه اللي حصل؟
اغمض عاصم عينيه وكأن ذلك سيمنعه من سماع الاجابة.
ترقرق الدمع في عينيها لتبدأ في الكلام : يوميها كنا انا وعاصم قعدين كان تعبان قوي وحرارته عالية وانا كنت بعمله كمادات فجأة لقيتهم دخلوا علينا كانوا عايزين ياخدوه تاني لقيت نفسي بهجم عليهم بحاول ابعدهم عنه وفي لحظة حسيت بحاجة بنخزني وبدأ جسمي يترعش والدم ينزل من مناخيري وبوقي ولما فقت لقيت نفت نفسي لوحدي في قبو تحت الارض مش فاكرة حاجة غير ان اسمي سراب،نظرت لكفاح بقوة وكأنها تطالبه دون غيره باخذ حقها وقالت: مخلوش حاجة معملوهاش، مسابوليش حاجة، مسابوليش حاجة.خيم صمت قاتل على الجميع لا يسمع الا صوت خطوات عاصم المهرولة الى الخارج كانه بخروجه من المكان سيمحي هذه اللحظة قال كفاح بلهجة آمرة : حسام وراه متسيبوش لوحده.
انطلق حسام خلفه بينما جلس آسر بجانب سراب يخبرها انها ليست الوحيدة، يحدثها عن ملاكه الغائب.
اما عن ياسر فهو مازال منفصلا عن الجميع عيناه وقلبه معلقان بباب تلك الغرفة، يريد ان يخرج منها اخاه ليخبره ان ما يمر ن به الان ما هو الا حلم او مجرد مزحة ثقيلة من شخص سمج.
وهناك تجلس وطن تبكي بصمت، بهدوئها المعتاد، ويجلس امامها يراقب كل طرفة عين، كل انتقال لانفاسها ما بين القلب والشفاه، كل ارتعاشة وتنهيدة، غريبة تلك الصلة التي تجمعهما منذ الطفولة، منذ اللقاء الأول، مازال يتذكر كيف شعر عندما رآها اول مرة، شعر بأنه لاجيء تعب من الدوران حتى وصل اخيرا الى الوطن.