رفعت الطفلة ذات السبعة أعوام بصرها لترى تلك العينان الفضيتان بلمعة متوهجة تراقبانها من خلف أجمة قريبة.. أجفلت الطفلة شيئاً ما وهي ترى الوجه الذي برز من خلف الأجمة وفروه منتصب بتحفز وتهديد واضحين حتى لطفلة في عمرها هذا.. أعجزها ذعرها عن القفز واقفة والهرب من المكان، فظلت جالسة في موقعها حيث تلطخت يداها بالتراب أثناء بحثها عن بعض الجذور التي تؤكل في هذا الجو الصقيعي والأرض المتجمدة.. بقيت الطفلة تنظر شاحبة للوجه الذي وقف في موقعه في مستوى لا يتجاوز مستوى نصف قامة رجل بالغ، لكن لعينيها الصغيرتين بدا لها بقامة هائلة ضخمة مع انتصاب فروه مما منحه أبعاداً أكبر وأكثر وحشية..
ورغم رجفة شفتيها، لكنها لم تتحرك من موقعها أو يصدر منها صوت وهي ترى الوجه قد كشّر عن أنيابه وصدرت من حلقه زمجرة تحذيرية خافتة.. ورغم أن عيناها قد علقتا في أسر تلك العينان الفضيتان الآسرتان رغم وحشيتهما، لكن تراءى لها أنها تلحظ دماً على جانب عنقه يتصبب بغزارة.. ظلت صامتة وهي تراقب الذئب الذي ظهر من خلف الأجمة بفرو أبيض لامع، وأنف امتزج مع فمه في تكشيرة قوية أظهرت أنيابه الطويلة، بينما خطا خطوتين مقترباً منها فازدادت رجفة جسدها وكادت أنفاسها تنقطع لذعرها..
وبعد خطوتين فقط، فوجئت بالذئب يتكوم أرضاً بصوتٍ قوي، ومن بين الصمت الغريب الذي تلا ذلك لاحظت الدماء التي تزايدت رقعتها على فرائه وبدأت تلطخ الأرض العشبية بسرعة.. فأدركت أن الذئب مصابٌ بعدد من الخدوش والجراح في أجزاء متفرقة من جسده، وإن كان جرح عنقه هو الأعمق والأكثر تأثيراً وبشاعة لعينيها الطفوليتين..
نهضت الطفلة متلفتة حولها بتوتر كبير وقد خفت فزعها بعد أن اطمأنت أن الذئب لا يستطيع الحراك، ثم حملت حصيلتها الضئيلة من الجذور في سلة متواضعة تملكها، وركضت مبتعدة بخطواتها القصيرة وقدميها الحافيتين.. لكنها بعد عدة أمتار توقفت فجأة والنسمة الهادئة التي هبّت نحوها قد حملت لها صوتاً خافتاً أشعل كيانها كله..
كان الصوت الخافت يشبه صوت الأنين الذي قد يصدره بشري.. نظرت خلفها وهي ترى الذئب متكوماً في موقعه وإن كان صدره يعلو ويهبط بلهاث واضح.. ومرة أخرى استطاعت أن تسمع ذلك الصوت الذي يشبه الأنين.. لكن..... كان ذلك أنيناً بالفعل.. أنينٌ عميق ويعبر عن ألمٍ عنيفٍ ومعاناة كبيرة..
قلبت الطفلة بصرها فيما حولها، ثم تقدمت من الذئب عدة خطوات وهي تراقب ملامحه بقلق خشية أن يهجم عليها.. فهي تعرف أن الحيوانات الجريحة تكون أكثر شراسة وعنفاً من المعتاد.. فكيف يكون الذئب عندما يكون جريحاً؟.. ولما صارت على بعد خطوات قليلة منه، استطاعت أن ترى عيناه اللتان كانتا متيقظتين وتنظران لها بصمت.. كان منظراً مؤلماً، واختفت أمام عينيها صورة الذئب الشرس المخيف.. كان كل ما تراه في تلك اللحظة هو تلك العينان اللتان تداريان ألماً عارماً ويأساً كبيراً، وتبثان في نفسها عوض الخوف والفزع، الرغبة بإنقاذه بأي وسيلة كانت..
وسرعان ما استدارت الفتاة بصمت مبتعدة لا تلوي على شيء..
༶༄༶༄༶༄༶༄༶༄༶༄༶༄༶
أنت تقرأ
طريق الأطياف
Fantasiطفلة هاربة، تسلك طريقاً لم يسلكه البشر قط.. لتجد نفسها في عالمٍ لا تدري ما ينتظرها فيه.. ولا ما يراد بها.. تجد نفسها مطمعاً لكائناتٍ لم تسمع بها أو ترها قط.. ولا تجد إلا مذؤوباً يحميها، ويسعى لإنقاذها من كل ما يتهددها.. فما سبب قدومها لهذا العالم؟...