على جذع شجرة ساقطة قرب نهرٍ واسع يسير بسلاسة، جلس ذلك الرجل ذو الكتفين العريضين وطول فارع وسمارٍ خفيف.. شعره القصير بلون أبيض غريب، ولم يكن ذلك بسبب عمره فهو لا يبدو قد جاوز مرحلة الشباب بعد.. بوجه طويل غير حليق، وأنف حاد يعلو فماً متجهماً بشكل دائم، وعيناه الرماديتان تلتمعان بوهج غاضب وهو يراقب تلك المرأة التي جلست على فرع شجرة سامقة في موقع قريب.. ثم سمعها تقول بصوت رقيق "لا داعي لهذه النظرات الحارقة.. لقد عرضت عليك عرضاً، ولا أريد منك إلا التفكير به ملياً.."
قال بسرعة "عرضك مرفوض.. فهلا تركتني وشأني؟"
قالت وهي تعبث بخصلات شعرها كعادتها "هل تستثقل وجود امرأة جميلة مثلي؟.. لهذا السبب ستظل وحيداً لما بقي لك من العمر.."
لم يعلق الرجل على قولها وهو يراها تدير خصلات شعرها مراراً بإصبعها قبل أن ترميها للخلف وتبادله النظرات بثقة بالغة.. كانت بالفعل جميلة، إن كان بالإمكان وصف امرأة بجناحين بهذا الوصف.. بوجه أبيض وعينان واسعتان خضراوان ورموش كثيفة، أنفها دقيق وطويل، يعلو فماً كرزياً وذقناً ناعماً.. شعرها المتموج بلون عسلي لا يتجاوز كتفيها، وجسدها طويل نحيف بأطراف دقيقة، ومن ظهرها نبت جناحان شفافان يشبهان جناحي اليعسوب بلمعة خضراء زاهية.. وترتدي ملابس مرنة تلتف حول جسدها كاملاً وتضيق عند قدميها ويديها مانحة إياها سهولة في الحركة والطيران دون معوقات..
لم يتعجب الرجل لرؤية الجناحين على ظهرها، فهذا ليس منظراً مستغرباً في هذا العالم.. ورغم ملامحها الجميلة التي لا تفوت أي ناظر إليها، إلا أن نظراتها القاسية وابتسامتها المغرورة تطغى على ذلك الجمال.. أشاح الرجل بوجهه وهو يراقب الدوائر التي تتكون وسط النهر مع الصخور التي يرميها فيه، عندها قالت المرأة بشيء من الضجر "لا أدري سبب عنادك هذا.. أنت تعلم أنني لا أستطيع اللجوء لغيرك، فلا تخيّب ظني.."
قال بجفاء "من هو العنيد هنا؟.. لقد مضت سنة كاملة منذ لقائنا المشؤوم ذاك، فما الذي أعادك إليّ بعد هذه المدة؟.. أنا لا يهمني تحقيق رغباتك الحمقاء تلك.. لمَ لا تنجزين هذا الأمر بنفسك؟.."
أجابت بسرعة "أتظن أنني لم أحاول؟.. لكن كل ما حققته هو أن طُرِدتُ شرّ طردة بشكل مهين.. أتظن أنني قادرة على أن أحط من قدري مرة أخرى في محاولة جديدة؟"
عندها قال بغلظة "لا يهمني أمرك قيد شعرة.."
ونهض مغادراً الموقع بعد أن سئم إلحاحها، لكنها لحقته وهي تطير بجناحيها بخفة وهما يصدران صوتاً خافتاً.. فبقيت على شيء من الارتفاع بعيداً عن قبضته تحسباً للأسوأ، وقالت بهدوء "أنت لن تتخلص مني بسهولة يا هذا.. ما الذي يغيظك في الاقتراح الذي اقترحته؟"
أنت تقرأ
طريق الأطياف
Fantasyطفلة هاربة، تسلك طريقاً لم يسلكه البشر قط.. لتجد نفسها في عالمٍ لا تدري ما ينتظرها فيه.. ولا ما يراد بها.. تجد نفسها مطمعاً لكائناتٍ لم تسمع بها أو ترها قط.. ولا تجد إلا مذؤوباً يحميها، ويسعى لإنقاذها من كل ما يتهددها.. فما سبب قدومها لهذا العالم؟...