قضت تيما الساعات التالية صامتة على غصن شجرة تطل على المخبأ الذي اتخذه أوس.. كانت تنظر للسماء ساهمة لا تكاد ترى ما تراه بعينيها حقاً.. لقد سئمت هذه المهمة التي أنيطت بها، وراودها شعورٌ قوي أن تتجاهل كل شيء وتعود لقريتها دون إبطاء.. ما الذي يجبرها على تحمل فرد من الريابلة لهذه المدة الطويلة؟.. لو لم يكن منيعاً عليها، لتخلصت منه منذ وقت طويل، علّ ذلك يهدئ بعض الغيظ الذي تشعر به تجاهه..
لاحظت في تلك اللحظة أن الطفلة قد خرجت من المخبأ ووقفت عند مدخله تتلفت حولها، قبل أن ترفع بصرها وتتأمل تيما بصمت.. فتساءلت تيما "ما الأمر؟.. أين ذلك الرجل؟"
أجابت ساما بشيء من التردد "يبدو أنه متعب، فقد خلد للنوم قبل قليل.. وقد وعدني أن يأخذني لمنزل الحكيم عند استيقاظه.."
لم تعلق تيما وهي تطلق ضحكة هازئة.. ذلك الرجل الغريب يرفض التدخل في أمور جدية وهامة، لكنه يجد من الوقت ما يكفي للاعتناء بطفلة بشرية وتلبية طلباتها مهما كانت تافهة.. وعندما التفتت تيما زافرة بملل، لاحظت عينا ساما اللتان تراقبانها بلمعة ظاهرة واهتمام واضح.. دفعت تيما شعرها المتموج للوراء وقالت بنبرة ضجر "ما الأمر؟.. لمَ تحدقين بي بهذه الصورة؟"
حوّلت ساما بصرها للحظات متطلعة جهة أوس الذي بدا لها مستغرقاً في نوم عميق، ثم عادت ببصرها إلى تيما التي تحدق بها بدورها.. عندها فركت ساما كفيها للحظة وقالت بشيء من التردد "هل أنت مخيفة؟"
نظرت لها تيما باستنكار وقالت حانقة "مخيفة؟.. أيمكن لشخص بهيئتي هذه أن يكون مخيفاً؟.. ما الذي هيأ لك ذلك؟"
قالت ساما بارتباك أكبر "أوس هو من قال ذلك، لا أنا.. لقد حذرني منك بشدة وأنذرني من الانصياع لك أو الاقتراب منك.. ولم يفصح لي عن السبب.."
نظرت لها تيما بغيظ.. أهذا كل ما يملكه أوس لوصفها به؟.. لو أنه وصف جمالها، أو رقتها، أو حذر ساما من الإعجاب بها، لكان أمراً مفهوماً.. لكن أيصفها بأنها مخيفة؟.. هل يرى بعينيه هاتين غولاً؟..
ارتسمت ابتسامة متلاعبة على جانب فمها الصغير المكتنز وهي تراقب ساما التي تنتظر جوابها بقلق، وقالت وهي تهبط من موقعها برفات جناحيها الناعمين "هل تريدين أن تعرفي ما يعنيه أوس بذلك؟"
هزت ساما رأسها إيجاباً بفضول ظاهر، وبدا لتيما أن تحذير أوس قد آتى نتائج عكسية قد لا تعجبه.. فازدادت ابتسامتها اتساعاً وهي تدور حول ساما هامسة بصوت ناعم "لا تلوميني على فضولك هذا.."
فوجئت ساما بأن تيما قد أمسكت بها من تحت ذراعيها ورفعت جسدها بخفة وسرعة وجناحيها يرفرفان بقوة مثيرة الهواء حولهما.. شهقت ساما وهي ترى الأرض تتضاءل بسرعة تحت قدميها، لكن تيما قالت بسرعة وتحذير "لو أصدرتِ صوتاً الآن، فسأطلقك من هذا الارتفاع لتسقطي ويتهشم جسدك قطعاً متناثرة.."
أنت تقرأ
طريق الأطياف
Fantasyطفلة هاربة، تسلك طريقاً لم يسلكه البشر قط.. لتجد نفسها في عالمٍ لا تدري ما ينتظرها فيه.. ولا ما يراد بها.. تجد نفسها مطمعاً لكائناتٍ لم تسمع بها أو ترها قط.. ولا تجد إلا مذؤوباً يحميها، ويسعى لإنقاذها من كل ما يتهددها.. فما سبب قدومها لهذا العالم؟...