في الليلة التي أنارها القمر بضوئه الباهت، وفي ذلك الجانب المنخفض من التل الصخري حيث نصبت ساحة القرابين، اعتدل جاد فجأة بعد غيبوبة طويلة وتلفت حوله محاولاً تذكر ما جرى.. ثم عادت له ذكرى ما حدث هذه الليلة وسقوطه من فوق التل الصخري ليتدحرج في هذا المنحدر دون السقوط في الهاوية بمعجزة.. كان يشعر بالدماء التي سالت من جرح صدره بغزارة، ويصل لسمعه بعض الأصوات الخافتة من تلك الساحة، مما دله على أن الأمور لم تنقضِ بشكل تام..
سارع لربط جرحه بقوة مستخدماً قميصه الخارجي، وتلفت حوله بحثاً عن وسيلة للعودة.. لإنقاذ الكاهنة وإعانتها على إكمال مهمتها، لو كان هناك متسعٌ لذلك.. بدون هذا، لن تستجيب لوعدها له ولن تخبره بالوسيلة التي يقدر بها على التخلص منها.. وهو لا يمكن أن يسمح للحكيم ولا لغيره بمنعه من الخلاص منها بأي صورة كانت.. لا تزال صورة فيت وهي غارقة في دمائها أمام عينيه ولا تكاد تفارق ذهنه.. ورغبته بالانتقام لم تهدأ ولو للحظة طوال السنوات الماضية..
شرع في تسلق المنحدر محاذراً من السقوط في تلك الهاوية، حيث لن ينجو من الإصابات المميتة.. دفعته عزيمته القوية لتجاوز إصاباته وتعب جسده للعودة للأعلى، ولم يوقفه إلا ذلك الشعور الذي اكتسحه فجأة دون إنذار.. تجمد في مكانه للحظات مستشعراً وجوداً غامضاً قريباً منه.. تلفت حوله بحثاً عنه، لكنه لم ير شيئاً غريباً إلا الهاوية المرعبة تحته.. لكنه موجود.. هناك شيء غريب يقترب منه دون أن يراه.. هناك شيء يقشعر له بدنه وينتصب له شعر ساعديه.. لم تكن الغيلان تخشى أحداً مطلقاً.. وهو كـ (نصف غول) قد ورث عنها هذه الثقة والجرأة عالماً أن كائناً عاقلاً لن يستهدفه دون عذر قوي.. وبالطبع لن يسعى أي كائن خلف جسده بأي حال من الأحوال..
لكن ما سر هذا الشعور الغريب الذي داهمه فجأة؟.. لمَ يشعر برغبة قوية في الفرار؟.. عاد يتلفت حوله شاحذاً حواسه بحثاً عن ذلك الشيء، مقاوماً رغبته العارمة للفرار ومتحدياً نفسه بالدرجة الأولى..
وفي الأعلى، لم ينتبه أحدهم لجاد الذي ظنوه قد قتل بسبب سقوطه العنيف سابقاً.. وبينما تجمع الريابلة في جانب الساحة تاركين أمر الكاهنة للحكيم ومن معه.. فإن الحكيم ومن معه قد أصغوا لحكاية الكاهنة التي استغرقت جزءاً غير قصير من هذه الساعة.. ومن قلب الظلمة، أنصتت ساما لما يقال بدورها وهي تشحذ فكرها وتركيزها لتبقى على اتصال بهذا العالم.. كانت تريد أن تعرف.. وتريد أن تجد اللحظة الملائمة للعودة.. ربما عندها يتمكن الحكيم من طرد تلك المرأة التي تحتل جسدها بعلومه وخبرته الكبيرة..
وإزاء ما حكته الكاهنة عن تنقلاتها بين بعض الأجساد مقابل تنفيذ ما تخطط له، قال أوس عابساً بغضب "كيف لك أن تضحّي بكل هؤلاء الفتيات لتحقيق هدف واحد؟.. من الذي منحك الحق بالاستيلاء على أجسادهن وقتلهن كما تشائين؟"
أنت تقرأ
طريق الأطياف
Fantasíaطفلة هاربة، تسلك طريقاً لم يسلكه البشر قط.. لتجد نفسها في عالمٍ لا تدري ما ينتظرها فيه.. ولا ما يراد بها.. تجد نفسها مطمعاً لكائناتٍ لم تسمع بها أو ترها قط.. ولا تجد إلا مذؤوباً يحميها، ويسعى لإنقاذها من كل ما يتهددها.. فما سبب قدومها لهذا العالم؟...