the table man

40 3 1
                                    

في احدى قرى" كارديف " الزاهيه ، تعيش فيها مراهقه جميله يتسع صيتها في جميع اركان القريه ، " ايميلي باركر " ذات العيون العسليه البراقه و الشعر الذهبي الطويل الناعم مع ملابسها التقليديه سماويه اللون ، كانت ايميلي اكثر الفتيات محبه من بين جميع من في القريه ، كانت معروفه ببراعتها في الطهي ، وذلك ماجعلهم يلقبونها بطاهيه القريه ، ايضا كان القرويون من القرى المجاوره يذهبون خصيصاً الى قريتها لتناول طعامها اللذيذ المشبع للبطون ، ولذلك قررت ذات ليله جعل وقتٍ محدد لجمع جيرانها واهل قريتها الى مائدتها الكبيره لتناول العشاء معاً والاستمتاع بوقتهم ايضاً ، بالرغم من انها تشتهر في قريتها وتعمل كثيراً في مطبخها الا انها تستمتع بذلك ، كانت والدتها تعلمها كيفيه طهي بعض الاطعمه المختلفه حتى تصبح لها طريقتها الخاصه بالطهي.

في احدى الايام ، شعرت ايميلي ببعض الاختلاف ، كانت جارتها وصديقتها المقربه " ميلين " ذات الشعر الاحمر والملامح البريئه ونظراتها الطفوليه تجهز لإنتقالها الى حياتها المدنيه الجديده مع زوجها المستقبلي ، شعرت ايميلي ببعض الفراغ عندما سمعت بذلك ، ولكن عندما رأت ميلين في اليوم الاخير لها في زياره اخيره ابتسمت من تلقاء نفسها ودعتها لتناول وجبه خفيفه.
" كان يجب رؤيتك قبل رحيلي ، عزيزتي " قالت ميلين
" سوف اشتاق لكِ حقا ، اتمنى ان تجدي الراحه في المدينه " ردت ايميلي
" لن اجد الراحه هناك بينما انا بعيده عن هنا ، ايميلي ، ولكن لنقل انه نوع من التغيير " قالت ميلين
ثم امسكت ميلين يدا ايميلي وسحبتها الى المطبخ ثم قالت بحماسه " اود ان تعلميني كيف تعدين اللحم على طريقتك الخاصه !" ، ضحكت ايميلي من حماسه وطلب ميلين المفاجئ ولكنها لم تبخل ابدا في تعليمها ، وقف كل منهن لمساعده بعضهن وتبادل النصائح وطريقه تحضير بعض الاطعمه المختلفه الحلو والمالح والاصناف البسيطه الى ان حل المساء لتقوم ايميلي بدعوه القرويون المجاورون الى طاوله العشاء كما في المعتاد ، ويودعون ميلين للمره الاخيره التي يرونها فيها.
في الصباح التالي ، استيقظت ايميلي مبكراً عن عادتها كل صباح لتبدأ روتينها اليومي اللطيف في المطبخ ، ازاحت شعرها الذهبي المتطاير عن وجهها وربطته خلف رأسها ، ثم نهضت مسرعه لتعد الفطور خاصتها وتعد مستلزمات الغداء في نفس الوقت ، قامت بإعداد الفطور وتناولته براحه وهي تفكر بمخططاتها لليوم ، عند الانتهاء من تناول فطورها اخذت سلتها لكي تخرج بها وتتجول عبر الاسواق والمتاجر التي بالقريه.
اخذت تتجول بين المشاه بخفه وتزور كل متجر تقع عليه عيناها ، اتضح لها ان هناك العديد من الاشياء التي لم يسبق شرائها وذلك زاد من حماسها لإستكشاف تلك الاشياء ، وبعد فتره لا بأس بها عادت ايميلي الى بيتها المتواضع ، واعادت النظر على مشترياتها ونقلتها الى مطبخها لتقوم بغسلها جيداً قبل ان تستخدمها ، بعض مشترياتها كانت تحتوي على الجبن و الخضار وبعض الفاكهه التي ستستخدمها فيما بعد للحلوى ، ولحسن الحظ ان ايميلي عادت مبكراً قبل موعد الغداء ، لذلك قامت بطهي الغداء وتحضيره بكل عنايه والذي كان يحتوي على الدجاج المقلي والارز وسلطه خضراء ، بعد ان انتهت اخيرا من تحضير الغداء كان الوقت قد حان لكي تحضر الطاوله ، اخذت احد الاطباق من المطبخ لكي تضعها على الطاوله ، وعندما خرجت من المطبخ تفاجأت برجل غريب بإنتظارها ..
كان جالساً وبكل هدوء على الطاوله ، لم يكن واضحاً ابدا بسبب الظلام الذي كان يغطي وجهه ويغطيه بالكامل ، كان يرتدي ملابس رسميه وقبعه صغيره ، اصبحت نبضات قلب ايميلي سريعه بسبب ذلك المنظر ولكن قبل ان تنطق بأي كلمه قال الرجل مقاطعاً شرودها " لقد سمعت عن مهارتك في الطهي ، لذلك اود ان ارى ذلك بنفسي " ، حاولت ايميلي تهدئه نفسها بصعوبه وجلست تفكر بأنه شخص اتى من خارج القريه بسبب الحديث المستمر من احدهم عن طعامها كالعاده لذلك مشت نحو الطاوله ببطئ لتضع الطبق عن يدها قبل ان تخونها اعصابها ويقع ارضاً ، ثم قال ذلك الرجل مجدداً " لا تخافِ ، انا فقط اريد تذوق طعامك " ، وكان يترجى منها ان تكمل تحويل الاطباق ليحصلوا على غداء جماعي.
بعد ان اكملت ايميلي تحويل الاطباق وجلست مقابل ذلك الرجل حاولت ان تتجرأ لتسأله عن من يكون ؟ وكيف دخل الى منزلها بهذه السهوله ؟ من اين اتى ؟ ..
" من تكون ؟" قالت ايميلي ، ولكن الرجل ظل يحتسي حسائه دون الاجابه عن السؤال.
" هل ..اعجبك طهيّ؟ " سألت ايضا لعله يجيب.
" انه افضل مما توقعت ، عمل رائع " قال الرجل بلكنته البريطانيه وهو يعبر عن مدى اعجابه بطعامها.
" هيا شاركيني التناول ، لا اود ذلك الشرود الذي بعينيك " قال الرجل وهو يحاول ان يصبح لطيفاً وليغطي على فعلته الغامضه، وبالفعل قامت ايميلي بتناول طهيها الرائع كما وصفه الرجل ، ولكنها لم تحاول ان تسأله اي اسئله اضافيه حتى لا تكشف عن وجهه الاخر ..إن كان لديه وجه ..
بعد تناول الغداء مباشرة ، اقترب الرجل من ايميلي وكان بينهم فقط بعض السنتيمترات ، وقال " اشكرك على الغداء " ، ولم يضف اي كلمه اخرى ، وبعدها اتجه الى الباب ليغادر وكانت ايميلي تنظر اليه وهي شارده وتعيد تخيل ذلك المشهد مره اخرى ، كانت تشعر بالرعب والغرابه وبعض السعاده ولكن بشكل اقل ، لازالت لاتعرف اي شئ عن ذلك الرجل الغامض ، من يكون ياترى ؟
حاولت ايميلي ابعاد تلك الافكار المشوشه عن ذهنها لكي تركز في شؤون بيتها الصغير ، ثم عادت الى مكانها المفضل ، المطبخ.
عندما حل المساء ، اقامت ايميلي طاولتها الجماعيه كالعاده لتضم اهل القريه اليها ، واثناء جلساتهم مع بعضهم ويضحكون وحديثهم يعلو ، ويختلطون مع بعضهم ، كانت ايميلي في الزاويه شارده مع التفكير ، ظلت في شرودها لفتره طويله الى ان انتهى العشاء وعاد كل من المدعوين الى دياره.
في صباح اليوم التالي ، افاقت ايميلي من نومها العميق في وقتها تماماً مع شعرها الفوضوي المتطاير ، اخذت تهندم نفسها جيداً وكانت في قمه النشاط ، لابد وأنها نست امر ذلك الرجل الغامض وذلك بمثابه شئ جيد بالنسبه لأيميلي ، فلا شئ استطاع ايقاف نشاطها او حماسها ، وكالعاده بعد ان تنتهي من تناول فطورها تتجه مباشرةً الى السوق لتشتري مستلزمات البيت والطعام وما الى ذلك ، واثناء تسوقها لاحظت ايميلي جارتها الكبيره " نورث " تقترب اليها وتقوم بمحادثها.
" ايميلي ! تبدين جيده للغايه عكس ماكنتِ عليه ليله امس !" قالت نورث بإعجاب
" اوه ، اشكرك ..سيدتي نورث ، اعني لا ارى شيئاً قد تغير بي " ردت ايميلي
" اخبريني ، مالذي كان يدور برأسك وقتئذ ؟" سألتها نورث لتجيب ايميلي عقب زفير عميق " ..لا شئ حقا ..".
اخذت نورث تتجول مع ايميلي بين المتاجر والمشاه وهن يتحدثن عن شؤونهن الخاصه وعن امور العائلات وبعض الاحاديث النسائيه ، عادت ايميلي الى بيتها بعد حوارات تكاد ان لا تنتهي حقاً مع نورث ، رغم انها كانت اكثر السيدات خبره في القريه الا انها تتمتع بكثره الكلام والثرثره ، غالباً ماتصبح ثرثره نورث مفيده ، بعد ان استراحت ايميلي للقليل من الوقت حتى تبدأ جولتها المميزه في المطبخ لتحضير الغداء.
استغرقت بعض الوقت لتحضر الغداء فكانت تحب التنويع في اصناف اطباقها ، اخذت صحنين في يديها لتحولهم الى الطاوله وعندما خرجت ..رأت منظراً مألوفاً لها.
كان هو نفس الرجل الغريب ذو الطباع البارده وشخصيته المظلمه القاتمه ، كان منتظراً مره اخرى على الطاوله ليتناول الغداء مع ايميلي ، وعلى ذكر ايميلي ، لم تتفاجئ كثيراً من رؤيته رغم الشهقه التي اصدرتها اثناء تحول نظرها اليه ، كانت يداها ترتعش كلما اقتربت منه ، ولكنها تغلبت على خوفها وحاولت التصرف بطبيعتها ليبدو كل شئ طبيعي حولها ، بعد تحويلها للأطباق جلست مقابل الرجل مره اخرى على طاولتها الزاهيه ، والتي كانت تحتوي على طبقها الرئيسي طبق " رجل الحرث " ، لم يتردد ذلك الرجل عن تناوله كما تفعل ايميلي في حضوره ، ولكنها بدأت ايضا من بعده لكي لا يلاحظ مراقبتها له ، ثم قاطع الصمت ذلك الرجل وقال ، "ربما لازلتِ تتسائلين عن من اكون، اليس كذلك ؟" ، ابتلعت ايميلي حلقها بسبب سؤاله المفاجئ ولكنها حاولت ان تجيب دون تردد " اجل ، ايها السيد ".
ثم رد عليها بإمتنان " اسمي كان روبن تايلور " وصمت دون اضافه اي كلمه اخرى عنه.
" ايميلي باركر ، ولكن سيدي ..ما اسباب مجيئك الى هنا كل يوم بنفس الموعد ؟"
انتهى الرجل من تناول الغداء ثم وقف بسرعه وقال " اشكرك على الغداء " ، ثم التفت الى الباب فوراً وقام بالمغادره دون اي اضافات ، ولكن سرعان ما وقفت ايميلي واتجهت الى الباب فور خروجه وفتحته ، ولكنها لم تراه بالخارج..
ذلك وقد اصاب ايميلي بالحيره والرعب ، كيف له ان يختفي بذلك الشكل ؟ ولماذا استخدم كلمه " كان " على اسمه ..هل قد غيره ام ماذا ؟ كانت تساؤلات ايميلي تزداد شيئا فشيئاً ولكنها نظرت الى الصحون المتبقيه من الغداء وقاطعت تفكيرها لتذهب وتقوم بتنظيفها.
قبل موعد العشاء ، جلست ايميلي لوحدها لتفكر مطولاً فيما حدث اليوم ، وظلت تنشط ذاكرتها لتعرف إن سبق وتقابلت او سمعت عن ذلك المدعو روبن تايلور ، لم يفارق ذهنها ابدا مظهره او طريقه كلامه بلكنته البريطانيه الرسميه ، وكأنه رجل اعمال.
لم تنتبه ابدا الى موعد العشاء واجتماع اهالي القريه عند بيتها ، وهذا ماجعل احدى جاراتها والتي تدعى " الينا " تزورها هذه الليله ، فتحت ايميلي الباب لترى الينا امامها ، لترحب بها وتدعوها الى الداخل ، ثم جلست كل منهن على الاريكه.
" ايميلي هل انت بخير ؟ " سألت الينا
" اجل.. انا. كذلك .." اجابت ايميلي بتلعثم وبدون النظر الى الينا
" هل هناك من تفكرين به ؟ " سألت الينا مره اخرى وكان سؤالاً صادماً حقاً لأيميلي ، فهي لم تفكر حتى بأمور الحب بتاتاً ولم تهتم له ، كل ما كان يتسع صدرها له هو الطهي والمطبخ والاهتمام بشؤون بيتها واقامه روابط متينه وجيده مع من في القريه.
" بالكاد تمزاحينني ..انت تعلمين لطالما تجاهلت هذه الاشياء " قالت ايميلي.
" اذاً لماذا لم تقومي بمائده العشاء الليله ؟ هذا يفسر ان هناك خطب ما " سألت الينا وهي مصره على معرفه ماتفكر به ايميلي
" اوه ..اسفه لقد كنت مرهقه قليلاً ، بات عملي شاقاً هذه الايام ، سأقوم بتعويض ذلك في ليله الغد " قالت ايميلي لربما تقتنع الينا بردها حتى تغلق ذلك الموضوع
" حسناً ايميلي " ..قالت الينا بنفاذ صبر ، ثم تابعت " اود ان اخبرك بأنني متواجده في اي وقت تودين التحدث معي به " ثم نهضت من جانب ايميلي لتقوم بالمغادره ، اعتذرت ايميلي مجدداً عن سبب ارجاء مائده العشاء وقامت بتوديعها وبعد ان اغلقت الباب جلست مره اخرى وهي تتعمق اكثر في تفكيرها ، وكأنها تقول لنفسها " هل ستقعين في حب رجل لاتعرفيه حقاً يا ايميلي ؟" ، على الارجح كان هذا نتيجه حوار الينا معها.
في الصباح التالي ، نهضت ايميلي متكاسله قليلاً عن قبل ، ولكن ذلك لم يمنعها من قيامها لروتينها اليومي ، تنظيم نفسها ، اعداد الفطور والخروج للتسوق ، ولكن قبل ان تتجهز للخروج فوراً لاحظت رساله مكتوبه على ورقه صغيره على الطاوله ، قامت بأخذها فوراً وقرأتها وكان مضمونها هو : " اريد مفاجأه -روبن تايلور-" ، شعرت ايميلي بالقليل من الغموض وبعض المشاعر المعقده من بينها ..الحب.
بالرغم من اعتياد ايميلي على مديح اهل القريه لها ولطهيها الا انها شعرت بأن مديح ذلك المدعو روبن بات مميزاً بالنسبه لها ، لم تشعر حتى بنفسها وهي تبتسم بدون خوف ، كأنها اعتادت الامر ، ثم قامت بترك الرساله وخرجت الى التسوق.
لم تدم المده التي قضتها بالخارج طويلاً ، بعد ان عادت اخذت مشترياتها الى المطبخ وقامت بإعداد بعض من " سجق جلامورجان " ، والذي كان اشهى ماطهته ايميلي على لسان اهالي القريه في احدى موائد العشاء ، انتهت ايميلي بعد وقت طويل من تحضير الغداء ، ولم تتفاجئ عندما رأت الرجل الغامض روبن عند الطاوله ينتظر ايميلي مع طهيها المميز.
شعرت ايميلي ببعض الحماس لمجرد رؤيتها له ، وكأنها تغلبت على مخاوفها بشكل ما ، لم تتردد حينها وهي تقوم بالاقتراب الى الطاوله ووضع الاطباق عليها ،وبعد تحويل الاطباق اخذا يتناولان بهدوء ، الى ان تفوه الرجل. " شكرا للإستجابه لطلبي " ، وكان يتكلم عن تلك الرساله التي وضعها على الطاوله في الصباح ، اومأت ايميلي رأسها له بكل امتنان ، وقد فهمت تلميحه لإعجابه بطهيها ، جلسا يتناولان بهدوء كالعاده ، وعندما انهى الاثنين تنوالهما وقفا لبعضهما ، واتجه الرجل الى ايميلي الى ان اصبح قريباً منها للغايه ، شعرت ايميلي حينها بضربات قلبها تزداد عندما رأته بذلك القرب ، وبالرغم من ذلك فهي لم ترى وجهه حتى ، وقبل ان تتزاحم الافكار في رأسها وضع الرجل اصابعه فوق ذقنها ، وهي تنظر اليه مع وجنتيها الزهريتين بسبب الخجل ، وهنا انتهى السكوت عندما قال " اعلم انك تخفين مشاعرك تجاهي " ، لم تشعر ايميلي بنفسها عندما ابتعدت عنه قليلا ، لم تدرك كيف قد ترد عليه او تبرر له الامر ، من الغريب رؤيه ايميلي تنجذب لأحدهم ..لم يكن من سماتها الوقوع في الحب ، لم يطل الصمت طويلا مجددا عندما تقدم الرجل نحوها بنفس المسافه التي ابتعدتها هي ليعودوا كما كانوا من جديد ثم قال " انا ابادلك نفس الشعور " ، نزلت تلك الكلمات التي نطقها بلكنته البريطانيه الجذابه كالصاعقه على رأس ايميلي ، وجعلت وجنتيها تزداد التهاباً ، بالرغم من السعاده التي كانت بقلبها الا انها كانت متردده كثيراً ، انها المره الاولى التي تجرب فيها شعور الحب.
شكرها الرجل على الغداء ثم خرج من المنزل كالعاده دون اضافه اي حرف اخر ، لم تشعر ايميلي بأرجلها عندما ركضت الى الباب وفتحته بسرعه ، ولكنها للمره الثانيه لم تجد له اي أثر .. فقط نظرات المشاه التي تتوجه نحوها لفعلتها المفاجأه هي ما قد رأته ، اغلقت الباب ببطئ وهي تغطي وجهها من الاحراج ، وعادت لكي تحول الصحون الفارغه للمطبخ لكي تنظفهم ، وهي بالكاد تكون منشغله بالتفكير بذلك الرجل واخر ما قد قاله لها لهذا اليوم ، لقد اخذ كل وقتها ، وهي تبتسم كالبلهاء..
بعد ان انهت كل ماتطلب منها فعله اخذت تحتسي كوباً من الشاي الاخضر وهي تجلس على الطاوله ، فقاطعها طرق على الباب ، وقفت ايميلي لكي تفتحه لترى الينا مره اخرى امامها ، القت عليها التحيه ودعتها للدخول ، وقامت بتقديم بعض فطائر التفاح التي اعددتها وكوباً من الشاي ايضا لها ، وجلسن براحه بال مع بعضهن ويتحدثن كما هن الفتيات المراهقات بالفعل.
" عجباً ايميلي ، اتضح ان كلامك صحيح حول ارهاقك ذلك اليوم ، اتذكرين ؟" قالت الينا
" ارأيت ؟ كيف لي ان اكذب عليك " قالت ايميلي مع قهقهه رقيقه
" اذاً ، الا تودين التجول في الخارج او ما الى ذلك ؟" سألت الينا
" في الحقيقه ، لا بال لي للخروج حقاً ، افضل المكوث هنا لسبب ما" اجابت ايميلي مع زفير ..ثم تابعت " الينا ، كيف تجري الامور مع ميلين ؟".
" اعلم انك اشتقت لها عزيزتي ، الامور تسري كالتالي ..زوجها دائماً بالعمل ، تحاول ان تبهره بطهيها ولكنه لا يبالي ، لا تخرج الا للتسوق فقط ، لم تعتد حتى الان على الحياه المدنيه " قالت الينا ببعض الضجر على حال ميلين ، فهي كانت قريبتها ايضاً.
" يا الهي ، لقد اعتقدت بأنه زوج جيد !" صاحت ايميلي.
" ميلين تنكر ذلك ، لا اعلم حقاً ..تقول بأن زوجها يزور الكثير من المدن المجاوره لعقد شراكات مع شركات اخرى وغيرها ..انا كألينا انزعج من ذلك " قالت الينا وهي تضع يدها فوق خدها كنايه عن عدم وجود حيله.
عبست ايميلي بسبب حياه ميلين الغير اجتماعيه والعاطفيه ايضا ، كانت تشعر وكأنه شئ يحدث لها ايضاً ولكن ..
" رائع ! احببت هذه الفطيره." قاطعت الينا شرود ايميلي عندما تذوقت الشطيره التي صنعتها وقدمتها لإلينا ، وذلك قد ارجع لها ابتسامتها اللطيفه مره اخرى ، بعد القليل من الاحاديث المختلفه ، استأذنت الينا من ايميلي لكي تذهب ، ثم ودعتها ايميلي قائله " اراكِ على مائده العشاء!" ، اعطت الينا نظره اليها وهي تبتسم ابتسامه تبين اسنانها من شده الفرح ، كان الامر غريبا عندما اجلت ايميلي مائده العشاء ليوم واحد فهي لا تتأخر بها ابدا ، ولكن كلماتها اعادت الفرح مره اخرى الى قلب الينا ، لسلامه ايميلي اولا ، ولعدم تغيير شخصيتها ثانياً.
ولكن اثناء تلك الليله ، شعرت ايميلي بشئ ما ، وكأن شيئاً ما يتربص لها ، وربما كان يراقبها ، طوال العشاء كانت تتصنع اللامبالاه لذلك الشعور وكأن كل شئ على مايرام ، الي ان انتهى العشاء وعاد الكل الى دياره.
بعد ان عادت ايميلي الى منزلها رأت الرجل الغامض بعينه يقف امامها الى جانب الطاوله ، وكأنه كان في انتظارها ، تفاجئت ايميلي في البدايه ولكنها اعطت ابتسامه صغيره له حتى لا ينتابه شعور بأنه قد اخافها ، " روبن ؟" نادت ايميلي عليه ، وكانت لاتزال محافظه على ابتسامتها ، ثم عادت لتسأله عن ماذا يفعل هنا ، لم يجبها وظل محافظاً على هدوئه الغامض ، ثم اقترب منها ببطئ شديد وهكذا قال :
" لماذا اقمتِ هذه المائده مره اخرى ؟" بلكنته البريطانيه الرجوليه والحاده
" ماذا تعني بذلك ؟" ردت ايميلي ، وكان يبدو عليها الغرابه.
" لا اريد ان يتكرر ذلك الامر مره اخرى ، من فضلك " قال الرجل بحده وضجر ، هل ذلك الرجل الغريب يغار حقاً؟
احنت ايميلي رأسها وهي تغوص في تساؤلاتها عن السبب الذي جعله يقول ذلك ، حتى انها نست وجوده امامها ، قاطع ذلك الرجل تفكيرها العميق عندما وضع اصبعيه على ذقنها ورفع رأسها تجاهه ، نظرت ايميلي الى الظلام الذي بوجهه الى ان شردت كالعاشقين ، ايميلي الساذجه.
" لا اود ان يعجب احدٌ بكِ غيري " قالها الرجل من هنا ، وتجمعت الدماء في وجه ايميلي حتى اصبح كالخوخ من هناك ، كانت كلمات ذلك الرجل كفيله بأن تشرح الشراره التي كانت بينهم ، بعد ان انتهى من كلامه ، تركها واقفه في مكانها وخرج من البيت في هدوء تام ، ظلت ايميلي شارده اكثر من المعتاد ، كيف لشخص بدون ملامح ومظلم وغامض كهذا يقوم بإذابه قلب فتاه لا تفقه في الحب شيئاً ؟.
في الصباح التالي ، استيقظت ايميلي بطريقه عاديه مثل كل صباح ، ولكن في جزء من الثانيه تذكرت الحديث الشيق الذي حدث بينها وبين الرجل الغامض تلك الليله ، وابتسمت من تلقاء نفسها ، اثناء انشغالها بتذكر تلك الاحداث طرق باب بيتها ، غريب ..لم يأتها احد في ذلك الوقت من قبل ، اسرعت ايميلي بالنهوض من السرير لترى ماتلك الزياره المبكره لعل الامر طارئ ، عندما فتحت الباب رأت الينا امامها !.
" الينا ؟ ما الامر جعلتِني اقلق !" قالت ايميلي وهي تصب الشاي لها بعد ان اصطحبتها داخل بيتها.
" لن تصدقِ ما سأقوله لكِ ، الامر جنوني .." قالت الينا بإندهاش مرعب ،وكأن هناك جريمه قد حدثت امامها او ماشابه.
"..هل سبق واخبرتك عن زوج ميلين ؟" اكملت الينا بذلك السؤال
" اجل..مادخله بما ستقوليه الان ؟" قالت ايميلي بدهاء ، وكأن شعله الحب اتسعت حتى اثرت على عقلها.
" بحقكِ ..لقد اتيت لكي اخبرك عنه من الاساس! ،الرجل قد اتى الى القريه هنا!" قالت الينا وكأنه بشئٍ خارجٍ عن المألوف.
" احقاً ؟ هل اتت ميلين ؟!" كان لدى ايميلي الحق لكي تسأل عن صديقتها بدلاً من الانشغال بزوجها ولكن..
" وهذا ماقد اصابني بالجنون ..ميلين لم تأتي معه بتاتاً" قالت الينا متعجبه ، لماذا لا يصطحبها معه كونها زوجته ؟ ذات السؤال كان كل من ايميلي والينا يبحثن عن اجابه له ..ولكن لا جدوى.
خرجت ايميلي والينا الى المقهى الذي كان يمكث به زوج ميلين ، تركت الينا ايميلي لتتصرف معه بحجه انها لديها اعمال متراكمه وايضا لأن ايميلي كانت المقربه اكثر لميلين، لذلك ودعتها وتم الحكم عليها بأن تتعامل معه بمفردها ، دخلت المقهى حتى تلقي عليه التحيه ، عندما رأته استطاعت معرفته عن طريق بذلته الرسميه الانيقه وشعره المرتب وكأنه رجل مهم.
" طاب يومك سيدي ، كنت اتسائل ان كان لديك صله قرابه لفتاه تدعى ميلين الينور ؟" سألت ايميلي الرجل ، ولكنه نظر بكل هدوء اليها وهو مبتسم ابتسامه واسعه ، ثم وقف وقام بمد يده ثم قال لها " اوه ، طاب يومك آنسه ..ايميلي باركر !" ، لم تستغرب ايميلي كثيراً من معرفته لإسمها ، فلا عجب بأن ميلين قد اخبرته ، ثم اكمل قوله " انا ادعى (بينجامين روبنسون) ، بالطبع لا حاجه لاُعرفكِ بماذا اقرب لميلين" قالها بطريقه مهذبه ، وهنا علمت ايميلي انه هو زوج ميلين ، تشرفت بمعرفته ثم جلست امامه في نفس الطاوله التي كان يجلس امامها ، لتبدأ هي الحديث عن ميلين كالعاده فهو المصدر الرئيسي المباشر والوحيد ، بدأت تطرح اسئلتها عليه عن كيف تعيش ميلين وماذا تطهو وكيف اصبح مستواها في الطهي ، كانت جلستهم تدور حول ميلين ، فقط ميلين ، المسكين بينجامين ما ادراه برابطتهم القويه هذه ، نفذ صبر بينجامين بسبب ان ايميلي لم تعطه الفرصه ابداً للتحدث ، لذلك قاطعها بطريقه لطيفه حتى يبدأ حديثه المثير للإهتمام :
" كما تعلمين ، لم يسبق لي وان رأيت انساناً يشيع صيته بتلك الطريقه ، اعني من منا يستطيع إنكار ذلك ؟" قالها وكأنه يلمح لشئ ما ، لكنه قد اكمل حديثه. " في الحقيقه انا لم آتي الى هنا بهدف العمل ، لقد اتيت لكي اشهد على مهارتك في الطهي بنفسي !" نبره صوته افصحت عن الحماسه التي كان يشعر بها اثناء تحدثه مع ايميلي ، وبالحديث عن ايميلي ، في البدايه كانت تشعر بالغرابه ولكن مع تقدم الحديث فرحت قليلاً ، اليس من الغريب ان يتعرف عليها رجل اعمال من المدن الراقيه على فتاه ريفيه بسيطه ؟ ذلك ماجعل ايميلي تتوتر بعض الشئ.
وافقت ايميلي على دعوته لتناول الغداء معه ، واحرصت على ان يكون الغداء مميزاً بقدر الإمكان.
عادت ايميلي لبيتها بعد التسوق ، لم تكن يداها خاليه من الحقائب والمستلزمات المنزليه كالعاده ، لم تترك لنفسها الفرصه لكي تلتقط انفاسها حتى وذهبت مباشرةً الى المطبخ خصاتها لكي تعد " الغداء المميز " ، بعد عده ساعات ، انهت ايميلي تحضير الطعام والان كانت تتزين وتضع العطر وتصفف شعرها لكي تبدو انيقه امامه ، بالتأكيد هو لن يستطيع ان يحتمل مشاركه احد القرويات البسيطات نفس المائده ، كان تفكيراً سليماً من ايميلي ولكن في نفس الوقت لم يكن صائباً كثيراً ..
طرق احدهم الباب ، اسرعت ايميلي وهي تحمل طرف فستانها الازرق السماوي بين اصبعيها لتصل الى الباب ، وإذ بـبينجامين يتطلع على المشهد الخلاب الذي كان امامه ، فتاه مضيئه ، فاتنه ، مشرقه كالشمس لها ابتسامه قد ذبلت من ورائها جميع الزهور من شده تفتحها وجمالها ، وشعرها يتدلى من فوق كتفها معلناً توهجه ،استغرق بينجامين بضع ثوانٍ لكي يدرك انه بالكاد لم يدخل الى الداخل ، وهنا افاق من شروده ثم نادته ايميلي لكي يتفضل بالجلوس على مقعد (روبن) الخاص ، وهنا لفت انتباه ايميلي انها قد سمحت لشخص اخر غير روبن بالجلوس في مقعده الخاص ، ادركت انها قد نست ذلك الموضوع مؤقتاً ؛ لذلك لم يأتِ اليوم للغداء ، تنحنح بينجامين مقاطعاً تفكير ايميلي وهي شارده في المقعد الذي يجلس عليه ، ثم ذهبت الى المطبخ لكي تنقل الطعام على المائده.
اصبح على الطاوله طبقها الجديد طبق " تورتة الغنام " ، من اطباق ايميلي المفضله ، واطباق السلطه المعتاده ، وسله الخبز الذي ساهمت بخبزه ايضا ، عادةً كانت ايميلي تحضر الخبز من الخباز جاهزاً ولكن هذه المره قد صنعته بنفسها باللبن الرائب على الطريقه الويلزيه. جلست ايميلي مقابل بينجامين لكي يتناولا الغداء معاً ، لم تبدأ ايميلي الاكل قبل ان تعرف رأيه عن طريقه طهيها ، اخذ يأكل ويأكل دون توقف وهو في الحين والاخر يصدر همهمة ويلقي المديح اثناء تناوله دون ان ينظر لإيميلي حتى ، تبين انه شخصيه شرهة حقاً ، ايميلي لم تستطع تناول اي شي حقاً ومشهد بينجامين الشره لا يفارق عيناها ، لذلك كانت مجبره على النظر اليه مع ابتسامه متوتره ،حتى انهى طعامه اخيراً وقام بشكرها ولكن قبل ان يغادر طلب قدحاً من الشاي ، ربما لم تكن الشراهة هي الصفه الوحيده التي يجسدها بينجامين ، بل كانت الوقاحه ايضا ..او ربما.
لقد كان طلبه ذلك مع نبرته العاليه وكأنها ليست المره الاولى التي يأتي فيها الى بيت ايميلي ، وبالحديث عن ايميلي فلم تكن لديها الفرصه للتفكير بالامر ،وذهبت الى المطبخ لتعد الشاي.
بعد ان احضرت القدحين وجلسا مقابل بعضهما وجلس بينجامين يتحدث عن مواضيع مختلفه ، في البدايه جلس يتحدث عن ميلين وكيف انها ثرثاره وفاشله في الطهي بالرغم بأنها تحاول جاهده الوصول لمستوى ايميلي ، بينجامين اثناء حديثه لم يذكر غير سلبيات ميلين فقط ، كانت ايميلي تنتظر منه كلمه واحده ظريفه عن صديقتها ولكن أملها انقطع تماماً عندما لم يتوقف بينجامين عن الإغتياب ، الى ان حاولت التعبير عن حزنها لما يقوله ،حين قالت :
" لكنها تظل فتاه جيده بالرغم من العيوب التي لم تتمكن من اصلاحها ، اليس كذلك ؟" قالت ايميلي.
" لا اعتقد ذلك ، انها لا تحمل مقدار الجمال الذي تمتلكيه انت حتى!" قال بينجامين ، وهنا كانت الصاعقه الاولى.
توقفت ايميلي قليلا حتى تدرك انه قد قام بمديحها بدلاً عن زوجته.
" المعذره ..؟" قالت ميلين ،لعلها قد سمعت شيئاً اخر.
" اوه يا إلهي ، حتى ردك على المجاملات في قمه من الهدوء والاحترام ، صديقتك تلك تقوم بالقفز في حال ان اكون شاكراً لها فقط وكأنها رأت صرصوراً" قال بينجامين ، وكانت الصاعقه الثانيه.
" من فضلك سيد بينجامين ، لا تسئ فهمي ولكن ارجوك انا لا اريد ان ارى صديقتي تتلقى الإهانه بتلك الطريقه " قالت ميلين بنبره حاده وجاده ، كانت طريقتها في الدفاع عن صديقتها في قمه الوفاء ، لقد تبين فعلياً اي فتاةٍ هي ايميلي ، توقف بينجامين لوهله ثم قال :
" معك حق ، حسناً ..ربما ليس من المناسب ان اتعرف عليك اكثر في اليوم ذاته ، سأتقابل معك غداً " لا اعلم كيف كان يشعر بينجامين اثناء قوله لتلك الجمله ، وكأن لا شئ يهمه الان سوى التعرف على ايميلي ، احتسى اخر رشفه من الشاي خاصته وقامت ايميلي بتوديعه ، ثم اغلقت الباب فور خروجه ، ثم راحت لتأخذ الاكواب الفارغه للمطبخ ، ومن ثم اعدت قدحاً اخر من الشاي لكي تشربه ، عندما خرجت من المطبخ تفاجأت بالمنظر الاسود الذي كان امامها لدرجه ان القدح قد فلت من يدها فبات مصيره في الارض كقطع متناثره.
" روبن ؟" همست ايميلي ، ولكنه لم يصدر اي صوت ، الى ان فاجأته بحركاتها الانثويه الجميله وهي تلف ذراعيها حول خصره وتقوم بحضنه ، بحضن رجل لا تعلم إن كان لوجهه ملامح ام لا.
لم يقم بأي رده فعل الى ان انتهت ايميلي من اعطاءه جرعه الحب تلك ، ثم قال :
" الم تلاحظِ نوايا ذلك القذر ابداً ؟"
" عمن تتحدث ؟" سألت ايميلي ، فبالتالي دائماً نظرتها عن الجميع جيده.
" انت تعلمين عن من اتحدث ، المدعو بينجامين " رد روبن.
" مهلاً ، كيف علمت انه كان هنا ؟ وكيف عرفته؟ بل بالاصل كيف علمت بوجود شخص في بيتي منذ قليل ؟" كانت هذه بعض الاسئله التي افصحت عنها ايميلي من بين الاسئله العديده التي كانت تدور في رأسها.
" لا تعبثِ معه من الان فصاعداً." لم يقل اي شئ اخر سوى تلك الجمله ، ثم خرج من المنزل كما لو لم يكن يعطيها الاوامر منذ قليل.
كان وجه ايميلي كوجه الاطفال حينما يوبخهم الكبار بسبب اقترافهم لجرائمهم الطريفه ، وكما ان مشاعرها قد اختلطت ببعضها ، هل بات وكأنه يحميها ؟ ام انه متملك ؟ او انه ..غيور ؟
اثناء تفكيرها في احتماليه غيره ذلك الرجل عليها ، لا شك في ذلك على الاطلاق ؛ فلقد اعترف لها من قبل ، عندما بالغت في التفكير في ذلك النحو كان وجهها يبدأ بالإحمرار تدريجياً وتبتسم لا ارادياً لتكاد ان تشق فمها من اذنها اليمنى وصولاً لليسرى.
في المساء وقد حان الوقت لكي تقوم ايميلي بمد مائده العشاء ، ولكن هذه المره لم تفعل تعمدُاً ، وبالتأكيد نعلم من هو وراء ذلك ، في تلك الاثناء ، عندما كانت ايميلي تحتسي الشاي وتسبح في عالمها الوردي ، وتفكر في فارس احلامها الغامض ، قاطع تفكيرها طرق على الباب ، توقعت ايميلي انها قد تكون الينا ، وبالفعل كانت تستقبل وجه الينا البشوش ذو الوجنتين الحمرواتين ، وها هي تسأل ايميلي عن سبب إهمالها لمائده العشاء هذه المره.
" تُرى اي حجه ستبهرينني بها تلك المره، آنسه ايميلي ؟" سألت الينا ضاحكه
" اعتذر حقاً ياصديقتي ولكن لقد قام المدعو بينجامين بإرهاقي اليوم " ردت ايميلي واضعه يدها فوق جبينها.
ثم دعت الينا لكي تشاركها احتساء الشاي وتتبادلا الحديث كالمعتاد ، اخبرتها عن ماحدث في الغداء ، وكانت حذره في ذكر تفاصيل الحديث مثل امور ميلين وكيف كان يتصرف مع ايميلي بغرابه.
" رباه! لم يعجبني هذا الـ" بينجامين " على الاطلاق." قالت الينا.
" لم اكن اريد ان احكم عليه من اللقاء الاول ، ولكن اتمنى ان يكون ظني خاطئاً " ردت ايميلي.
" وماهو ظنك، عزيزتي ؟" سألت الينا.
" هو ان بينجامين ليس مغرماً بميلين من الأساس .." جاوبت ايميلي وكانت نبره صوتها تجسد خيبه الامل التي تعرضت لها ، كانت ايميلي بمجرد التفكير بحاله ميلين عندما تتعرض لتلك المعامله الجافه الخاليه من الحب والاهتمام كانت تحطم قلبها بشده ، وكانت الينا تتخيل الموقف ذاته ايضا.
.في الصباح التالي ، افاقت ايميلي بعد نوم عميق وكأنها لم تنعم بالراحه منذ ايام ، كانت بغير عادتها تشعر بالخمول حتى انها لم تكن ترغب في مغادره الفراش ، ولكن حتى لا يصبح يومها مملاً اضطرت الى النهوض وإستعاده نشاطها ، بعد ان استعادت كامل طاقتها مره اخرى تجهزت لكي تقوم بالتسوق.
عندما خرجت الى السوق المزدحم المفعم بالبهجه ، كانت ايميلي في صوره غريبه لم يعهدها الماره واصحاب المتاجر من قبل ، كلما كانت تمر على تاجر او غيره كان يسألها حول صحتها او حالتها الصحيه..
كانت وكأنها تعاني من الارق ، والإرهاق الشديد ، لم تكن هذه ايميلي المعتاده ، هنا قد ظهرت لنا ايميلي بوجهٍ جديد لم يشهده احد من قبل ، وكانت حجتها دائماً هي السهر والتنظيف والعمل المتواصل.
بعد ان عادت ايميلي الى بيتها مره اخرى بعد جوله التساؤلات والاستجوابات التي كانت بالسوق ،كانت على وشك الاستعداد للذهاب الى المطبخ حتى تمارس روتينها المعتداد وتتجاهل الكسل ،ولم تمضي ثواني الا وكان احدهم يطرق الباب ، تسائلت ايميلي عن من سيقوم بزيارتها الان وفي ذلك الوقت بالتحديد..
هل هو روبن ؟ بالطبع لا فهو في غنى عن ذلك الاختراع المسمى بالـ"باب".
هل الطارق هو الينا ؟ مستحيل فإلينا لا تأتي الا بعد الظهيره بسبب تواجدها بالمكتبه خاصتها ، لم يكن الوقت المناسب لإيميلي حتى تتسائل اكثر عن الطارق ولذلك انطلقت مباشرةً نحو الباب لتفتحه ، وعندها اصبح فمها يتدلى من الحدث الغير متوقع بتاتاً ..لقد كان بينجامين.
كان يقف مبتسماً امام ايميلي وكان يتحدث بكل ثقه وحماسه :
" طاب يومك ايميلي، عزيزتي!" قال بينجامين.
" اوه ..سيد بينجامين ، طاب يومك" ردت ايميلي بتوتر.
" اليوم هو افضل يوم قد اعيشه طوال حياتي ، لذلك قررت ان ابدأ يومي بما هو آخاذ واتناول معك طعام الافطار." تحدث بينجامين بطريقه غريبه وهو يجلس على الكرسي بجانب المائده ، لم تستطع ايميلي التفوه بأي كلمه سوى " حسناً " ، بعدها تركت بينجامين في مكان جلوسه وتوجهت الى المطبخ وهي تتحدث الى نفسها عن ما بدر من ذلك الرجل ، لماذا اتى في مثل تلك الساعه ؟ ولماذا يتحدث وكأنه يعرفها منذ اشهر ؟
تركت ايميلي تلك التساؤلات جانباً لكي تضع كل تركيزها في الطهي ، فكما نعلم جميعاً ..ايميلي تتقن العمل خير اتقان.
لم يكن الافطار جاهزاً بعد ، ولكن شعرت ايميلي بأنه يتوجب إلقاء نظره خاطفه على بينجامين لترى ماذا يفعل اثناء انتظاره ، فقامت بالتوجه لباب المطبخ ووقعت عيناها على كرسي فارغ..لحظه ،اين بينجامين ؟ اوه .. انه هناك ! يلقي نظره ايضا على الصور المعلقه على الجدران التي تحتوي على صور لإيميلي ولعائلتها.
شعرت ايميلي بالغرابه لتصرفه ذلك ، والاغرب انه كان يمعن نظره في صوره ايميلي هو يبتسم ، شعرت ايميلي بشعورٍ سئ ، بالرغم من انها تريد تفسيراً لحالته تلك الا انها تفضل النظر والصمت ولا تخدش السطح ابدا ..لربما التفكير بشكل سطحي افضل من ان تكتشف حقيقه يصعب عليها إنكارها.
بعد ان انتهى تجهيز الافطار ، قامت بالجلوس امام بينجامين بعد ان نادت عليه وهو لايزال ينظر الى ذات الصور دون ان يمل ، جلس وهو يلقي المديح على الطهي وكيف يبدو شكله عذباً وباهراً ، وكيف يتلذذ بمذاقه الطيب الآخاذ ، ايميلي لم تنكر ان مدحه كان يشعرها بالدفئ والسعاده ولكن بالرغم من ذلك شعر وكأن تعبيره مصطنع ، وكأنه يقوم يإظهار جانبه الجيد بالرغم عنه بينما هو يريد إظهار جانبٍ آخر ولكن لم تحن لحظته بعد ..هناك شيئاً لا يسير في محله..
" لماذا لا تتناولين طهيكِ ؟" فاجئ بينجامين ايميلي بذلك السؤال عندما كانت شارده ، ثم قامت بإظهار رد فعل يبين انها استجابت له ، ثم قال شيئا..
"تبدين جذابه في هذه الصوره." اشار بينجامين الى صوره ايميلي المعلقه على الجدار.
" شكراً.." لم تمتلك الجرأه الكافيه للنظر في وجهه اثناء مدحها واكتفت فقط بشكره مطئطئةً لرأسها..ولكن كان يبدو عليه الصدق في مديحه على عكس ما بدا عليه وهو يلقي الكلام الحلو على طهيها.
" الن تحدثينني عن نفسك قليلاً؟ ولكن ارجوكِ ..إن فعلتِ فتجنبي الحديث عن ميلين." كانت كلماته ساخره ، وفضوليه ،ونوعاً ما وقحه..لم تكن ايميلي مستعده لكل من ذلك حقاً ..لم تعجبها شخصيه بينجامين بتاتاً.
" استمحيك عذراً لعدم تلبيتي لطلبك هذا ؛ فأنا لا اجيد التحدث عن نفسي " ردت ايميلي.
" حسنا ..حدثيني عن عائلتك " قال بينجامين.
" لقد كانت عائله جيده ، وقد كانت والدتي طاهيه باهره ايضا .." ردت ايميلي ، و قد اكتفت بذلك القدر من المعلومات.
" و ؟" تفوه بينجامين سائلاً عما بعد ذلك.
" و .." ردت ايميلي ،وقد اخذت وقتاً طويلاً بالتفكير عن عائلتها.
" بحق السماء اخبريني اي شئ حول حياتك اللعينه !" ضرب بينجامين يده على الطاوله وهو يرفع صوته محدثاً ايميلي ، وكأنه شرطي يحاول اخراج اي كلمات من فاه المتهم ، وذلك ماجعل ايميلي تتوتر اكثر من قبل وخافت ايضا من تهوره ، وهنا قد اظهر بينجامين احد جوانبه ، جانب بينجامين عديم الصبر.
افاق بينجامين من نوبته الغاضبه عندما نظر لإيميلي وهي خائفه من تصرفه وليده التي شعر بالالم فيها اثر ارتطامها بالطاوله ، حاول ان يعتذر عما تسبب به ولكن يبدو ان محاولته في الاعتذار قد فشلت.
نهض بينجامين من امام ايميلي بهدوء قاتل وكأن شيئاً لم يكن ، وقام بالإعتذار مره اخرى ورافقته السلامه اثناء خروجه من البيت ،وهنا كانت لاتزال ايميلي متحجره في مكانها ؛ فلم يسبق لأحد ان قام برفع صوته عليها ، ظلت جالسه بدون ان تفعل اي شئ عدا التفكير ، كان عقلها متزاحم بشكل مبالغ فيه ، فهناك رجل تحبه وغاضب من دخول رجل اخر الى بيتها ، وهناك ذلك المدعو بينجامين غريب الاطوار ، وهناك مائده عشاء ستقام الليله..
" المائده ..؟ يا الهي!" تذكرت ايميلي في هذه اللحظه ان هناك عشاءاً سيقام الليله عوضاً عن الليالي السابقه ، ثم تركت كل الامور الاخرى وقامت بالخروج من البيت لتتسوق.
بعد بضع ساعات من التسوق ، عادت ايميلي الى المنزل على موعد الغداء وفي يدها الكثير والكثير من الخضراوات واللحوم وغيرها ، واتجهت الى المطبخ فورا ، قسمت ايميلي المشتريات التي جلبتها حتى تترك قسما كافياً للغداء ، وقسماً آخراً للمائده ، وقامت بتجهيز كل من طعام الظهيره و المساء ،ولكنها لم تحضر طعام المساء بشكل كامل لكي يحتفظ بحرارته ومذاقه العذب.
حينما خرجت ايميلي مبتهجه حامله بيدها اطباقها وتنادي روبن ..لم يكن موجوداً ، كان الكرسي فارغاً.
شعرت ايميلي بشعور غريب اثناء مشاهدتها للكرسي الخالي من صديقها الحميم المظلم ، اغريبٌ ان لا يأتي رجل الغداء اليوم ام ماذا؟
اضطربت الفتاه من غرابه الامر، لماذا لم يأتِ ؟ هل ضجر من طهيها ؟ هل شعر ان علاقتهما الغريبه ممله ؟ ام هل اصابه مكروه ؟
.. " هل بيناجمين هو السبب ؟".
جلست ايميلي وهي تفكر اثناء تناولها عن سبب اختفاء روبن اليوم ،لم يكن يفوت يوماً إلا لو شارك ايميلي مائده الغداء خاصتها ، فكرت ايميلي في انه لربما يحاول ان يسيطر على غضبه بسبب بينجامين ، ولكن .. كيف له ان يعرف ماحدث ذلك الصباح وهو ليس بالجوار ؟ اليس سؤالاً يدعو للريبةِ ؟ ام انه يتجسس عليها ؟ لازالت الاسئله تطرح نفسها ولم يستطع عقل ايميلي الوردي ان يجد عذراً لذلك الغياب.
ساعه تليها ساعه ، وقد حل المساء على القريه ، وانارت بالنيران والشموع وكانت تكاد تصبح اجمل وازهى قرى في كارديف ، كانت تعمها البهجه دوماً كلما اعدت ايميلي مائدتها في وسط القريه ليتجمع كل صغيرٍ وكبيرٍ ، من نساءٍ ورجالٍ ، من اطفالٍ وشبابٍ ومسنين ، كانت المائده قد اصبحت كما وكأنها طاوله ملكيه وليست بسيطه من جمال الطهي والزهور الموضوعه عليها والشموع ، وكان اجملهم هو اجتماع سكان القريه و الابتسامه تزين وجهوهم ، كان اجمل مثالٍ لنقي قلبهم وسعادتهم الحقيقيه التي لا يحتاجون الى اصطناعها ، وجوههم كانت صادقه ،وذلك ماكانت تحبه ايميلي دوماً.
جلس الجميع على المائده ،منهم من بدأ بتنواله للتو ،ومنهم من كان يوزع الاطباق للأخرين ،ومنهم من يدعو الدعاء قبل تناوله ، وبعد مرور دقائق معدوده رأت ايميلي بيناجمين من بعيد وهو يحمل باقه من الازهار الحمراء ويتجه نحوهم ، ظلت صامته وهي تنظر له وهي بدون اي حيله ،هل تنهض لإجله ام لا ؟ كانت الينا تجلس بجانبها ولاحظت نفس المشهد الذي رأته ايميلي ،ثم مالت ناحيه ايميلي وقالت " اليس هذا بينجامين ؟"
" اجل انه هو " ردت ايميلي
" لمن يحمل تلك الباقه ؟" سألت الينا ، فبالطبع لا احد يعلم ماحدث في الصباح سوى ايميلي و بينجامين.
نهضت ايميلي لكي تستقبله بعيداً قليلاً عن الجميع ، بينما نهضت الينا ايضا حتى لا تفوت ذلك الحديث المثير للإهتمام ، ولاحظ الجميع ان كل من الينا وايميلي قد نهضتا واحده تلو الاخرى ثم نظر الجميع خلفه لكي يشاهدون ايميلي مع ذلك الرجل الذي لم يتعرفوا عليه بعد.
" اعتذر عن مقاطعتي لإجتماعكم هذا " اعتذر بينجامين ، وكانت على وجهه ملامح دافئه.
" هل استطيع مساعدتك ؟" سألت ايميلي.
" بل انا من يجب ان اسأل ..ما الذي استطيع فعله لكي تسامحيني عما بدر مني صباح اليوم ؟" سأل بينجامين وكان الهدوء الذي يجتاح نبره صوته مريباً بعض الشئ.
" هل اتيت في ذلك الوقت لكي تعتذر ؟" ردت ايميلي بسؤالٍ اخر.
" ايميلي ، ماذا حدث في الصباح ؟" وهنا تدخلت الينا بسؤالها ،فحديثهما كان غامضاً.
ثم مد بينجامين يده الممسكه بباقه الزهور نحو ايميلي لكي تحملها ، واخذتها بالفعل واعطتها لإلينا في نفس اللحظه.
" اعلم ، لقد كان اسلوبي وقحاً الى حد كبير ، ولكن اعدكِ انني سأعمل على تغيير شخصيتي لأجلك " قال بينجامين.
" لا اريد تغيير شخصيتك لأجلي ..بل لأجل ميلين" قالت ايميلي وكانت حاده الملامح.
تنهد بينجامين بعد ان سمع اسم ميلين وقال " سأتطلق منها".
نزل ذلك الكلام كالصاعقه على رأس ايميلي ، اصبح فمها مفتوحاً لإمتار من الدهشه وعيناها كادت تخرج وتسقط بين ايديها ، لماذا يكره صديقتها المقربه بذلك الشكل ؟ ولماذا قد تزوجها في البدايه مادامت النهايه ستصبح صعبه هكذا ؟
" مالذي تتفوه به ؟" صاحت ايميلي.
" لا استطيع التوافق معها ، لا اشعر بأي مشاعر تجاهها " قال بينجامين والبرود الذي كان على وجهه كان يجعل المرء يغضب لا إرادياً.
وكان ينظر في ذات الوقت الى ايميلي وهي منهاره من كلماته عن صديقتها المسكينه.
" لأن هناك احدهم قد ملأ عيني في هذه القريه ، وملأها بصدق " ثم اكمل بينجامين بكلماتٍ لا فارق بينها وبين الاخريات في الغرابه..
لم تكن هناك فرصه لإيميلي حتى تفكر بمن التي ملأت عين ذلك الاخرق لأنه قد نزل راكعاً امامها بطريقه جذابه.
" ايميلي ، منذ اللحظه الاولى التي ظهرتِ بها امامي ، ادركتُ كم كنت طائشاً عند اتخاذ قراري بالزواج من ميلين ، لم اراجع نفسي جيداً ، ولكن الأن ..استطيع رؤيه الخيار الانسب لي ، استطيع معرفه من احب بصدق " قال بينجامين..ثم اكمل :
" اتتزوجين بي ، إيميلي ؟"
لم يكن اهل القريه يستمعون لحديثهم ولكن كان بإمكانهم رؤيه ذلك المشهد ،وعندما رأوا انه قد ركع امام ايميلي تعالت صيحاتهم بالمباركه والتشجيع ،وكان امراً غريباً حقاً ، هنا التفتت الينا اليهم جميعهم وقالت " اتدركون ان ذلك الرجل متزوجٌ بإمرأه اخرى ؟" ، جمله واحده فقط اخرستهم تماماً ، وكانت تعابير وجه الينا كافيه لوصف كم ان الموقف الذي قد وُضِعت فيه ايميلي في قمه السوء ، ثم اكمل بينجامين ..
" ايميلي ، اسمحِ لهذا الرجل بأن يصبح زوجاً لك " قال بينجامين ، وكانت ايميلي متحجره مره اخرى بسبب ذلك الرجل ، صدمه تليها صدمه ، لم يكتف بينجامين بذلك القدر ايضاً ، بل اخرج من سترته صندوقاً صغيراً اسودَ اللون ثم قام بفتحه امام ايميلي ، واظهر الخاتم الذي بداخله.
في ذات الوقت ، كان الجميع صامتاً ،ينتظرون رداً من ايميلي ،والتي كانت ضربات قلبها الشئ الوحيد الذي كاد سكان القريه ان يسمعوه ، ولكن قد طفح كيلها هذه المره ، رأت اخيراً كم ان بينجامين رجلٌ مختل ، اطاحت بالخاتم بيدها بحركه مفاجئه بدون تردد ، ومن الواضح انها تعي ماتفعله هذه المره.
" مشاعر الإنسان ليست بلعبه ، سيد بينجامين " قالت بنبره حاده وهي تضغط على اسنانها اثناء لفظها الـ" سيد "..ثم اكملت.
" انت لم تحبني بتاتاً ..انت لا تريد زوجه ، انت تريد خادمه"
" لذلك لم تستطع التوافق مع ميلين ، ادائها في الطهي لم يرُق لك وعندما اخبرتك عني اتيت اليَّ طالباً ان اتزوجك ، هل اعتقدت حقاً انني لم الاحظ جشعك الذي فشلت في اخفائه ؟" كانت تتحدث ايميلي بصوتٍ عالٍ كفايه لجعل اهل القريه يستمعون لها ، اما بالنسبه لبينجامين لقد كان متجمداً من القلق والارتباك ، بالرغم من ان ماقالته ايميلي منطقي ، الا انه كان ينكر ،ويحاول ان ينكر اكثر لكي تقبل الزواج به.
" ميلين لا تستحقك ، ولا انا استحقك ، نحنُ لا نسمح لإنفسنا بأن نُذلّ لإجل اميرٍ مدللٍ مثلك ..لذلك اغرب عن هذه القريه وعد الى المكان الذي اتيت منه " اظهرت ايميلي الجانب القاسي منها لدرجه ان بينجامين الذي كان يجعلها مرتبكه قد اصابه القلق الشديد ، لدرجه ان كرامته لم تسمح له بأن يقوم بأي تبريرات اخرى ، وخطى خطوتين الى الخلف واستدار وذهب عن انظارهم ، واذ بإلينا ترمي باقه الازهار التي جلبها بينجامين معه على الارض كردٍ اخير.
حاولت ايميلي تمالك نفسها حتى لا تظهر وجهها الشاحب والغاضب لأهل القريه ، واستعادت وجهها الضاحك البشوش ،واثناء جلوسها بينهم مره اخرى تعالت الصفقات والتشجيعات لإيميلي لقوه شخصيتها ودفاعها عن صديقتها ، وكانت فرحتهم كما لو انهم فازوا بشئ ثمين لم يفز به احدٌ من قبل ، كأنه كنز ، إنها " ايميلي باركر ".
صباح اليوم التالي كانت ايميلي تستعد لتحضير وجبه الفطور لنفسها ،وكانت في كامل نشاطها مره اخرى ، يبدو ان القسم الجيد في ليله الامس اعطاها الكثير من الطاقه الإيجابيه ، ولكن احدهم قاطع استعداداتها بطرقه على الباب ، ثم اسرعت وفتحته ، واذ بساعي البريد يلقي عليها السلام ويقدم لها جواباً من ميلين.
لم تتردد ابداً من اخذه وشكرت ساعي البريد ،وعادت الى داخل منزلها وجلست على الكرسي حتى تفتح الجواب وتقرأ محتواه ،لم تتلقى رسائل كثيره من ميلين منذ ان تركت القريه ، وكانت تلك الرساله ثمينه بالنسبه لإيميلي لإنها من صديقتها المقربه والظريفه.
كان محتوى الجواب كالأتي :
" تحياتي لصديقتي ايميلي باركر ، اتمنى ان تكونِ في خير حال ، اعتذر عن انشغالي عنك هذه الفتره منذ ان تزوجت ولكن لم يكن الامر بيدي ، اعتذر إن كان سؤالي وقحاً ولكن انا اتسائل ماذا يفعل زوجي في القريه ، هل كل شئ على مايرام ؟ اتمنى ان تصلني منك رساله مبشره ليطمئن فؤادي. المرسل : ميلين الينور."
عندما قرأت رسالتها ، شردت قليلاً في السطور التي تحتوي على سؤال ميلين عن زوجها ، وكأنها تذكرت الاحداث السابقه التي مرت بها من قبل ،واقربها الامس.
ما الذي ستكتبه ايميلي في الرساله التي سترد بها على ميلين ؟
اخذت ورقه وقلم وراحت تكتب رسالتها التي تنص على ان كل شئ على مايرام ، وزوجها بينجامين حريص على ان لا ينظر لأي فتاه تظهر امامه ، كنايه على أخلاصه لميلين وعن مدحه لها ..لم تتقبل ايميلي فكره ان تقوم بشرح الاحداث الحقيقيه لميلين ولو اقسموا على قول الحقيقه لبعضهم البعض دائما ،خوفاً من جرح مشاعرها ،كان على وجه ايميلي ابتسامه مع نظرات حزينه كانت تشرح معنى ان ترى احدهم يطعن شريك حياتك في ظهره بكل اريحيه وليس بوسعك ان تحطم مشاعر ذلك الشريك لهدف تنبيهه ، كان الامر صعب بالنسبه لإيميلي حتى ولو لم تكن هي من تتعرض للخيانه.
بعد ان انتهت ايميلي بالتفكير بميلين وبكل شئ متعلق ببينجامين ، تذكرت ان هناك شخصاً اخر لربما قد احترق احتراقاً بسبب غيرته ، ولكنه لم يظهر ابدا اليوم الماضي ، بالرغم من ان ايميلي احرصت على ان تعد اشهى وارقى الطعام الذي يجعل المرء يذوب من جمال مظهره ، ربما بإمكانها الذهاب الى السوق كالعاده وتسأل احدهم عن سبب اختفاءه الغامض او عن مكان سكنه ، وبالفعل قد تجهزت للتسوق ، واحضرت سلتها وخرجت الى الخارج.
مشت ومشت ، الى ان قابلت نورث مره اخرى ، يا للعجب!
" نورث ، كيف حالك ؟" سألت نورث التي كانت تقوم بإختيار الخضراوات الطازجه من الصناديق الخشبيه ، وكانت في غايه الاندماج.
" سيده نورث ..؟" نادت ايميلي نورث مره اخرى ولكنها لم تستجيب.. ثم صاحت فجأه !
" لماذا لا تقوم بفحص هذه الخضراوات قبل ان تعرضها على المشتري ؟ ايها الفاشل!" صاحت نورث وهي توبخ صاحب هذه الخضراوات على إهماله بمنتجاته ، ولكن بالرغم من ذلك كانت ايميلي تقهقه على انتباه نورث المشتت ولازالت لا تستجيب لندائها ، الى ان قامت بالنقر مرتين على كتف نورث واخيراً قد انتبهت للفتاه المسكينه التي كانت تنادي عليها منذ ثوانٍ معدوده.
" اوه ، ايميلي ياصغيرتي ، كيف حال طاهيتنا الحسناء اليوم ؟" سألت نورث بوجهها الممتلئ البشوش.
" اقوم بالتفكير في ما سأطهو اليوم على الغداء " ردت ايميلي ، وكانت هذه محاوله للتلميح عن روبن ، ولكن يبدو ان نورث لم تستطع الانتباه لذلك ، ولهذا قررت ان تسألها بطريقه مباشرة.
" ولكن ياترى .. اين اختفى روبن اليوم الماضي ؟ لم يأتِ اليِّ في ذلك الوقت ". لم يكن يبدو وكأن ايميلي توجه السؤال لنورث ..ثم اكملت بسؤالً اخر..
" سيده نورث ، هل تعرفين إن كان روبن بخير ام لا ؟ او هل تعلمين اين يمكث ؟" سألت ايميلي.
" من هو روبن ؟" ردت نورث بسؤالٍ اخر ، وكانت تعابير وجهها تتغير تدريجياً من السعاده الى الجديه والاستغراب.
" اوه ، بالتأكيد لن تستطيعِ معرفته هكذا ، يا لغبائي!" ردت ايميلي بسذاجه.
" انا اقصد روبن تايلور. " ثم اكملت.
باتت تعابير نورث وكأنها مستغربه اكثر ، وحاده اكثر واكثر ، بالرغم من ان ايميلي لم تقل شيئاً مريباً.
" روبن تايلور ؟ هل انت جاده ؟" ثم ردت نورث بسؤالٍ اخر يبدو عليه السخريه مع ابتسامه طفيفه متردده.
" الا تعرفينه ؟" سألت ايميلي ، ولازالت ايميلي ساذجه كالعاده ، ربما هذه المره اعمى الحب عينيها ، ولم ترى الحقيقه الصادمه..
" اتمنى ان تكون هذه مزحه من نوعٍ ما ،ايميلي ، لأن الذي تتحدثين عنه الأن هو شخصٌ متوفٍ منذ عشرةِ اعوام مضت".
عينا ايميلي اصبحتا متوسعتان الى حدٍ كبير بسبب ما قالته نورث الأن ، اهناك شخصاً متوفٍ يزور بيت ايميلي كل يوم في الظهيره ؟ هذه المره الامر لا يشبه الصاعقه ، ادركت ان كل ما واجهته في الايام السابقه كان شيئاً عادياً..
ضحكت نورث وكأنها تسخر من ايميلي ، ثم قالت " لم اكن اعلم ان لديك روح دعابه غريبه كهذه ، عزيزتي ".
وحتى لا تبين لنورث مدى الرعب الذي عاشته هذه اللحظه قامت بالقهقهـه وبطريقه مفتعله ومتعبه ، وكأنها تقول .." انا ٱفضل البكاء عن الضحك الأن ".
ودعتها نورث وتركتها واقفه بدون حراك ، حتى تذكرت انها تعرقل المشترين وتقف في طريقهم ، لذلك تنحت جانباً وجلست على الرصيف المجاور لتتأكد من ان ماعاشته الأن ليس حلماً ، كانت حالتها مرعبه ، وجهها شاحب ، عيناها تكاد ترمشان من هول الصدمه ، وقد وصلت لمرحله التحدث الى نفسها بدون ان تشعر ، ظلت على ذلك الحال لدقائق ، دقيقه ..دقيقتان ..ثلاث دقائق..
" ايميلي ؟" سمعت صاحبه الاسم المنادى عليه صوتاً مألوفاً ، ولكن من ضعف تركيزها لم تتأكد من صاحب الصوت الى ان رفعت رأسها ، ثم رأت امامها صديقتها المثقفه وذات الشعر البني الناطق وفوقه القبعه السوداء المزخرفه والملابس الراقيه ، الينا.
" ايميلي ، ماذا دهاك ؟ منذ متى وانت تجلسين على الارصف؟" سألت الينا
ثم لاحظت ان هناك آثاراً لدموعٍ كانت تنتقل من عيناها الى اسفل ذقنها.
" ولماذا وجهك ممتلئ بالدموع ؟" ثم اكملت بسؤالٍ اخر.
طلبت ايميلي ان تقوم بزياره لبيت الينا الى ان يتأخر الوقت قليلاً وتجلس هناك ، بالتأكيد لم يعد لديها الشجاعه الكافيه للجلوس في بيتها وبمفردها ، هي وظلها الصديقان اللذان لا يفترقان.
بالفعل قد استضافتها الينا في منزلها ، ولم تكن الينا تفعل شيئاً اخر سوى تهدئه ايميلي عن البكاء والصراخ..انظري يا ميلين ماذا حل بصديقتك المقربه.
" روبن تايلور ، الديك اي معلومات عنه او شئ من هذا القبيل ؟ ارجوكِ لا تبخلِ عليّ بأي شئ تعرفيه عنه" قالت ايميلي متوسله لإلينا لتخربها عن ذلك الرجل الغامض ..الرجل المتوفي ، لعل وعسى قد تصبح نورث مخطئه لإنها كبرت في السن قليلاً فلا تستطيع التمسك بالعديد من المعلومات عن القريه وبالتالي تقوم بالخلط بينهم.. ولكن ربما لم تستطع ايميلي ان تجد إجابه مختلفه عند الينا..
" من النادر ان تجدي شخصاً يعرف معلومه كامله عن هذا الشخص ؛ لذلك من الصعب ان اقوم بقص هذه القصه لك" قالت الينا ، وذلك ماجعل ايميلي تحبط اكثر ، ولكن..
" لكن ماقد سمعته عنه قبل بضع اعوام ، انه كان طاهياً متألقاً ايضا في قريتنا هنا "اكملت الينا فور تذكرها بما سمعته من اهل القريه.
" وماذا بشأن القطار ؟" سألت ايميلي.
" حسناً ، ربما قد يصبح الامر قاسياً بالنسبه لك ولكن ، لقد كانت حادثه إنتحار ". ردت الينا بردٍ يقشعر البدن ، لقد زاد توتر ايميلي وخوفها بطريقه مبالغه وكانت الينا تحاول تهدئتها بشتى الطرق ، كانت ايميلي في ذات الوقت تحدثها عن الايام الماضيه التي يقوم فيها روبن بزياره ايميلي اثناء الغداء ، ولكن الينا كانت تحاول إقناعها بإن كل شئ على مايرام وأنه لربما كانت تتوهم بهذا الشخص لحزنها على سماع وفاته ، وكان لإلينا كامل الحق في عدم تصديق اقاويل ايميلي ، " روبن تايلور " شخصٌ مرعب لدرجه أن لا احد يحبذ فكره سماع قصته.
بعد مجهودٍ كبير قد تم بذله في إقناع ايميلي وإرجاعها الى رشدها، جعلت إلينا ايميلي تستعيد شجاعتها من جديد حتى تتمكن من الرجوع الى منزلها ، بعد منتصف الليل.
مشت ايميلي في القريه التي كان يعمها الصمت والظلام والهدوء القاتل ، لم تشعر إيميلي بأي خوفٍ لأن في نظرها الخاص هدوء الليل خارج المنزل آمنٌ اكثر من داخل المنزل ، اصبح منزلها الذي كانت تصفه بالجنه جحيماً وشر مأوى بالنسبه لها.
فتحت باب منزلها ، ودخلت في هدوءٍ تام في خلاف ذلك الباب الذي يصدر اصواتٍ مزعجه اثناء تحريكه ،مع الاسف قد اغلقت الباب ورائها وظلت وحيده تؤانس وحدتها بنفسها في منزلٍ قاتم ومظلم لا نقطه ضوءٍ فيه.
جربت إشعال شمعه حتى تعطي للمنزل إضاءه ولو بسيطه ، ثم استدارت لكي تقوم بالدخول لمطبخها ، وعند خطوتها الأولى إذ بالشمعه تنطفئ فجأه ، وأي سبب يجعلها تنطفئ فور إشعالها ؟ لقد كان قطعاً بفعل فاعلٍ ، وذلك الفاعل لم يكن إيميلي بكل تأكيد.
استدارت ايميلي لتجد الشمعه منطفئه ولا بقايا للضوء سوى الدخان ، وهنا شعرت بحركه من خلفها هذه المره ، والرعد يعلن موعد ضربه في السماء ، ضربه رعديه قد افزعت ايميلي حتى جعلتها تلتف وتلتقي وجهاً لوجه الى من كان هو السبب في إطفاء الشمعه.
" بينجامين ؟" صاحت ايميلي ، وكان بالفعل بينجامين الأناني والمختل ، ولكنه لم يذهب من القريه ! اي ريح رمت به هنا ؟.
" ايميلي، قلقت عليكِ كثيراً ، لماذا لم تعودِ الى المنزل باكراً " قال بينجامين وهو يندفع حاضناً ايميلي بكل وقاحه ، ولم يبتسم له القدر مره اخرى وقد دفعته ايميلي لتبعده عنها
" ما الذي تفعله هنا في بيتي؟" صاحت ايميلي مره اخرى عليه وكان جانب ايميلي القوي على استعدادٍ للظهور ، بالرغم من ان الرعد لازال مستمراً.
" ايميلي ، ايميلي ، ايميلي ، انا لم احصل على ما اريد بعد " رد بينجامين بكل وقاحه ، ولكنها لم تعتبر شيئاً كارثياً مقارنة بالقادم..
" ايميلي ، ليله امس لقد كنت مغرماً برائحه شعرك الذهبي الآخاذ المتناثر على الواسده ،لا استطيع وصف مدى السعاده التي غمرتني وانا اشاهدك اثناء نومك ، كالملاك الحالم " اكمل بينجامين كلماته القذره التي جعلت ايميلي تشمئز منه اكثر من السابق.
" اكنت تراقبني وانا نائمه ؟" سألته ايميلي بحده وبغضب.
" لقد امضيت يوماً كاملاً هنا في منزلك ، منذ أن قمتي بطردي من القريه ذلك المساء ، لم استطع التخلي عن قراري بهذه السهوله " رد بينجامين.
كلما كان يحاول الإقتراب من ايميلي تبتعد هي بدورها عنه ، كان الموقف مرعباً حقاً عندما تدرك ان هناك شخصاً تجهله يختبئ في منزلك دون علمك ، ويقوم بمراقبةِ تحركاتك ، هكذا شعرت ايميلي ، اختلطت مشاعر ايميلي ببعضها وقد اصابها عدم الاتزان ، من الصعب حقاً ان تواجه شخصاً مختل مثل بينجامين ، فلا عجب في أنه قد يفكر في امورٍ قد تؤذي ايميلي او اي احدٍ في القريه بسبب جنونه ، وكانت هي بحد ذاتها تدرك ذلك الامر إدراكاً ، ولكنها لا تقوم بإي تحركات دفاعيه سوى ان تبتعد عن بينجامين كلما حاول لمسها.
" بينجامين ، انا احب احداً اخر ، إمتلاكي ليس ممكناً " قالت ايميلي فجأه محاولة لإخراس بينجامين ، ولكن المحاوله باتت بالفشل.
صمت بينجامين لثوانٍ حتى اشتعلت نيران الغضب ،ولم يشعر مطلقاً بنفسه وهو يقوم بالصراخ ، في ذات الوقت مد يده وقام بالإمساك بشعر ايميلي وسحبها حتى رماها امامه على الارض ، كان من السهل التحكم بإيميلي جسدياً وقتئذ بسبب اعصابها التالفه وقدرتها الضعيفه على الوقوف ، كانت المسكينه تزرف الدموع بسبب التصرف الهمجي الذي قام به بينجامين.
" ومن هو سعيد الحظ ؟ اسمحي لي بمعرفته حتى اقوم بشقه الى شقين " قال بينجامين وكان يتحدث وكأنه قاتل او ماشابه ، اهذا هو المستوى الذي قد وصل اليه بينجامين حقاً ؟
اثناء ماكان بينجامين يسأل عن ذلك ذي الحظ السعيد الذي تحبه ايميلي ، كانت هي تنظر الى بينجامين بعيون لامعه باكيه ، ثم رفعت نظرها قليلاً ، وفي ذات الوقت قد ضرب الرعد السماء مرتين متتاليتين وجعل السماء وما اسفلها ينير ، اصبح بيت ايميلي مضيئٌ لثواني معدوده وجعل رؤيتها للجسم الطويل والضخم الذي كان يقف خلف بينجامين مباشرةً واضحة تماماً.
توسعت اعين ايميلي عندما ادركت ان الرجل الذي تحبه كان خلف بينجامين مباشرةً ، فقدت السيطره على لسانها وافلت منه كلمه واحده ، هي الكلمه التي استطاعت قولها فقط في هذه الاحداث العشوائيه .." روبن !".
" روبن ؟ " ردد بينجامين بصيغه الاستفهام ، وكأنه لا يعرف ان الموت ينتظره خلفه ، وحانت اللحظه التي ستنفصل فيها روح بينجامين عن جسده ، وقام روبن وقتئذ بجعل كلتا يديه على رأس بينجامين ، وبحركه مفاجئه وسريعه تكاد تصبح اسرع من البرق ، وجعل رأس بينجامين يلتف حتى اصبح صوت تحطم عظام رقبته واضحاً وضوح الشمسِ ، وذلك ماجعل ايميلي ترتعش من الخوف اكثر من اي وقتٍ مضى، أن ترى شخصاً ميتاً امام اعينها ..عفواً ، شخصان ميتان.
لم تتمالك نفسها هذه المره وبدأت بالصراخ والبكاء في آنٍ واحد ، ولم تكن حتى تستطيع ان تقوم بأي فعل حركي وكأنها تعرضت للشلل ، ثم اتى روبن بدوره متجهاً نحو ايميلي وقام برفعها من الارض وحملها فوق ذراعيه السوداوين ، لم تتوقع ايميلي ان روحاً بدون جسد تستطيع حملها هكذا ولكنها لم تستطع التفكير في الامر اكثر بسبب هول الصدمه ، وقام روبن في ذات الوقت بوضعها على الاريكه ،وجلس بجانبها و هو يحاول جاهداً جعلها تسترخي في احضانه ، بعد كشف حقيقته يبدو الامر غريباً بعض الشئ ، لازال ذلك الرجل الغامض ، الروح الملموسه يحتفظ بمشاعره تجاه ايميلي ، الامر واضح من تصرفاته معها.
" لقد كنت طاهياً مثلك تماماً ، لقد كانوا ينعتوني بطاهي القريه ، كما هي حياتك الان " قال روبن ، وهذا ماجعل ايميلي تنتبه انتباهاً شديداً.
" عندما بلغت ذلك المستوى من الشهره ، قد اجزم الجميع على ان طهيّ لا مثيل له ، وكنت محل ثقتهم ..الى ان جاء ذلك اليوم " ثم اكمل روبن ، ومسحت ايميلي دموعها تلقائياً عندما ادركت انها ستسمع معلومات شيقه.
" احدهم توفيّ مسموماً في احد الايام التعيسه التي عشتها طوال حياتي ، لم يدرك الاخرون من اين اتى ذلك السم ، ولكن بعد مرور ايامٍ عده ، ومع تزايد الاطباق التي كنت اوزعها على سكان القريه ، ادركت ان السم كان في اطباقي انا " ثم اكمل روبن ، واتضح ان حكايته قاسيه للغايه ، وذلك ماجعل ايميلي تنهمر بالبكاء مره اخرى.
" وفي ذات اليوم ادركت ايضاً ان من كان يضع السم هو شخصٌ آتٍ من المدينه ، كان يريد إيقاعي في المتاعب منذ ان ارتحل الى القريه ، وبسبب حيلته الإجراميه قد خسرت مكانتي ، شغفي ومحبه الناس لي ، لم يكن لدي اي خيارٍ آخر سوى ..وضع نهايه لتلك المذله " وانهى روبن قصته المأساويه التي كادت تشبه قصه ايميلي ، شعرت ايميلي بالشفقه والحزن على ما اصابه ، كانت تريد ان تهون عليه كربته ولو بكلمه واحده ، لم يستطع فاهها إخراج اي كلمه سوى " اسفه " ، والبكاء ،والبكاء.
وقد ادركت الأن الكثير والكثير من الاشياء التي لم تستطع فهمها مسبقاً ، و وجدت جميع الإجابات لجميع الاسئله التي كانت تطرح عليها ، لماذا يمنعها من إعداد مائده العشاء الجماعيه ؟ لماذا لم يستطع الوثوق ببينجامين ، وكأنها ادركت ان لا رجل قد ينافس روبن في الولاء والحب بتاتاً ، وكل هذه الحقائق الرائعه جعلت ايميلي تتأثر بشده وتزداد الدموع في عينيها حتى تمتلئ.
" لا احد يستطيع ان يمس خصله من شعرك الذهبي طالما اكون بالجوار" قال روبن لإيميلي.
" ومتى تصبح بالجوار ؟ " سألت ايميلي بنبره باكيه ، وعندما رأى روبن الدموع المنهمره من عينيها العسليتين وضع اصبعيه على وجنتيها ليمسحها.
" انا دائماً بالجوار " رد روبن.
اثناء ماكان يجفف وجنتيها من الدموع كانت ايميلي تنظر الى وجهه عديم الملامح ، قاتم السواد على امل انها قد تستطيع رؤيته ، ولكن البلهاء لم تدرك حتى انه ينظر اليها في ذات الوقت ، روبن المخادع.
" اعدك ، سنصبح مع بعضنا البعض الى الأبد ، عندما يحين الوقت" قال روبن وهو يلاحظ ان ايميلي تنظر الى وجهه بتمعن.
" ومتى يحين الوقت ؟" سألت ايميلي.
" عندما تصلين الى النقطه التي انهيت فيها حياتي " رد روبن ، اكان يعني ماقاله حقاً ؟
للأسف كانت هذه هي اخر اللحظات التي استطاعت فيها ايميلي التحدث الى روبن قبل ان تتدخل الينا وبعض من رجال القريه ويقومون بكسر الباب بدون تردد ؛ كإستجابه لصرخات ايميلي المروعه ، اول ما قد دخل اعينهم جميعهم كان جثه بينجامين التي تحتضن الأرض ، وكان مشهداً يفوق التوقعات حقاً ، ثم نظروا الى الجوار ، واذ بإيميلي بمفردها ترتعش من الخوف وكانت لا تزال تبكي من الموقف الشنيع ضامة لركبيتها اسفل ذقنها وهي فوق الاريكه ، وهنا ادركوا ان هذه الجثه في بيت احد لم يكن في الحسبان ، ماذا تفعل هذه الجثه في منزل إيميلي ؟
اليوم التالي ، كانت ايميلي ضيفه لإلينا مره اخرى ، لم تتمكن ابداً من النوم بأي شكلٍ كان ، انقلبت حياه ايميلي رأساً على عقب بسبب هذه الاحداث المرعبه التي مرت بها ، بالرغم من ان الينا تحاول جاهده في تهدئه ايميلي وإقناعها بأن كل ماحدث ليله امس بين عشيّه وضحاها قد انتهى ولم يتبقى منه اثر.
من السهل قول ان كل شئ اصبح على مايرام ، ولكن كانت هذه الحادثه خالده في ذهن إيميلي ، لقد كان الامر شنيعاً بالنسبه لها.
حاولت الينا مره اخرى إقناع ايميلي بأن ترفه عن نفسها قليلاً بالتمشيه ، ولكن إقناعها كان امراً صعباً ، ولكنها في النهايه استطاعت اعادتها الى رشدها ،ثم اخذتها معها للتمشيه قليلاً في القريه لعل وعسى قد تجدي نفعاً.
خرجت ايميلي برفقه الينا وذهبتا الى حيث يكمن السوق ، ربما قد تستعيد ايميلي شغفها مره اخرى ،ولكنها لم تستمتع مطلقاً ، بات السوق المزدحم يتهامس ويتبادل الحديث السري كلما رأوا ايميلي بالجوار ، استغربت الآنستان من هذا التصرف ، حاولت الينا التنصت وفهم سبب تهامسهم هذا ، اتضح انهم يتحدثون بشأن ايميلي.
منذ رؤيتهم لجثه بينجامين في منزل ايميلي والشك في قلوبهم ويفكرون في إحتمالاتٍ عده ، هل كان بينجامين ينوي افتعال امرٍ قذر وكانت ايميلي تدافع عن نفسها ؟ هل بينجامين كان ميتاً منذ فتره قبل رجوع ايميلي للمنزل ؟ هل ايميلي هي من قتلته ؟
شعرت ايميلي بالإستياء وقتئذ عندما ادركت ان سمعتها لم تعد جيده ابداً بين الجميع ، حاولت الينا ان تشغلها عن سماع حديث القريه حتى لا يتعكر صفو مزاجها اكثر من ذي قبل ، ولكن ما الفائده يا الينا ؟ ايميلي تدمرت وهي تعلم ان عليها الشبهة ، حتى وإن قالت ان روبن هو من قتله ، لا احد سيصدقها كما فعلت الينا مسبقاً ، لقد استسلمت للأمر الواقع.
كلما وضعت ايميلي قدمها على تلك النقطه المشؤومه التي كانت بها جثه بينجامين الهامده يصيبها الإشمئزاز والحزن الشديد ، يوم بعد يوم ، وكانت ايميلي تتوقف تدريجياً عن الذهاب الى اي مكان ، الى ان توقفت عن تخطي باب المنزل نهائياً ، لم يكن لديها الشجاعه الكافيه التي قد تجعلها تواجه اقاويل ونظرات اهل القريه المريبه لها ، وكأنها ارتكبت فعلاً اجرامياً مذهلاً ،وكأنهم يشبهونها بقاتلٍ متسلسلٍ ،عوضاً عن انعزالها المفاجئ كانت تنتظر ان يظهر روبن مجدداً الى جانبها ، ويضمها اليه ، وتقوم بالغوص في وجهه عديم الملامح ، كان ذلك يكفي واكثر ، اكثرت بالتفكير بروبن اثناء جلوسها وهي تنظر في اللاشئ ، شارده ، لا تتحرك ، لا تقوم بالرمش حتى ، لقد سلب روبن كل تركيزها ، تعمقت في التفكير بشكلٍ غريب ، وكانت تطرح على نفسها الاسئله ، تاره تجاوب عليها بنفسها ، وتاره تترك مساحه شاغره لروبن حتى يجيب بنفسه على تلك الاسئله ، مثل كيف كانت ملامح روبن قبل موته ؟ ماهو نوع الملابس المفضل لديه ؟ لقد وصل بها الحال الى التفكير بالأمور الخاصه المتعلقه برجلٍ ميت.
كان من الصعب على ايميلي ادراك ان لا احد يصدق ماتقول ، وباتت وحيده لعدةِ ايامٍ بدون ان تفتح باب بيتها لأحد ، حتى رفيقتها إلينا ، لم تعد تريد رؤيتها ، وبالأحرى تخشى ان تراها مجدداً، لأنها لا تكن إلا بالشفقه عليها بدلاً من تصديقها ، لم تكن هذه الامور مهمه بشكل كبير بالنسبه اليها بالرغم من الألم الذي تحتويه ، لأن هناك شيئاً اخذ مساحه كبيره في حياتها ، الشخص الذي وقعت في حبه بمجرد تكرار زيارته كل يوم ، بالرغم من انها تعلم ماذا يكون.
كان روبن يزور ايميلي مراراً ، بمجرد تواجده في البيت يبتهج وجه ايميلي من تلقاء نفسه ، على الاقل كل منهما يعلم بحقيقه الآخر ربما لا يبدو على روبن اي تعبير ، ولكنه كان سعيداً ، لقد استطاع التعرف على احدٍ يشبهه ، يمتلك نفس هوايته ، نفس حياته الاجتماعيه ..وربما نفس مصيره في النهايه..
بعد مرور اسبوعين من إضراب ايميلي عن الخروج وسط العامه ، اتجهت الينا الى منزل ايميلي لكي تطمئن عليها ، وهي تعلم جيداً ان محاوله التحدث معها فاشله ، وقفت امام الباب وطرقت ، ثم طرقت ،ثم طرقت ، وفي غير العاده ..لم تستطع سماع صوتٍ من الداخل يصيح بـ" اتكريني !" ، ازداد قلق الينا اكثر عندما ادركت الهدوء القاتل الذي كان في الجهه الاخرى من الباب ، فمالت ووضعت اذنها على الباب لعلها لم تستطع السماع جيداً ولكنها وبدون قصد استندت على الباب وفجأه مال بها الباب حتى تعثرت في عتبته ، وها هي الينا تقتحم منزل ايميلي الفارغ والهادئ.
عجباً ! لقد كان الباب مفتوحاً ، هذه ليست عادات إيميلي ، حتى لو تغيرت شخصيتها كلياً من المستحيل ان تترك باب منزلها مفتوحاً ، حاولت الينا ان تسترخي وان لا تفزع من الفوضى التي كانت في منزلها ، المقاعد منقلبه على الارض ، المفروشات متبعثره وموضوعه بشكلٍ عشوائي يكاد يصبح فوضوي ، كان حالاً لم تعهده الينا من قبل ، وكأن هناك وحشاً قام بالهجوم عليه ، وحشٌ هائج ليس بعادي..
ولكن تبقى شئ واحد لم تستفسر عليه الينا بعد ..اين ايميلي ؟
قامت بمناداه العديد من الاشخاص من اهل القريه حتى تخبرهم عن اختفاء ايميلي ، لم تكن في البيت ولم تكن تتسوق ، سألوا جميع التجار المعروفين والغير معروفين عن اذا كانت ايميلي قد قامت بشراء شئٍ منهم خلال الاسبوعين السابقين ، وكانت اجابتهم بالنفي ، اين اختفت ايميلي ؟
انتشر الخبر في جميع انحاء القريه ولم تعد القريه ساكنه ابدا بعدما حدث ذلك الاختفاء الغامض ، لم يكن هناك من يتخيل بأن ذلك اليوم سوف يأتي ، اصبحت ايميلي عباره عن لغز ليس بمقدور احدٍ ان يحله ، عدا شخص واحد ، وهو الذي اوصلها الى هذه الحاله.
كانت هناك فرق بحث تتناوب في المساء والصباح ، لم تستطع القريه الارتياح قبل ان يجدوا اي أثرٍ لإيميلي.
بينما كانت القريه بأكملها منقلبةً رأساً على عقب باحثه عن ايميلي ، كانت ايميلي هناك .. متجهة نحو السكك الحديديه الخاصه بالقطار الآتي الى محطه كارديف ، وكانت هذه هي اللحظه المنتظره بالنسبه لروبن وإيميلي ، اللحظه التي ستليها لحظه اجتماع العاشقين لبعضهما ، اجتماعٍ ليس له نهايه ، في كل خطوه تخطيها ايميلي نحو السكك تقترب اكثر للوصول الى السعاده التي افتقرتها طيله اسبوعين ، كما اخبرها روبن تماماً ، ها هي ستنهي حياتها نهائياً كما انهى روبن حياته سلفاً ..اقتربت خطواتها اكثر من السكك وهي تفكر في حياتها الجديده التي ستعيشها مع روبن ، ارتسمت الابتسامه في وجه ايميلي بعدما وقفت على السكك وهي تنتظر القطار الذي سيساعدها في الاقتراب اكثر واكثر من سعادتها ، ولكنها لم تكن الابتسامه المعتاده ، كانت ابتسامه مختلفه تماماً ..كانت ابتسامه انتحاريه.
بات صوت القطار قريباً من إيميلي ، وراح يقترب ويقترب ، الى ان مر بكل اريحيه واكمل طريقه بدون توقف ، وابتعد عن الانظار الى ان اختفى تماماً ليكمل رحلته بعد ان حقق لصديقتنا سعادتها ، لتنعم اخيراً هي وروبن بالحياه الهادئه التي كانت تنتظرهم ، بعيداً عن ضوضاء العالم.

لتنعم " إيميلي باركر " في المكان الذي هي فيه الأن.
.
-بعد مرور عشر سنوات
.
" ايتها المشاغبات ، لمَ كل هذا الضجيج ؟" صاحت الام تسأل ابنتيها الاثنتين وهي في المطبخ ، ولكن لا توجد استجابه ، فقط قهقهات عاليه طفوليه.
خرجت الام حتى تتفقد الفتاتين في غرفه المعيشه ..الا وهي تنظر بعينان متوسعتان الى الفرد الثالث الذي يداعبهن ، فردٌ ماهو الا مجسمٌ اسود شديد السواد ، مجسم كجسم انثوي.
" من انتِ ؟" سألت الام موجهةً السؤال الى تلك الإمرأه بصوتٍ مرتعش ، ولكن لم تتلقى اي إجابه.
.
بعد مرور بضع ساعات ، إتجهت هذه الام الى السوق مباشرةً ، وهي تسير وسط المشاه بخفه ، تقابلت مع سيده اخرى تعرفها ، وراحت لتلقي عليها التحيه.
" سيده الينا !" صاحت الام.
" اوه عزيزتي ، كيف حالك اليوم ؟" ردت الينا.
" حسناً ، اريد ان اسألك شيئاً ، بخصوص احدهم.." ردت الأم.
.
The end.

🎉 لقد انتهيت من قراءة The Table Man 🎉
The Table Manحيث تعيش القصص. اكتشف الآن