دخلت "آمنه" خفيه الي غرفة الباشا قبل أن تلمحها زوجته المتغطرسة وتنهال عليها توبيخاً، وصدق حديث ابنه فاطمة حيث وجدت الباشا جاسياً لا يتحرك فيه سوى راسه الذي غزاها الشيب المفاجئ لتقول آمنه وهي غير مصدقة لما تراه فيه :
"بسم الله الرحمن الرحيم.. انشالله عدوينك يا باشا، الضكتور جاي متقلقش انت بس.. خير بإذن الله خير"
شقت ابتسامه خفيفة نادراً ما كانت تظهر على ملامحه، و التفت برأسه نصف التفاته محاولا التمعن في عينيها قائلا :"كله رايح يا آمنه.. كفاية عليا كدا "
" عنيا ي باشا وماله"
قالتها آمنه و هي تجلس جواره لامحه زوجته تمر من أمام الغرفة دون أن تحادثه و في نفسها تتسائل كيف تتركه زوجته وهو في وضع كهذا الا انها صمتت عندما صمت هو الآخر وغلبه النعاس..!
.................................
ظلت الهانم خارجاً و ان دخلت كان يبعدها عن سرير زوجها مترا على الأقل، دون سلاماً أو كلاماً، فقط تعليمات الي آمنه حتي تعطيه علاجه، ولكن آمنه لم تكن بحاجة ابدا لتلك التعليمات، حيث أنها أصرت الجلوس معه بدلا من ممرضة أخرى غريبة عنه.. وايدها الباشا في حديثها، ظلت طوال الليل تباشره بين حين و آخر تعطيه علاجه وان رفض كانت تصر عليه إصرارا يصاحبه عشماً... حتي لازمته أياماً ترعاه ولكن اشتد عليه المرض يوماً......
"يا آمنه...شيعي لفاطمة"
قالها ذلك الباشا و هو طريح الفراش لا يقوى على رفع يديه، و الشعر الأبيض أصبح الغالب في شعر رأسه حتي ان وجهه الاسمر لا تعرف كيف أصبح ابيضا!...
نفذت آمنه كلماته على مضض أن تتركه.. و إذ بالآخرى تأتي خلفها بعد أن ناداتها، دخلت فاطمة بعشم زائد تسأله:
" تحت امرك ي باشا خير.."
"عايزك تروحي من سكات تجيبي الشيخ و تيجي على هنا من غير ما حد يدرى ولا يشم خبر "كحكح الباشا حتي استرسل قائلا :
"و قوليله آن الاوان"ضيقت آمنه حاحبيها وهي معترضة على حديثة حتي قالت :
"ليه بس كدا... ملوش لزوم ي حج الكلام دا"تضايق الآخر ولكن منعه ضعفه فأشار الي فاطمة بالمغادرة و ارسل الي آمنه نظرات حنونة يخبرها في لطف منه :
" خلي بالك من نفسك.. متنسيش انا حلفتك بالسر.. اوعي ي آمنه تقولي لحد.. اللي معاكي دا تاخديه وتمشي.. انشالله تسيبي البلد كلها... المهم تبعدي عن شر الناس اللي مش هتسيبك فحالك ابدا.. متسمحيش لحد يذلك أو يستغلك مرة تانية زي معملت انا "
ضحك مازحا في نهاية حديثه، لكن هي.. لم تضحك..لم تسطيع وهناك إنذار خطر يلوح أمام عينيها، ورغم ذلك العبء الذي تحمله فوق اكتافها، و الذي قد يؤدي بها الي جحيم الدنيا... وافقت أن تحمله، ذلك الباشا الذي حماها مرارا كيف لها أن ترفض طلبه الوحيد لها... لقد طلب العون منها و الستر على سرهم لذلك.. ستحمل أغراضها مغادرة كمت أخبرها...
لم تشعر آمنه انها زرفت من الدموع أكثرها.. ولم تدري بالساعة تمضي حتي دخلت عليها فاطمة ثم تلاها صرخة احييت سكان المنزل الغافلين.. مرت ساعات ثقيلة والجميع يستعد الي إكرام مثواه، وهي واقفة في ركن تشاهد بأعين الطائر الجريح...
كانت تلك آخر لحظات لها بجوار الباشا.. آخر لحظات مرت عليها تحزن فيها الي ذلك الحد...قد ذهب مصدر النجاة .. و ستضطر اسفة أن تكمل حياتها بمفردها تشق مصيرها وحيده.
أنت تقرأ
المكتوب ع الجبين /مايا عباس
Contoتدور أحداث تلك القصة القصيرة في ثلاثينات القرن الماضي، مستوحاه من قصة واقعية دارت أحداثها الحقيقة في محافظة دمياط.... ولكن جميع الأسماء الموجودة من وحي خيالي فقط. وتحكي القصة عن بطلتنا "آمنة" التي عاشت حياة فقيرة ، و بسبب جمالها الساحر أطلق عليها لق...