على خُطى الرَّسول ﷺ ٩٠

27 2 0
                                    

على خُطى الرَّسول ﷺ ٩٠
وإنك يا عُمر مثل نوح

   انتهتْ غزوة بدر بنصر ساحقٍ أعزَّ اللهُ تعالى فيه الإسلام وأهله، وأذلَّ فيه الشركَ وأهله، وجيء بالأسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يكن لديه شيءٌ من الوحي بخصوصهم استشار فيهم أصحابه.
فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة على الكفار وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضداً.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: ما ترى يا ابن الخطاب؟
فقال عمر: واللهِ ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلانٍ قريبي فأضربُ عنقه، وتُمكِّن علياً من عقيل فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين.

فدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيمته ولم يكلم أحداً، فجعل بعض الناس يقول يأخذ برأي أبي بكر، وبعضهم يقول يأخذ برأي عمر. ثم خرج من خيمته فقال: إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألينَ من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجالٍ فيه حتى تكون أشد من الحجارة. وإن مثلكَ يا أبا بكر كمثل إبراهيم حين قال: "وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". وكمثلِ عيسى قال: "وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ". وإن مثلكَ يا عمر كمثلِ نوح حين قال: " رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا". وكمثلِ موسى حين قال: "رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ".
ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر.
فلما كان الغد، جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده وأبو بكر يبكيان، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا يُبكيكَ أنتَ وصاحبكَ، فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ، وإن لم أجد تباكيتُ لبكائكما؟
فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لم يرضَ عن الفداء وأنزل قوله: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ".

الشاهد في القصة أنَّ الناس طباع مختلفة حتى الأنبياء! والطبع لا علاقة له  بمستوى الإيمان، فإبراهيم وعيسى ونوح وموسى عليهم السلام من أولي العزم من الرسل، ولكن في إبراهيم وعيسى عليهما السلام لين طبع ليسا في نوحٍ وموسى عليهما السلام! تماماً كما في أبي بكر لين وفي عمر شِدة وحزم وهما خير الأمة بعد نبيِّها صلى الله عليه وسلم.

كثيرٌ من مواقف الناس في الحياة مردود للطبع لا الإيمان، فلسنا نفاضل بين إيمان الأنبياء فكلهم في الذروة من الإيمان، أما في الطباع فهم مذاهب، فما بالك بسائر الناس؟!
من الناس العصبي والحليم، الشديد واللين، الكريم والبخيل، وفهم طباع الناس الذين نتعامل معهم يوفِّر عناءً كثيراً، ويشرح لنا مواقف أكثر! فافهموا طباع الناس تجتازون نصف الطريق في التعامل معهم!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية

على خُطى الرَّسول ﷺحيث تعيش القصص. اكتشف الآن