انتصار

39 10 36
                                    

من بين الفرح والحزن، من اختلاط المشاعر، من بين العودة والرحيل، تجمعوا معا، هم يبحثون عن قلب يحتويهم، يبحثون عن وطن، مازالت ذكريات الفرح والالم تجتمع بهم، مازالوا من الداخل يصارعون ليبقى الطهر في قلوبهم، مازالوا ينادون الصبر ، ويجاهدون للبقاء ثابتين.

تجمعوا كانوا يعدون انفسهم للرحيل الاخير، لنهاية الجزء الاول من قصتهم، لعبور خطوط الالم، وكسر دائرة الرحيل القسري التي عاشوا بها وفي وسط العمل، وسريان الهمهمات تلاقت العيون فعبرت عن عشق يسري بين القلوب.

من قال ان النصر يكون دائما بالقتال فالعشق
في وسط الموت والحزن نصر

تجمع الجميع كل يحمل في قلبه حبا وحلما وغضبا، كلهم يحملون الله في قلوبهم، ينتظرون لحظة الانطلاق، وقف كفاح كما عودهم ينظر الى الجميع، عيناه تحتوي خوفهم وقلقهم، تقرأ أسألتهم، ترد على استفسارتهم، ابتسم تلك الابتسامة التي تحمل الامان للخائفين، والقوة للضعفاء، والفرحة للحزانى، قال بهدوء: محدش يعمل اي خطوة غير اللي اتفقنا عليها، النصر في الحروب غير المتكافئة مبيتحسبش بقد ايه وقع عند عدوك خساير بيتحسب بقد ايه انت قدرت تقلل الخسائر عندك، محدش يعمل نفسه شجيع السيما ويدخل بصدره، خليكوا دايما فاكرين اللي سايبينهم وراكو، واللي بيستنوا ترجعوا، أول حد حياخد حقه النهاردة، آخر واحد انضم لعيلتنا.

مد يده نحو آسر فامسك الاخر يده بعيون تتساءل ويد ترتعش، ربت على رأسه واشار الى الزاوية، وفي لحظة انقلب آسر من ذلك الجفل الحزين المرتعش إلى جمرة من غضب
تقدم نحوه امسك به سأله بفحيح الموت: ليه عايز سبب واحد، يخليك تعمل فيها كدة، دة احنا لحمك ودمك يا أخي، ازاي تشوفها كدة، ازاي قدرت تشتهي طفلة كبرت بين ايديك، ازاي طاوعك عقلك وقلبك تقرب منها
ازاي استحملت؟

لا اجابة فقط نظرات وجلة مرتعبة ذلك ما حصل عليه، تحول ذلك الوحش الذي استطاع انتهاك جسد وروح طفلة الى ارنب مرتعد ينتفض جسده اذا سمع خطوة او صوت نفس يلتقطه احدهم،
رفع آسر يده فهوى بها على وجهه وظل يكيل اليه الضربات حتى اختلطت ملامحه وانهك آسر من الضرب، ابعده كفاح عنه، جذبه الى داخل هذا الحضن الذي يجمعهم جميعا، قبل اعلى رأسه قائلا: اهدا دلوقتي وشوف عايز تعمل فيه ايه، حكمك نافذ بمجرد ما تنطقه.
نظر اليه آسر بكل ما في قلبه من حيرة والم،
قفزت الكلمات من فم ياسر تحمل كل السخط الذي مر به في حياته، تحمل غضبا هادرا: الجزاء من جنس العمل،
نظروا اليه جميعا متفاجئين، كان صدره يعلو ويهبط كأنه انتهى حالا من سباق طويل،
وفي هذه اللحظة تعالت ضحكات ريان وكريم بشدة، جذبه ريان من رأسه يمازحه
وقال : مجنون، انا عارف دة بس الجنون وصل عندك لمرحلة صعبة، ابقا فكرني اعالجك، رفع رأسه بعيون مليئة بالدموع وقال له منتا مكنتش هنا، مكنتش وانا بتباع طفل لواحد مينفعش اصنفه، مكنتش وانا مرحمنيش الا اني كنت حموت بين ايديه، ولما شافني هموت خدني بعربيته ورماني في الشارع للكلاب، لولا الراجل الطيب اللي خدني وعالجني وخباني عنده ،مكنتش، وانا بخاف انام بالليل ليجي تاني، مكنتش وانا بمشي في الشارع اتلفت حوالي، عارف انا الوحيد اللي استريحت لما افتكرت، انا الوحيد اللي وجعي خف لما افتكرت، علشان بقيت بحاول انسا اللي حصل بعد كدة وقفت في الذاكرة عند اليوم اللي افترقنا فيه.
غضب، قهر، الم، شعور بالخذلان، وشعور بالذنب، والف شعور سيء، الف شعور قاس، كيف احتمل هذا لوحده، كيف تألم هكذا لوحده، وانا اين كنت؟

وكأنه قرأ السؤال، فأجاب عليه،
كفاح: كلنا اتوجعنا، كلنا اتجرحنا، وكلنا لينا حق، بس لو هننسا ربنا، لو هنشيله من قلوبنا واحنا بناخد الحق يبقا هما اللي انتصروا، هما اللي فازوا، وانا مش هسمح بكدة، تفتكر كنا هنفضل لحد دلوقتي ازاي لو كنا في وسط الرحلة اتنازلنا عن ايمانا بربنا، كنا هنستمر ازاي لو كنا اتخلينا عن ثقتنا انه معانا، اوعى تنسا دة واللي ناوي ينسا يبقا يمشي من دلوقتي.
صمت الجميع وتقدم منه كريم، قبل رأسه وابتسم بفخر على ذلك الرجل دائما منذ كان صغيرا.

وقف حسام وقال: اعتقد ان هنا يجي دوري؟ولا ايه؟

تقدم بثبات، جذب ذلك الملقى على الارض تختلط ملامحه بدمائه، وغبار الأحذية، جره خلفه، وهو يهمس في أذنه، اللي عمله فيك دة طبطبة، انا بقا هحاسبك بجد.

في لحظة خروج حسام نطقت هي، قالت: انا عارفة مين اللي خطفني من المدرسة، عارفة مين اللي حرمني من حنية اخويا السنين دي كلها، عارفة مين اللي لغا انسانيتي و حولني لسلعة، مين اللي زرع جوايا القهر والذل والاهانة والكسرة، بس مش هقدر اقول لحسام، مش هقدر اقوله ان حاميها حراميها، ان استاذه اللي علمه يعني ايه يبقا ضابط يحمي الناس يبقا هو اللي بيتاجر فيهم، مش هقدر اقوله ان عاش حياته يمشي ورا قدوة مزيفة، ويحترم شخص حقير واناني كدة.

جاء صوت اللواء جلال من الخلف: اللواء مصطفى عبد العزيز، واحد من دراعاتهم الكتير في الداخلية، واحد من اللي بيمشولهم امورهم، كان القائد بتاع حسام، وكان طول الوقت بيحاول يخليه تحت عينه، فقربه منه وحوله لتلميذ من تلامذة الخير، ميعرفش انه كان بيحفر قبره بايده.

يبقا هو الهدف التاني، وهيبقا هدف سهل جدا، نطق بها ريان وأكمل: كدة يبقا دوري انا
بالكتير الليلة هيبقا عندكوا، نظر لها واستمر بالحديث، بس اخوكي لازم يعرف، وما ينفعش حد يقوله غيرك، هزت رأسها بعد ان نظرت إلى كفاح الذي اومأ لها مشجعا ومؤيدا، وانطلق ربان إلى وجهته،
هم ياسر بالحديث ولكن كريم اوقفه باشارة من يده وقال: كفاية كدة النهاردة، اشتغلوا بهدوء علشان تقدروا تشتغلوا صح.

عندما يحبنا الله فإنه يرسل الينا من يثبتنا في لحظات الالم ويخفف عن قلوبنا الشعور  بالقسوة والانكسار ،
يرسل الينا من يحمينا من أنفسنا قبل ان يحمينا من الآخرين.

قمة النصر ان تبقا محتفظا بالله في قلبك مهما اشتد عليك الالم

رحيل من والىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن