كلنا نحمل تلك البذرة السوداء في قلوبنا، ولكننا لسنا انبياء
السعيد من يستطيع اقتلاعها ليبقى قلبه محتفظا بطهارته، ناصع البياض، يحمل نور الله في داخله.دخل ريان مبتسما ابتسامة المنتصر يخبرهم انه اتم مهمته بنجاح، فبدأت رحيق بالارتجاف صور ما حصل لها تتراكض امام عينيها ومع كل صورة يزداد ارتجافها كانها ورقة معلقة في فرع شجرة تتناوشها رياح الخريف لتسقطها، تقدمت نحوها وطن ضمتها لصدرها الذي يحن للامومة، ربتت على رأسها تقرأ آيات تنزل عليها السكينة، حتى استكانت بين يديها كطفلة عرفت نبض امها، تقدم منها كفاح بثباته العجيب الذي لا يهتز وهدوئه المهيمن وقال لها": النهاردة انتي القاضي وانتي الحكم، النهاردة انتي الاقوى، وهو المكسور، حتشوفي خوفك والمك في عنيه، وحتتكلمي ويسمع، وتأمري وينفذ، أقسملك على آيات العزيز الجبار، وباسم الذي احق الحق، لتاخدي حقك لغاية مترضي.
وكأنه السحر نشر في عروقها الدماء و منحها قوة الجبال فتوقفت عن البكاء، وصلبت ظهرها وارتدت في وجهها الدماء، وهزت رأسها موافقة على رؤية ذلك الوغد الذي دنس شارة الامان، وحنث بقسم الفداء وباع الارض والعرض وتاجر حتى بالدماء، دخل الى المكان مجرورا كالاغنام يقاوم قيودة ويصيح بصوت كالخوار: انتو مش عارفين انا مين؟ انا هحاسبكوا... صمت برعب عندما رآهم مجتمعين، كيف تجمعوا؟
متى تم اللقاء بينهم؟
كيف لم يعرف بهذا اللقاء؟
نظر الى حسام وعند التقاء العيون رأى الموت في عينيه يخبره انه قادم وبأبشع الصور، يخبره ان الوقت حان لدفع الثمن، اهتزت نظراته، وشعر بالدوار، توقف صوته، ترنح مكانه عندما سمع صوتها تقول: ازيك يا عمو مصطفى؟ فاكرني ولا كتر الذل غير ملامحي؟ فاكرني؟ فاكر العيلة اللي كانت بتقولك انت بابا نمرة اتنين؟ فاكر العيلة اللي كبرت بسببك قبل السنين؟ عارف لو اعرف ان اللي حصل حصل ليا بس، وان الاذية كانت ليا بس كنت سامحتك، بس للاسف في غيري كتير، في اللي ربنا رحمهم بالموت من الموت كل ساعة، وفي اللي لسة بيستنوا الرحمة، لو على حقي لوحده، اي حاجة مش هتعوض اللي راح ولا هترجع ليا ثانية عشتها في الوجع، بس في غيري محتاجين الحماية،
انا هسيب حكمك لتلميذك هو اللي يقدر يقرر تستاهل يتعمل فيك ايه.
قبل ان ينطق حسام تكلم سيف: مشوارك طويل بداته بسواد وهينتهي بسواد، احنا مش هنلمس منك شعرة وحدة، هنسيب حسابك للي كنت كلب عندهم، هتعيش الكام يوم اللي فاضلينلك خايف، مرعوب، تنام بعيون مفتحة، يايخلصوا هما عليك ياتموت كافر وتنهي ايامك بايدك.
لم يستوعب الامر حتى فتح ريان التلفاز وسمع المذيع يلقي خبر الامساك بخلية تتاجر في الاعراض والعقول والاجساد، ليكمل الخبر بقرار تكريم اللواء مصطفى عبد العزيز الذي كان له اليد الكبرى في القبض على هؤلاء ومعرفة رؤوسهم وتحركاتهم، خبر ككثير من الاخبار ولكنه يحمل وسم الهلاك، لن يرحموه،سيقطعوه حيا، نعم سيذوق من ذلك الكأس الذي اذاق الكثيرين منه، صدحت ضحكات كفاح: ملعوبة يا سيادة اللوا.
نظر الى حيث ينظر فوجد اللواء جلال بادله النظرات باحتقار وخذلان، واشاح بوجهه، قائلا: اتفضل على التكريم يا سيادة اللواء، بس العقاب مخلصش على كدة، اوعى تفتكر انك حتفضل في القلوب بطل، لا حتدفع تمن اللي عملته حي وميت، سبحان الله دلوقتي بس عرفت حكمة ربنا من حرمانك من الخلفة، هو عالم مارادش يبقالك اولاد يشيلوا عار ابوهم وقرفه،اخذ حسام طفلته بين يديه، منذ ان اخبرته بما حل بها مازالت تكرر الاعتذار وكأنها جانية او خاطئة، قبل رأسها وقال لها: لسة طاهرة زي ما انت، لا وساختهم دنستك، ولا حقدهم غيرك، حتابعي مع ريان، علشان ترجعي رحيق الورد وعسله، علشان ترجعي عصفورتي، اللي كانت بتدخل على قلبي النور والحب والسعادة.
قرر ريان كسر حدة الالم فقال ضاحكا: الجلسة الصباحية باتنين جنيه قهوة، لو مسائية يبقى برجر او شاورما حضرتك،
ضحكوا جميعا وكأنهم كانوا ينتظرون اية دعابة ليبتسموا ليمروا فوق آلامهم.عادوا للعمل، يترنمون باغنيات الهمة واناشيد الحب، من بين كل الاصوات كان صوته الاجمل، يصموتون عند سماعه، يترنم بكلمات تحمل النصر بين نغماتها.
من قال ان فاقد الشيء لا يعطيه،
اكثر من يشعر بالالم هو من عاشه
واكثر من يعطيك الحنان هو من فقده
واكثر من يمنحك القوة هو خائف مثلك
فالخائفون يختبئون ببعضهم، لا يفلتون ايدي بعض في الطريق.