نعود لأوليفير الذي كان يجلس في زاوية الغرفة يرتجف، تعابيره فارغة تمامًا لكن هالته توحي بمدى الخوف الذي يسكنه ولو أنه قاومه، يحدق بالسكين المرمية على بعد متر منه بعيون مرتجفة، كاد ينهي حياته منذ ثوانٍ، لقد حاول الانتحار! لحسن حظه أنه تذكر رفاقه في اللحظة الأخيرة واستعاد عقله، هو لن يفعلها، لن ينهي حياته فهو أقوى من ذلك بكثير، يعرف أنه ليس الحل ولن يكرر خطأ أخته لكنها كانت لحظة ضعف.. وهو خائف من أن تعود لحظة الضعف تلك ولا يعود رشده إلا بعد فوات الأوان، لم يعد يثق بنفسه فهو قد يقوم بعمل غبي في أي لحظة.
حشر رأسه في ركبتيه وهو يتنفس بسرعة، قلبه يطالبه بفعلها بشدة، لكن عقله يرفض الأمر رفضًا تامًا، وهو تائه تمامًا لا يعرف ما عليه فعله، إذا لم يفعلها قد تعود أفكار الانتحار تراوده ويقدم على فعل متهور بسبب عدم استقرار نفسيته.
اتخذ قراره مترددًا وهو ينظر لخزانته بتمعن، وقف ورمى السكين على الطاولة ثم فتح الخزانة وأخرج حقيبة ما ليأخذ نفسًا عميقًا متجاهلًا صوت عقله ثم يبدأ في إفراغ محتوياتها، أصدقاؤه سينامون بعد قليل فلديهم جامعة بالغد، وهذا يعطيه وقتًا كافيًا، يتمنى أن ينتهي بسرعة.
فتح زاك عينيه بانزعاج من أشعة الشمس التي تسللت لغرفته من زجاج النافذة وتنهد ليستقيم بنعاس ويدخل الحمام ليبدأ القيام بروتينه، نظر للساعة فوجدها تشير للحادية عشرة صباحًا، اعتذر الأستاذ عن محاضرة اليوم لذلك لم يذهب للجامعة، سيعود دانيل وأوجون قريبًا لذلك سيذهب ويعد الفطور لنفسه ويحاول إقناع أوليفير بالأكل قليلًا.
انتهى من تناول طعامه فصعد لغرفة أوليفير كي يتفقده، تجمد في مكانه إثر المنظر الذي رآه، لم يكن سبب صدمته الملابس الملقاة في كل مكان، ولا السرير الذي كان غطاؤه ووسادته مرميين بإهمال على الأرض، ولا الخزانة المبعثرة، بل ذاك، ذاك الكائن الذي يعبث بالخزانة، هل هذا أوليفير حقًا؟ إنه يرتدي قميصًا أصفر يحوي صورة دب لطيف مع بنطال قصير أصفر أيضًا، مصاصة أطفال مطاطية أو ما يسمى باللهاية تحيطُ رقبته وقد وضعها في فمه يمتصها بلطف بينما يجلس على الارض أمام الخزانة الفارغة تقريبًا، إنه يبدو كالطفل تمامًا!
"أوليفير" نطق اسمه بصدمة ليلتفت الآخر له بسرعة وتسقط لهايته من فمه، تجمعت الدموع في عينيه وتقوست شفته السفلى استعدادًا للبكاء بسبب النبرة التي خاطبه بها، ركض نحوه وجلس على الأرض أمامه محاولًا منعه من البكاء لكن قد فات الأوان، فالدموع قد أخذت مجراها على خديه بالفعل، وصوته تعالى ببكاءٍ طفولي حاد.
أغمض زاك عينيه للحظات وقرر تأجيل فهم الأمر لما بعد، وضع فكرة واحدة في رأسه، أن أمامه الآن طفلًا رضيعًا وسيحاول إسكاته. فتح عينيه وضم الطفل إلى صدره وهو يربت على رأسه ويهزه يمينًا ويسارًا في محاولة تهدئته، اطمأن أوليفير لزاك بعد دقائق وبدأ يهدأ تدريجيًا، تشبث به بشدة وهو يئن بطفولية فأبعده زاك عنه بلطف ونظر في عينيه قائلًا: ما بكَ صغيري؟
مط أوليفير شفتيه بطفولية وتكلم: أولي يليد الحليب. (أولي يريد الحليب)
صمت زاك لثوانٍ ثم تنهد وابتسم كي لا يعود أوليفير للبكاء ونطق: حسنًا سأحضر لك الحليب، انتظرني هنا اتفقنا؟
هز أوليفير رأسه بطاعة فتركه زاك بعد أن وضع اللهاية في فمه كي لا يبكي، كاد يخرج لكنه لمح علبة حليب أطفال وسط الفوضى، نظر للحقيبة التي كان جوارها فوجد بعض مستلزمات الأطفال موجودة هناك، لم يفهم كيف حدث هذا وكيف وصلت الأغراض لهنا لكنه أخرج هاتفه وبحث عن طريقة إعداد الحليب ووضعه بعد تردد في زجاجة رضاعة ليقدمها لأوليفير الذي بدأ يتناول بنهم دليلًا على جوعه.
صمت زاك يتأمله وهو يبتسم لا إراديًا للمنظر اللطيف القابع أمامه، الثياب تناسبه وبشدة، يبدو لطيفًا بشكل كبير. استقام بعد دقائق التأمل ليبدأ ترتيب الغرفة وبدأ بالسرير كي يضع أوليفير عليه ويغطيه جيدًا، لأول مرة يجد جانبًا إيجابيًا لهزالة جسد أوليفير فحمله سهل، ويبدو أنه سيحتاج لفعل ذلك كثيرًا الفترة القادمة.
أكمل تنظيف الغرفة تحت نظرات أوليفير الناعسة بينما يمتص رضاعته بلطف شديد، وذلك جعل زاك لا يستطيع التوقف عن الابتسام، اقترب منه وسحب الزجاجة برفق من فمه كي لا يوقظه، مسح على شعره وقبل جبينه لا إراديًا وكأنه يعامل طفلًا صغيرًا ليخرج من الغرفة فوجد الآخرين قد وصلوا للتو: مرحبًا.
.
.
.
رأيكم يا قوم؟
شرايكم بأولي بالله مو كيوت؟ أولي دلع أوليفير للمعلومية يعني.
أنت تقرأ
طفلنا الكبير
Short Storyيسكن أوليفير مع ثلاثة من رفاقه وزملائه في الجامعة في نفس البيت يعيشون حياة عادية لطيفة، يتفاجأ أوليفير بخبر موت أخته الصغرى ويدخل في حالة اكتئاب لفترة. في يوم من الأيام يتفاجأون بتصرفات أوليفير وثيابه الغريبة، بكاؤه بعد شهر من الجمود، كيف سيتعامل أص...