عالم البرزخ
📌- يوجد نوع من البلاء يُصيب الإنسانَ فقط ليحطّم فِيه هذه الـ (أنا) التي من سنواتٍ لازال يقول صاحبها عنها:«أنا كذا ومن سنين ما فعلت كذا وصرلي كذا سنة أعمل هذا العمل و تارك ذاك العمل »
فهذه الحالة من الـ أنا عادةً يأتي إليها بعض الابتلاءات لتحطّمها ، وهذا التحطيم من نِعمِ الله .
- الشيخ محمد معتوق.
○•○•○•○•○•○•○•○•○•○•○•
ونحن نسير في طريقنا لفت انتباهي صوت رهيب , فنظرت نحو الجانب الأيسر من الصحراء , فذعرت لما شاهدت مما دفعني إلى أن القي بنفسي من أعلى كتف ((حسن)) ودون اختيار مني احتميت به .
كان هناك شخصان عظيمي الجثة أسودين تتطاير من فمهما وأنفيهما النيران والدخان وشعرهما يخط الأرض يحمل كلٌّ منهما عمودا ضخما ًمن حديد.
اضطربت وقلت لـ((حسن)) مَنْ هؤلاء ؟! ربما يتوجهان نحونا !
تبسَّم ((حسن)) وقال : لا نخَفْ , فهؤلاء نكير ومنكر متوجهان نحو كافرٍ جاء لتوه من الدنيا ليسألاه كما سألاك , قلت : هؤلاء أكثر قبحا ً . قال : انهما مشغولان مع كافر الآن.
مضى قليل من الوقت فسمعت صوت سقوط شيء ما هزَّ الأرض تحت أقدامي , ولما سألتُ ((حسن)) عن السبب أجاب : أنها ضربة نزلت على ذلك الكافر .
من الآن فصاعداً ستسمع الكثير من هذه الأصوات التي تهز الأرض.::وادي سحيق ::
ا
تخذ ((حسن)) طريقه من أعلى القمم وأحياناً بين أودية صغيرة وطويلة حتى وجدتُ نفسي على شفا وادٍ سحيق وعظيم .
سألت ((حسن)) : هل علينا العبور من هذا الوادي ؟
قال : نعم . وإن عبوره يستغرق وقتا ً طويلاً فعليك الاسراع .
نظرتُ إلى قعر الوادي مرعوبا ً , لقد كان عميقا ً بحيث لا يُرى قعره , عدت إلى ((حسن)) وقلت له : وهل حقا ً لا يوجد طريق آخر أكثر أمنا ً من هذا الوادي ؟!
مسحَ ((حسن)) على رأسي بيده وقال : طرق العبور في هذا الوادي كثيرة , ولكن لكلٍّ معبره الذي لابد أن يجتازه.
قلت منزعجا ً: وهل هذا استحقاقي أن أعبر من مكانٍ بحيث تعذبني النيران والدخان من الأعلى , ومن الأسفل القمم والأودية السحيقة ؟ فتبسم ((حسن)) وقال : أعلم يا صديقي أن هذا العذاب ما هو إلا مردود أعمالك القبيحة في الدنيا وإذا لم تتحمل ذلك في هذا الطريق لن تصل إلى وادي السلام أبدا ً, فقد سُجِّل عليك أدنى قبيح عملته في الدنيا وهذا جزاؤه .
ونظراً لما تعتريني من لهفة لوصول وادي السلام فقد أذعنت لمواصلة الطريق بهدوء وأخذت بالمسير خلف ((حسن)) داخل ذلك الوادي .
انهمكنا بالمسير داخل الوادي ولم يلح بالأفق ما يدل على انتهائه , وكنت أفكر في أن عمق الوادي دليل على عظمة ذنوبي ... هنا انتبهت إلى نفسي حين سماعي لصوت انهيار الأحجار من أعلى الوادي .
فالتحقت بـ((حسن)) فورا ً كي يعينني إذا واجهتني مشكلة . كنت مضطربا ً مرعوبا ً تكاد عيوني تخرج من أحداقي , فشاهدت رجلا ًيسقط مع أحجار صغيرة وكبيرة إلى قعر الوادي .
فأشار إليَّ((حسن)) وقال : لا تنظر إلى الأسفل بل أنظر إلى أعلى الوادي فشاهدت شبحا ً ضخما ً أسودا ً يضحك بصوت عال ٍ وقف على أعلى الوادي .
قال ((حسن)) : هذا الشبح هو ذنوب ذلك الرجل الذي سقط , ولقوتها فقد تغلبت على حسناته فالقتها في قعر الوادي . هنا وضع ((حسن)) يده على كتفي وقال : هذه عاقبة إتِّباع الهوى .
لمّا سمعت هذا الكلام استحوذ عليّ الخوف من ذنوبي وإمكانية غلبتها عليَّ في أية لحظة .
بعد قطعنا لطريق طويل وصلنا أخيرا ً إلى نهاية الوادي , شاهدت ذلك الرجل ملقىً على الأرض وكان رفيقه - أي حسن - ضعيفا ً وواهنا ً بحيث أنه كلما حاول حمله على كتفه لم يستطع.
طلبتُ من ((حسن)) أن يساعده فاعتذر قائلا ً :
إنني مكلف بمرافقتك ,{ ولا تزر وازرةٌ وزرَ اُخرى } .
قلت : لكننا كنا في الدنيا يعين بعضنا البعض !
قال حسن : في هذا العالم كلٌّ يتحمل وزر أعماله , ولستُ أشفع له إذا استحق الشفاعة , وعليك الدعاء أن يكون من محبيِّ أهل البيت - عليهم السلام - عسى أن تناله شفاعتهم .
حركتُ رأسي متحسرا ً ودعوت أن يكون كذلك .
ربما استغرق قطعنا للطريق ساعات طوال من ساعات الدنيا حتى وصلنا طريقا ً ينتهي إلى الأعلى . هنا التفت ((حسن)) نحوي وقال : استعد للصعود إلى أعلى هذا الوادي الخطير.
ألقيت ببصري نحو الأعلى وكلما نظرت لم أستطع تخمين ما تبقى حتى نهاية الطريق . فأصابني الإحباط لأنني مضطر لقطع هذا الطريق الطويل , ولكن لا حيلة سوى ذلك من أجل الوصول إلى وادي السلام .
بعد تحمل المشقات والكثير من الصعاب وصلنا أخيرا ً إلى قمّة الوادي. تمنيت أن لا تعترضنا مثل هذه المعوقات . وبعد قليل من الاستراحة واصلنا طريقنا باتجاه وادي السلام.