2.
هبّت الريح آخذة معها رذاذ النّهر، الذي تمتدّ على طوله غابة ضخمة، باتجاه قاع الوادي. بين الأشجار التي يبلغ عمرها عدّة مئاتٍ من السّنين، كان رجل يمشي بثبات، متنعِّماً بالضوء الخافت المتسلّل عبر الأغصان. صار شاباً راشداً الآن، ولم يعد الفتى الذي كان عليه. لكنه ما زال يُدعى ساسكي.
لم يمض وقت طويل منذ أن كان معمياً برغبته في الانتقام. كره كلّ شيء، وقطع علاقته بكلِّ شيء... قرّر العيش وحيداً. أمّا الآن بعد أن أدرك خطاياه، فهو يسافر بمفرده ليراجع نفسه ويستكشف العالم.
بفضل ناروتو أوزوماكي، الذي يعتبره شروق الشمس بعد طول عتمة ليلته، يمكن لساسكي الذي كان عالقاً في الظّلام ذات مرة، التنزّه بسلام هكذا. فقد أبقى ناروتو على رابطة صداقتهما حيّة رغم محاولات ساسكي في كسرها.
صحيح أنه بفضله أصبحت حيث أنا اليوم، لكن لم يكن ناروتو الشخص الوحيد الذي ساندني...
ساكورا هارونو، هي الأخرى أحبّته بصدق، رغم محاولاته العديدة في إبعادها. بالنسبة لساسكي، كانت شمس الربيع في قلبه المتجمّد.
أمّا الشّخص الآخر فكان معلِّم ساسكي، عضو آخر في الفريق السابع، هاتاكي كاكاشي. والذي لطالما اهتمّ لأمره، ولا يزال يؤمن به، وأبدى له ثقته به بمنحه حرية السّفر حول العالم.
لقد ساعدني العديد من الأشخاص الآخرين... أنا على يقين بذلك الآن.
استنشق ساسكي هواء الغابة المنعش فإذا به يرى ضوءًا قويًا ينبعث من بين جذوع الأشجار المتداخلة.
هنا تنتهي الغابة...
بمجرد خروجه من الغابة، قابله منظر طبيعي خلاب. شجيرات في كل مكان، كأطفال الغابة تحت الشمس، يمتدُّ حولها بساطٌ من الزهور البيضاء، غمرت الريح أنفه بعبيرها. استغرب كيف أنّ مجرّد النظر إلى هذا أشعره بالطمأنينة. لم يكن ساسكي القديم ليتأمّل المشهد بنفس الطريقة. لم يكن ليلاحظ تلك الزهور حتى. بالتفكير في كل تلك الأمور التي فاته، واصل ساسكي المضي قدمًا، حارصاً على ألاّ يدوس على الأزهار.
- هيا انطلقي... هجوم!
التقطت أذناه صوتاً مرحاً فنظر ناحيته. وقعت عينه على صبي في السابعة أو الثامنة من عمره، يرتدي قبعة مخططة، كان يجري بين الأشجار.
- شوت! شوت! شوت!
كان الصبي يرمي بشيء بكلِّ ما أوتي من قوّة وهو يصرخ. أدرك ساسكي أنه شوريكن مصنوع من الورق، أي لم يكن خطراً.
هبّت الرياح وتناثرت الشوريكن الورقية في كل الاتجاهات.
- آآه! لقد أُصِبت!
لفت انتباهه صوتٌ آخر. بعيدًا عن الطفل بقليل، كان يقف صبيا آخر. على الأرجح في العاشرة من عمره، ومن هيأته بدا ذكياً. ضغط الصبي على صدره وهو يتعثّر كما لو كان قد أصيب حقاً بالشوريكن.
- ما قولك في تقنية شوريكين كوميتسو؟! أوميتسو نيي-تشان انتهى بك الأمر دوكّااااا!
- لكن يا كوميتسو، كلمة "دوكّااا" لا تشبه الشوريكن في شيء!
يبدو أنهم إخوة. الأكبر يدعى أوميتسو والأصغر كوميتسو.
- حان دوري الآن!
التقط أوميتسو أحد الشوريكن ورماه على كوميتسو.
- لن تستطيع الإمساك بي! صاح كوميتسو هارباً.
- سنرى!
ابتسم أوميتسو بمكر وهو يصوِّب الشوريكن ناحية أخيه. هبّت الرّيح فاتخذ مساراً منحنياً وانتهى به الأمر على قبعة كوميتسو.
- أوتش!
- ماذا هناك؟ ليس مؤلماً على الإطلاق!
- الشوريكن عالق في رأسي.
- كلاّ، اُنظر، لقد سقط.
أشار أوميتسو إلى الشوريكن الذي وقع على زهرة.
- أتمنى لو أستطيع التصويب مثلك...
خفض كوميتسو رأسه يائساً.
- فكرة جيدة، لِمَ لا؟! لكنني كنت محظوظا فقط...
- لكنها رمية مذهلة! أرني كيف فعلت ذلك!
- هممم... لست واثقاً ما إذا كنت ستفهم...
- بلى! لست وحدك من يمكنه فعلها! أنا أيضاً يمكنني أن أفعل ذلك عندما أريد! راقب هذا...
هبت الرياح بقوة أكبر ممّا تسبب في طيران الشوريكن.
- أوه! أوه! لا!
مدّ كوميتسو ذراعيه ولاحق الشوريكن الورقي الذي أبى أن يتوقف.
- كوميتسو عُد!
أصبح وجه أوميتسو شاحباً.
- كوميتسو! يوجد جرف هناك!
عندما نظر كوميتسو إلى الأسفل، أدرك أنه كان على حافة الجرف. بمجرد رؤيته لقاع الوادي، ارتجف خائفًا.
- كوميتسو! صرخ أوميتسو.
ركض أوميتسو خلف أخيه الأصغر وإذا بريح أخرى تعصف من جانب الجبل باتجاه الوادي.
- لاااا!
الشيء الوحيد الذي كان يتوقّعه الأخوان في تلك اللحظة كان الموت. لكنّ ساسكي أمسك كوميتسو قبل أن يسقط في قاع الوادي.
- من هناك؟
نظر كوميتسو إلى ساسكي بغرابة؛ ليثبِّت نفسه على الجرف، قام بتركيز التشاكرا في قدميه.
- كوميتسو!
انحنى أوميتسو لإلقاء نظرة على الوادي فصُدم لرؤية ساسكي وكوميتسو. عندما وصل الشاب إلى قمة الجرف، أنزل الصبي فعانقه على الفور.
ركض أوميتسو إلى أخيه واحتضنه بين ذراعيه.
- يا إلهي! قلبي سيخرج من مكانه!
- كلاّ، هذا غير ممكن!
- بلى، بلى، يجب أن ترى كيف يدق!
- لا أكترث لذلك! كوميتسو، عليك أن تحترس لما يحيط بك!
على الرغم من أنه وبخه بغضب إلاّ أن أوميتسو شعر بالارتياح.
- هممم... أنا آسف، سيدي! شكرا لك على مساعدة كوميتسو. لا أدري ما كنت سأفعله لو لم تكن هنا.
انحنى أوميتسو بأدب مُظهراً امتنانه وأمال كوميتسو رأسه مقلّدا إيّاه. نظر إليهما ساسكي ومدّ لهما يده.
- الشوريكن خاصتي!
نظر كوميتسو إلى ساسكي بأعين كبيرة بريئة وأخذ الشوريكن من يده.
- عين ناروتو! نيي-تشان، هل أنت نينجا؟
اتسعت أعين ساسكي من المفاجأة.
- ناروتو؟
أشار كوميتسو إلى عين ساسكي اليسرى.
- عين دوامة... تبدو مثل ناروتو.
- دوامة؟
يبدو أنه شبّه رينّيغان ساسكي بشكل دوامة ناروتو* التي تؤكل.
- أخبرني إذن، هل أنت نينجا؟
- نعم.
أجاب ساسكي بإيجاز. فكّر أنه ربما لو مدّ غرّة شعره وأخفى بها عينه، فلن يثير الانتباه هكذا.
- عظيم! النينجا رائعون!
قبل دقيقة مضت كان يرتجف خوفاً، وها هو ذا الآن متحمساً.
- ناروتو نيي-تشان، علّمني النينجوتسو! أريد أن أكون نينجا أنا أيضًا!
- ما الذي تهذي به يا كوميتسو؟ أعتذر سيدي. مرّ وقت طويل منذ أن رأى شخصاً غريباً، هو يريد اللّعب فقط.
حاول أوميتسو مسك كوميتسو الذي أبى إلاّ أن يقترب من ساسكي أكثر فأكثر.
- أوميتسو نيي-تشان! هذه ليست لعبة، بل تدريب!
أمام إلحاح كوميتسو، تذّكر ساسكي نفسه عندما كان صغيراً، فتساءل عمّا إذا كان ينظر إلى إيتاتشي بنفس العيون.
- حسناً.
لم يفكّر ساسكي أنّه قد يكون من الممتع أن يفعل ذلك لكنه أخذ نفساً ومدّ يده.
- أعطني إيّاه.
- مرحى!
سلّم كوميتسو الشوريكن بكل سرور لساسكي.
كانت البتلات البيضاء ترقص بفعل الرياح، حدّد ساسكي واحدة بعينيه ثم ألقى بالشوريكن الورقي برمية سلسة، مقارنة برميات الأخوان السابقة، وانتهى به الأمر بثقب البتلة المستهدفة.
- مدهش! هذا رائع!
فتح كوميتسو وأوميتسو أفواههما مفتونين ومتحمسين.
- يمكنكما فعلها بالورق فحسب. لم أستخدم التشاكرا حتى، ذراعيكما تفيان بالغرض.
- ناروتو نيي-تشان مدهش بالفعل!
التقط كوميتسو الشوريكن الورقي والبتلات لا تزال عالقة فيه وغمغم وهو يعضّه.
- ساسكي.
- إيه؟
- ساسكي. هذا هو اسمي.
في نهاية المطاف لم يستطع تحمّل أن يطلق عليه اسم ناروتو. انتابت كوميتسو الحيرة لوهلة ثم ابتسم وقال: ساسكي نيي-تشان!
_____
*ميسو رامن بكعكة السمك "ناروتو" (ناروتوماكي) التي شبّه كوميتسو رينيغان ساسكي بها.
أنت تقرأ
Akatsuki Hiden: Sakimidareru Aku no Hana أكاتسكي هيدن: أزهار الشر في ذروة تفتحها
Kurzgeschichten🔻الترجمة العربية لرواية: أكاتسكي هيدن - أزهار الشرِّ في ذروة تفتّحها. 🔻قام بكتابة النسخة الأصلية شين تووادا عن المانغا الأصلية لماساشي كيشيموتو (ناروتو 1999-2015). 🔻قام برسم الرسومات الملحقة ماساشي كيشيموتو. 🔻تاريخ الإصدار: جويلية 2015. 🔻تدخل...