"2"

239 15 1
                                    

بعد شهرين ونصف
الثلاثاء ، ١١:٠٢ صباحاً.

نَقرَ الباب مرة ومرتين بلا إجابة ثم في الثالثة اقتحم المكتب بدون ان يسمع الرد ، في الجهة الاخرى من الباب رجلُ في العشرينات من العمر ، ببشرة شاحبة وعيون ناعِسة ، يجلس خلف طاولة المكتب مُمسكاً بكومة من الاوراق بيد وفي يده الاخرى قلم .
رفع رأسهُ يراقب الدخيل وهو يخطو بملل نحوه .

"ألم تنتهي سيهون سأموت من الجوع حقاً " أردف بيكهيون بإنتحاب وهو يأخذ لنفسه كرسي امام صديقه الذي تجاهله واعاد حشر رأسه بين كومة الأوراق .

"فقط عشر دقائق اخرى اعدك " تمتم الشاحب ليقلب بيكهيون عيناه بضجر ، هذه المرة الرابعة التي يقولها .

"يااا انك حقاً مزعج ، سأخرج وحدي لن استطيع التحمل اكثر " دفع بيكهيون الكرسي لينهض ، وضع يده على مقبض الباب ، كان يظن ان الآخر سوف يندهُ عليه او يتبعه ، ولكن الآخير لم يسمعهُ اصلاً وما زال منشغل بالذي يفعله ، قلب بيكهيون عينه للمرة العاشرة ونفخ وجنتيه قبل ان يخرج وهو يتمتم بالشتائم .

خرج من الشركة ، ارتدى قفازاته امام الباب بسبب برودة الجو وشد على قبعة معطفه البُني اللون متوسط الطول ، ولم ينسى لبس السماعات بالطبع فهو لا يستطيع السير او العمل او فعل اي لعنة بدون موسيقى تصدح في عقله ، كانت الأغاني والموسيقى بالذات غُرف روحية بالنسبه لهُ ، يدخُل إليها ليجلس وحده ويهرب من العالم حوله ،جدرانها العجيبة مصنوعة من مادة لا مرئية يمتزج فيها الحزن بالحنين،و هناك دائماً شبّاك يطل على أغنية أخرى أو على الصمت.

راقب البخار الخارج من فمه كلما تنفس وابتسامة صغيرة حطت على وجهه لتذكره لذكرى سعيدة من الطفولة ، تنهد واكمل سيره بين زحام الناس ، بدايات ديسمبر كانت دائماً تروق له ، وكان يقدسها بكل ما يملك من مشاعر وحُب .
حسناً من لا يحب ديسمبر ؟!

حياته في السنين الماضية كانت هادئة بطريقة مريبة ، وفي بعض الاحيان تُصبح عنيفة جداً ، لكنه استطاع العيش للآن وهذا انجاز كبير للاحتفال به في كل نهاية سنة ، وديسمبر كان الشهر الآخير من السنة الذي يحتضن جروح بيكهيون ومشاعره المنكسرة ويعيد احيائها للسنة الجديدة ، وكم تمنى بيكهيون ان يدوم ديسمبر طوال السنة ، لكن هذه الامنية وكحال الباقي من الامنيات ، رُميت جانباً ولم تتحقق .

دلف إلى مطعم هادئ على جانب الطريق ، مسحت عيناه الزرقاء ارجاء المكان ، ليس مزدحم وهذا جيد له بيد انه يُفضل تجنب الاماكن المزدحمة قدر الامكان، وفوراً استشعر دفئ المكان ليخلع معطفه السميك ويأخذ طاولة لنفسه بالقرب من النافذة .

The dark inside my soulحيث تعيش القصص. اكتشف الآن