شهيدَ تلالُ حمرين

11 2 1
                                    


ما زالت العيون تنظر إلى تلكَ التلالِ حيثُ الأهل والأحباب التي سُرِقَت مِنهم الحياة ليصبحوا أشلاء متناثرة يقبعون هناك وحدهم، يزِفون أرواحهم الى السماءِ السابعةِ وتبقى أحلامَهم مفروشةً على عتباتِ الأملِ ومشاعرَهم أسيرةً داخلُ قلوبَهم. أسافِرُ عبرَ الذكريات الى تلكَ السنونِ العجافِ حينَ اندلاعِ الحرب في وطني الحبيب، قبل ست سنينَ تقريبًا عندما أصرَ ذلك الشابُ الصغير المدعو ( رياض ) الذي لم يتجاوز العشرين ربيعًا، ذو قامةٌ طويلة، جسدٌ نحيل، شعرٌ أسود مجعد، بشرةٌ تميلُ الى الأسمرارِ و عينان فحميتان كسواد الليلِ وكثرةُ التفكير الذي أنعكس أثره على تقاسيم وجههُ . عَزمَ ریاض على مغادرةِ بلدتهُ وترك عائلتهُ لأكمالِ مسيرتهُ الدراسية التي توقفت جراءَ الحربِ الدامية، ليبدأ رحلتهُ بينَ تلكَ التلالِ المُظلِمة ذواتِ النتوءات الجبلية الصغيرة الخالية مِن الحياةِ، تنتشرُ فيها رائحة الموتِ والخوفِ والعطشِ، منعطفاتٌ ومتاهاتٌ يضيعُ فيها كل مَن يلِجُ جوفها. عندما حل الظلام و أرتدى الليلُ عباءتهُ السوداء، سارَ بخطى خائفة ومترنحة ليتجاوز الخطر ويلاقي أثناء رحلتِه عوائلٌ تلاحقُ أحلامها وتبحثُ عن الأمانِ الذي فُقِدَ داخلهم يجرون خلفهم لقبَ (نازح) داخلَ وطنهم الجريح. بدأ الظلامُ مِن حولهِ يخيفة ويشعرهُ بالوحدة و هذا الصمت الذي يلف كل شيء يخيفهُ، لا يرى ولا يسمع شيء سوى صوت الضباع القادم من مكان بعيد. بعد السيرُ لمسافات طويلة وطرق متعرجة، بدأ النعاس يجفوا بين مقلتيهِ ليجعل من الأرضِ فراشًا ويلتحفُ السماءِ، يتسلُل الشوق داخل قلبه الى دفئِ والدتهُ وحنان والدهُ وضجيج أخوانهُ، غط في نوم عميق على أمل أن يجد السلاُم طريقًا اليهِ. في الضفة الأخرى، قد فاضَ الشوقُ قلب عائلتهِ لتسلك ذلك الطريق المتهالك على أمل اللقاء بهِ. وفي منتصف الطريق شعرت أم رياض بالتعب الشديد لتجلس وتلتقط أنفاسها المتعبة، فجأة تلاحظ أم رياض قميص على بعد أمتار منهم، خفق قلبها وضاعت الكلمات منها وهي تشير بيدها المرتجفة الى ذلك القميص الممزق، تحاول الوصول اليهِ لكن ساقيها تخونها في المسيرِ، فهمت العائلة ما حل بصاحبهِ لكنهم حاولوا خداع والدتهم حتى لا تسوء حالتها الصحية أكثر، وصلت العائلة الى بر الأمان لكن لم يكن لهم نصيب من اللقاء برياض. كانت نهاية رياض قبل وصوله الى الحدود، لقيَ حتفهُ بعد أن أنفجر عليهِ لغم لعين أودى بحياتهِ. وبعد أيام معدودة أنتشر الخبر بين الملأِ لتفقد الأم عقلها ويفقد رياض حياتهُ. على لسان حال رياض ( ما بين الموتُ والحياةِ سقط جسدي الممزق وتناثرت أحلامي وضاع أملِ ما بين ثنايا تلك التلال التي أصبحت قبري وفنائي ليبقى أثري وذكراي تتلو وتكتب بين السطورِ وداخل طيات الكتبِ) . ليس فقط رياض وعائلته مَن عانوا بسبب الحرب بل هناك العديد من الحكايات التي لا يستوعبها العقل، فمنهم من نجى ومنهم من لقى حتفه هناك دون وداع، بقيت أرواحهم تجوب في الأرجاءِ ومنهم لا نزال ننتظر منهم خبر يعيد الحياة إلى قلوبنا الصامدة والراجية من الله تعالى أن يعم الأمان وتعود حمامة السلام محلقة فوق سماء وطني.

بقلمي ✍🏻
Farah Munawer🌸

شهيدَ تلال حمرينَWhere stories live. Discover now