في مكان بعيد، في دولة أخرى حدث هذا، حدث أن نسيت طفلة ما، نسيت في منطقة غريبة توقفت عنده عائلتها، كان مسجدا قديما في وسط المدينة التي كانت على طريقهم.
نزل أفراد العائلة من الحافلة التي يملكها زوج خالة الفتاة، كان في الحافلة حوالي خمسة عشر شخصا ما لم يكن أكثر، ترجل الجميع لتأدية صلاة الظهر، بينما كانت الفتاة تنتظرهم في خارج المسجد. أنهوا صلاتهم وعادوا إلى الحافلة دون أن ينتبهوا إلى الفتاة التي تركوها خلفهم في الزحام المعتاد أمام بوابات المساجد بعد الصلاة، كنت أجلس بجوار أمها، لم أكن كبيرة كفاية لأفهم الأمر لكني شعرت بقلق وضيق في تصرفات الأم. بعد نصف ساعة في الزحام أدركوا غيابها، اشتعل الذعر في قلوبهم وبان القلق على وجههم، لم ينتظر زوج خالتها أن تخبره النساء في الخلف بأن يعود أدراجه فقد بادر إلى ذلك بنفسه.
الجو متوتر والجميع صامت ومخف في داخله أطنانا من التوتر، وأكثر ما زاد ذلك هو الزحام الذي تتميز به شوارع تلك الدولة، بعد حولي نصف ساعة من الصمت القاتل الذي حل بلا رحمة يمزق القلوب كنا قد عدنا إلى ذلك المسجد، والحمد والشكر لله فالفتاة كانت لا تزال هناك تنتظر كل تلك الفترة، ففي تلك الفترة كانت الاختطافات أمر شائع. نزلت الأم بسرعة ولهفة تمسك ابنتها التي جفت الدموع على وجهها بعد أن نحتت على وجهها الصغير علامات البكاء، سألتها أمها بصوت متشنج عما جرى معها، فكان الأمر أنه قد حدث وانتبه بعض الشباب على أنها وحدها تجلس تحت ضوء الشمس القوي الذي تجنبه جميع المارة ((ملاحظة: درجة حرارة الشمس كانت عالية لسكان الدولة لكن للفتاة لا)) فأتو ليسألوا عن حالها وما إذا كانت ترغب في أن يأخذوها لتناول الغداء لكن سؤالهم ذلك جعلها تستفيق من الصدمة التي وقعت بها وبدأت البكاء.
لاحقا وقبل أيام قليلة عدت لأسأل الفتاة مجددا عن شعورها، فقالت إن بقائها لوحدها أوقف قدرة التفكير عندها فما عادت تفهم شيء بل اكتفت بمراقبة المباني العتيقة وحركة السكان والمحلات، سؤالهم ذاك فحسب هوالذي جعلها تبكي وتدرك الموقف.