"سيد كارتر... سيد كارتر؟" جفلت من مكاني عندما صرخ المعلم اسمي ولكنني عدت بنفس الثانية الى ملامحي الجامدة ونظرتي الباردة، لقد اعتدت على صراخه.
"أرى أنك كنت تسرح في الدرس ولا تركز في الشرح، الى متى ستستمر على هذا الحال؟ لقد مضت أسابيع عديدة وأنت هكذا وحتماً اكتفيت منك ، اذهب الى مكتب المدير حالا ولا أريد رؤية وجهك الى اخر الدوام"
شكراً لكَ، هذا أكثر شئ جيد حصل معي هذا اليوم، على الأقل سأحصل على فرصة البقاء لوحدي الى نهاية اليوم.
"حسناً معلمي" حملت حقيبتي وتوجهت الى الخارج ولكن ليس قبل أن تلتقي عيناي بعيناها، كانت تجلس أمامي بمقعدين وسرعان ما حول الجميع نظرهم اليَ عند صراخ المعلم وهي معهم، عيونها كانت تحمل العتاب والحزن في طياتها، كرهتُ هذه النظرة منها، وكأنها كانت تشعر بالشفقة علي، بالغضب والانكسار مني، ولكنها لم تكن تعلمُ ما معنى أن يعاقب المرء نفسهُ بتركِ ما يحب.
"تفضل" طرقت باب غرفة المدير وسرعان ما سمح لي بالدخول.
"أوه, لِيام كارتر مرةً أخرى ! أيُ معلمٍ قد أرسلك هذه المرة؟" سأل باستهزاءٍ وكأنني سأبالي بكلامه.
"المعلم لويس"
"حسناً، ربما يجب عليك الانتباه لدروسك لِيام، اذا استمررت على هذا المنوال فسوف أضطر الى اخراجك من الثانوية بسبب اهمالك، حاول أخذ دروسِ خصوصية أو...."
هذا ما كان ينقصني في هذه اللحظة بالذات، سماعُ محاضرة منهُ وكالعادة أومئت لهُ وأنا أتجاهلها فقط حتى يسمح لي بالذهاب لغرفة الاحتجاز بسرعة، لم يكن ليبالي بي أساساً ولكنهُ يجبرُ نفسه على قول هذا الكلام كلَ مرةً حتى يحاول تجسيد دور المدير المثالي، تشه.
"سأعطيك حجزاً لنهاية الدوام هذا اليوم، حتى تشعر بأهمية الدراسة ،أو ربما التفكير في مستقبلك قليلاً اذا بقيت على هذه الحالة، يمكنك الذهاب الأن"
أومئت له وخرجت من الغرفة أمشي في الممر الفارغ متجهاً الى الغرفة الأخيرة في الطابق الأول على اليمين، لقد حفظت مكانها عن ظهرِ قلبٍ فعلاً من كثرة ما جلستُ فيها ساعاتٍ لوحدي.
"ليام" صوتها الذي كان يجذبني ويجعل قلبي يدقُ طبولاً في كلِ مرةٍ أصبح لا يعني شيئاً لي، في الحقيقة كل شئ أصبحَ بلا لون منذ رحيلِ أمي.
استمررت بالمشي حتى ركضت خلفي وأمسكت بذراعي توقفني في مكاني، لم انظر لها حتى وأبقيت نفسي منغمساً تحت قبعةِ قميصي.
"هل أنت بخير؟" السؤال المعتاد يومياً، ماذا ترينني !
"بخير" خرج صوتي بارداً بدون أي مشاعر، وهذا ما أردته كي تتركني.
"لا تبدو كذلك! لقد خرجتُ من درس الأحياء حتى أراك، لمَ في كل مرةٍ أحاول الحديث معك تهرب مني؟ هل أصبحت تكرهني لهذه الدرجة ليام؟ أم انك لا تريد الكلام معي عن حياتك ولا مشاركتي همومك؟ هل نسيتني بهذه البساطة؟ وكأن الذي كان لم يكن سوى وهمٍ ضائع! أعرف انك تمر بأوقات عصيبة ولكنني هنا بجانبك.. يمكنك مشاركتي بما يثقلُ كاهلك"
أرجوكِ.. لم أعد أريد شخصاً أتحدث معه، أريد فقط أن أبتعد عن الناس وأدع الوحدة تحتضنني، لدي من الكلام ما يكفي لصنع طوفان، ولكنني افضلُ الصمت والانفراد بنفسي.
"لا يوجد شئ مما تفكرين به والان يجب عليَ الذهاب الان" أزلتُ يدها واستمررت في طريقي غير آبهٍ بدموعها التي ملئت عيناها، هل وصلت لهذه الدرجة من عدم الاكتراث حقاً ؟ أم أنَ ما حلَ بي كان ثقيلاً لجعلي بهذهِ الحالة؟
ولكن الحقيقة أنني لم أجد الطريقة المناسبة لشرح ما أشعر به، أخاف أن يبدو سخيفاً بينما هو يمزقني.
أحياناً أتعجب من قدرتي على التجاوز، أنا شخص لا يحبُ البكاء على الاطلال، وأميل للحقيقة حتى لو كانت مرة، لا أسارع بالتخلي، ولست الطرف الذي ينسحبُ أولا، لكن بمجردِ أن ألمح وميض الحقيقةِ وأعرف أنه لا فائدة، فأنا أذهب فوراً وأتجاوز الأمر في لحظته ولا أتأخر عن فعل ذلك أبداً.
ولهذا تركتها، لأنني أعرف أنها لن تكون قادرة على الاكمال مع شخصِ مثلي، حتى أنا لا أطيق نفسي، اسفٌ روز.
طرقت باب غرفة الاحتجاز ولم أنتظر سماع صوت المعلم جورج بالسماح لي بالدخول، وضعت حقيبتي على الكرسي أمامي واتكأتُ برأسي على يداي أحاول الحصول على بعض الراحة.
"اممم، لِيام مجدداً، لا تبدو بخير مطلقاً يا صغيري، تبدو وكأنكَ مرهقٌ جداً وكأن هموم العالم فوق رأسك، ربما يمكنك اخباري بما يحدث لك علِ أحاول مساعدتك قليلا؟"
سيد جورج.. المعلم طيب القلب واللطيف، لا يستطيع الحركة بشكل جيد بسبب كبر سنه، ربما لهذا السبب تم وضعه مسؤولا عن غرفة الاحتجاز، حتى لا يتحرك كثيراً وحتى يحاول مساعدة الطلاب الذين لديهم سبب مقنعٌ للذهاب هنا، مثلي...
ولكنه بالرغم من كل هذا ...لا يستطيع فهمي بشكل جيد... لا أحد منهم يستطيع، فأنا أتحدث عن أمر قطعت فيه آلاف الأميال تفكيراً ولم يمشوا فيه خطوة واحدة... ولن يشعروا بي... فأنا أشرح ما جال في قلبي كل ليلة ملايين المرات ولم يطرق قلبهم ليلة، ليس ذنبهم ، بل هي المسافة الهائلة بين التجربةِ والكلمات.
___________
قدموا كل الحب الها❤️ ان شاء الله باقي البارتات رح تنزل عن قريب، بحبكن كثير ولا تنسوا التصويت الها.
كل الحب... سيرين💜
اللهم صلِ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.☁
أنت تقرأ
ليام|Liam
Short Storyفي عمق الاكتئاب، نزاعات العائلة ومشاكل الثانوية، يغرق لِيام في أشد صراعاتهِ بعقلِ لا يكفُ عن التفكير وروحٌ مرهقة، حياةٌ بائسة وقلبُ منطفئٌ، صدرهُ ملئُ بالكلمات اللامتناهية كالأشواكِ المؤلمة تنخزُ فيهِ بوحشيةٍ... ترى هل يوجد أملُ بتغيير مجرى حياتهِ أ...