"23"

289 18 1
                                    




ثمانُ ليالٍ ونصفُ نهارٍ ، مَرت عليَّ وأنا بين هذه الجُدران ، بدت هذا المدة بالنسبة لي كالدهرِ ، مصحوبةً بالألم والوِحدة ، والكثير من فقدان الأمل ، الأمل الذي أعاد لي الحياة في فترةٍ ما ، سُحب جميعهُ بلحظةٍ واحدة ، حتى كِدتُ أظنُ بأني فعلتُ شيءً سيئاً لهذا العالم لكي يُعاقبني هكذا .

ثمانُ ليالٍ ونصفُ نهارٍ مَرت بدون أن تخرجَ شفتاي حرفاً واحداً ، أو يَنطقَ لساني بِنصفٍ كلمةٍ ، كُنت وحدي في صمتٍ فظيعٍ ، خائفٌ من أن اتفوهَ بكلمةٍ فأجدُ صدى صوتي يطرقُ الجدران ويعود خائباً لي ، جدرانٌ صَدِئةٌ ، مُتآكلة ، لم أستطع الإتكاء عليها خوفاً من أن يزحف العفن لي .

لذا فضلتُ الجلوس بالمنتصف ، مُتجاهلاً وجود السرير ، الذي لا يُمكن القول عنهُ أنهُ سريرٌ .

أما الوحدة التي أعتدتُ عليها طول حياتي ، بدت لي موحشةً وخانِقة ، بطريقةٍ ما وفي الفترة الأخيرة لم أكُن لوحدي أبداً ، وفي بعض الأيام كان شعور الأمان يزحف لقلبي مُنتزعاً الخوف وطارداً إياهُ بعيداً ، وهذا الشعور الذي أكتسبتهُ في وقتٍ ما ، أفتقدهُ الآن .

لا أعلم إن كُنت أفتقد تشانيول ، أم أفتقد المشاعر الهادئة والدافئة التي تراودني حين أكون معهُ ، لكن بشكل ما ، وجودهُ أعاد ترتيب أشياءٍ كثيرةٍ في حياتي ، وإن كُنت اكره الإعتراف بتأثيرهِ ، لكنهُ فعل .

الزنزانة تضيقُ عليَّ كُل فترةٍ ، وأشعر بجسدي يُعجن ويُسحق بها ، ونفسي يثقل واحياناً أجد صعوبة في التنفس ، كأنني في قبرٌ .

لم أنم سوى مرتين أو ثلاث ، ولم أأكل شيئاً غير فُتاتٍ يُلقى إلي بين يومٍ وآخر ، المرة الوحيدة التي نِمت بها طويلاً كانت حين دفعني الحارس للداخل لدرجة أن رأسي إرتطم بقوةٍ في الأرضية مُسبباً لي فقدان الوعي الذي دام لساعاتٍ ليست بالقليلة ، وحين أستيقظتُ ،
ضوء القمر المُتسلل من النافذة الصغيرة في الأعلى ، كان أول من أستقبلني .

أصواتٌ كثيرةٌ تتسللُ من بين شقوق الجُدران كُل فترةٍ ، وأصواتٌ أخرى أسمعها في رأسي .
تصرخُ ، تَبكي ، تُهلل ، تسألُ أسئلةً لا أجد جوابً عليها .

مشاعري مُضطربةٌ بين الحزن والغضب ، لكن شعور الخوف يتغلب على الأثنين دائماً .

شعرتُ كأنني على حافة الجنون .

صوتُ صليلِ الباب الحديدِ بالأرض جَذب إنتباهي ، رفعتُ رأسي اُبصرُ الباب الذي يُفتح ببطئ ، بينما تسللت أشعة الضوء من خلالهِ لتنُير مساحةً ليست بكبيرةٍ في الزنزانة ، الأمر الذي جعلني أضيق عيناي بألمٍ للضوء الذي لم أرهُ مُنذ فترةٍ .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 26, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

The dark inside my soulحيث تعيش القصص. اكتشف الآن