الفصل الثامن

665 28 0
                                    



الفصل الثامن

رسالة من سراب ...
عندما تضعين تلك القبعة الفرنسية التي اشتريتها لك .. أعرف بأنك تعترفين بي جزءا منك
كرجلك .. صديقك .. شقيقك .. أبيك .. حاميك ..
عندها .. أجد نفسي مستعدا لفعل كل شيء تطلبينه ..
كان الله في عوني ... إذ ظننت زمن العبودية قد ولى منذ عقود ...

باريس
قبل خمس سنوات ..
يعرف فراس عصام غالي منذ سنوات طويلة ....
قد يظن البعض بأن رجل الاعمال الثري جدا جدا قد اكتسب ثروته بفعل استثمارات استغل مصادرها أثناء عمله كوزير للصناعة قبل سنوات خلت ... إلا أن فراس يعرف بأن هذا غير صحيح ..
عصام غالي كان الوريث الوحيد لإحدى العائلات التي كان الناس يتغنون بغناها الفاحش .. وبعكس والده هو .. لم يتخلى عصام غالي عن دوره كوريث لأعمال العائلة مقابل عمله السياسي ... بل ربما كانت موافقته على استلام منصبه الكبير هو الخبرة التي يمتلكها والتي يستطيع تقديمها إلى بلاده لأجل تحقيق الأفضل لها ..
فراس قابل الرجل عدة مرات في السابق .. خلال لقاءات عمل .. صفقات مشتركة .. اجتماعات في غرفة الصناعة .. يستطيع فراس تصنيف الرجل وبكل راحة كصديق حقيقي له .. إلا أنه لم يتخيل عندما أخبرته أمه صباحا عن دعوة العشاء التي كان الهدف منها جمع فراس بفتاة لطيفة ( أخرى ) .. أن يكون عصام غالي هو صاحب الدعوة ..
كما بدا واضحا لفراس أن الرجل نفسه لم يمتلك أدنى فكرة عن نوايا زوجته وجهودها لأجل تزويج ابنتهما ..
ما عيب ابنتهما على أي حال كي تسعى زوجته إلى تزويجها في هذا العمر المبكر .. وبهذه اللهفة ؟؟؟..
على أي حال .. الإبنة المذكورة لم تكن موجودة خلال العشاء .. مما سلى فراس كثيرا وهو يراقب وجه السيدة سمر يحمر أثناء توضيحها لوالدته السبب الذي اضطر الفتاة للغياب .. من الواضح أن الفتاة كانت أقل حماسا منه لهذا الزواج المرتب .. غير أنها كانت أكثر شجاعة منه في رفضها للاستسلام لضغوطات والدتها بعكسه هو ..
حسنا .. ربما بات الآن أكثر تشوقا للقاء ابنة عصام غالي الغامضة ..
من فوق مائدة العشاء .. لاحظ فراس عصام غالي وهو يحدق بزوجته مصدوما أثناء إلقائها بأعذارها الواهية .. ثم يبتسم بتسلية مماثلة لتسليته وهو ينظر إليه في لغة مفهومة ..
بعد العشاء .. اعتذر والده كي يجري بضع مكالمات هاتفية بينما دعا عصام فراس إلى مكتبه حيث ستحضر لهما الخادمة القهوة ..
قال عصام غالي وهو يدعو فراس للجلوس :- لقد فاجأتني زوجتي عندما أخبرتني بأن دعوتها لوالديك قد تضمنتك .. ما الذي جاء بك إلى باريس .. أهو عمل أم مرح ..
لوى فراس فمه في ابتسامة جانبية وهو يقول :- لا هذا ولا ذاك ... التزامات عائلية ... أنت تعرف بأن باريس هي مقر إقامة والدي هنا في الوقت الحالي ..
هز غالي رأسه موافقا .. إذ كان يعرف العلاقة الوثيقة التي تربط فراس بوالديه ... ثم انخرطا في حديث جدي حول أعمالهما المشتركة لم تتوقف حتى طرقت الخادمة الباب ودخلت حاملة صينية عليها أقداح تصاعد بخارها من القهوة ..
عندها نهض غالي وهو يقول مداعبا :- سأذهب لأنقذ أباك من اتصالاته التي لا تنتهي .. قد يظن المرء أنك قد ورثت هوسك الغير طبيعي بالعمل من عائلة جدك .. إلا أن تفانيك قادم بالتأكيد من عائلة الحولي ..
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي فراس وهو يراقبه يغادر الغرفة .. لو يعرف غالي كم أثرت به عبارته الأخيرة .. ربما فراس يحمل اسم الحولي .. إلا أن الجميع ومنذ وفاة سنان اعتبروه وريث كورتومولوش لا أكثر ..
نهض من مكانه .. وتحرك في أنحاء المكتب المؤثث بكلاسيكية .. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها فراس شقة غالي في باريس ... وقد كانت بالضبط كما توقع أن يجدها .. مرفهة .. مترفة .. أكثر بكثير مما يحب .. إلا أن حكمه على عصام غالي من خلال أثاث منزله لن يكون عادلا على اعتبار أن زوجته هي من اختاره على الأرجح ..
توقف فراس بحدة أمام صورة مؤطرة كانت مرصوفة إلى جانب أخريات فوق أحد الرفوف التي احتلت جزءا من أحد الجدران ... تناولها على الفور وهو ينظر إلى الفتاة اليافعة .. التي كانت تنظر إلى الكاميرا بابتسامة متحفظة .. وكأنها كانت مرغمة على التموضع للصورة .. عيناها البنيتان كانتا مرتبكتان .. خجلتان .. عديمتي الثقة .. مختلفتين عما كانتا عليه عندما رآهما للمرة الأولى هذا الصباح ..
إنها الفتاة نفسها ... فتاة الحجر .. التقط صورة ثانية للفتاة نفسها .. أصغر سنا .. بعام أو اثنين .. نفس النظرة البعيدة .. وكأنها تأبى أن تلتقط الصورة ما لا تريد لأحد أن يراه .. ثم أخرى .. أصغر بكثير .. طفلة ضاحكة ... فرحة .. منطلقة .. بلا أي هموم ..


رسائل من سراب الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن