الفصل التاسع

684 25 0
                                    

الفصل التاسع

رسالة من سراب ...

لا أحب التموضع للصور ... وأنت تعرف هذا جيدا ...
ومع هذا تمكنت من التقاط تلك الصورة لي ... بل ورفضت أن تسمح لي برؤيتها ..
إن تبين لي أنني أبدو فيها قبيحة ... ضربتك ... دون أن أستخدم حجرا هذه المرة

صبت أفكار الشاي في الأقداح الزجاجية .. ثم أعادت رأسها إلى الوراء كي تتمكن من النظر عبر باب المطبخ المفتوح إلى ما ظهر من غرفة الضيوف المفتوحة هي الأخرى ... حيث تمكنت من رؤية ساق أحدهم ...إنها ساق رائد .. صحيح ؟؟ كان رائد يرتدي سروالا من الجينز الأسود في حين لم يسبق أن ارتدى قائد في حياته ملابس رياضية أو عادية .. أوقد يكون ضيفهما ثقيل الظل هو صاحب هاتين الساقين الطويلتين الممدودتين باسترخاء أمامه وكأنه في بيته ..
ألا يدرك بأن الوقت قد تأخر .. وبأن الوقت قد حان كي يذهب إلى بيته ؟؟
ثم ما خطب رائد كي يختار استقبال صديقه هنا بدلا عن شقته ... ألا يعرف إلى أي حد يزعجها وجوده ... يوترها .. يقلقها .. يخيفها وقد اطلع الرجل على الكثير من خفايا نفسها عبر الرواية التي تخطط دار النشر التي يديرها لنشرها قريبا ؟؟
من جهة أخرى ... ألا يعتبر توترها هذا ساخرا على اعتبار أن العديد من الناس سيقرأون بالفعل الرواية نفسها بعد قليل من الوقت .. فتبات مفضوحة في أعينهم جميعا ؟؟؟
لا .... هو وحده من نظر إليها مباشرة في لقائهما السابق قبل أشهر في مكتبه وصرح بأنه متأكد من واقعية معظم أحداث الرواية ... وقد كان تأكده في محله ... أفكار كتبت الرواية بناء على أحداث حقيقية .. ربما هي حورتها ... قلبتها .. حرفتها ... إلا أنها كانت حقيقية .. في عمق القهر الذي كانت تصرخ بها كلماتها ..
هذا الرجل ... كمال عز الدين .. كان أكثر ذكاء مما تحب أفكار .. إذ أن الرجال عادة كائنات غبية .. أنانية .. مادية .. دنيوية .. لا تجيد النظر أبعد من حاجاتها الخاصة ... ونعم .. ( أنا آسفة قائد .. ولست آسفة حقا يا رائد .. أنتما لستما بالذكاء الكافي ما دامت اثنتان من بنات الشاعر قد تمكنتا من جذب كل منكما من ذيله وترويضه بهذه السهولة )
صدرت ضحكة عالية غير مألوفة لها .. فازدادت تكشيرتها ضراوة .. ويجرؤ على أن يضحك .. هي لا تحب الرجل الضاحك .. إذ خلت حياتها لفترة طويلة من مثله .. الرجل يجب أن يكون عابسا .. فظا .. ثقيل الدم .. لا ضحوكا .. الرجل الضاحك كائن لا يمكن الثقة به أبدا أبدا ...
أطلت أمها برأسها من باب المطبخ وهي تقول عابسة :- ما دمت قد أعددت الشاي ... ما الذي يمنعك من تقديمه .. فلتنادي رائد كي يأتي لأخذه ..
زمت أفكار فمها بغيظ عندما غابت أمها مجددا ... ولم لا تفعل ما دامت تحظى بكنتيها المفضلتين معها هناك ... على أحد ما أن يذكر الجميع بأن الوقت قد تأخر .. ليت الأمر ببساطة أن تتمكن من هشهم إلى منازلهم كما تهش القطة التي تقف عند باب المنزل كل صباح فتوقظ سكانه جميعا بموائها توسلا لشيء من الطعام ..
أرسلت رسالة نصية لرائد من هاتفها .. وإذ به يظهر خلال لحظات عند باب المطبخ وهو يقول باستنكار متهكم :- رسالة نصية !! .. هل أنت جادة ؟؟ أين ذهب الماضي الجميل عندما كانت الأخوات المطيعات تطرقن باب غرفة الضيوف بكل تهذيب كي تناولن الشقيق الرائع صينية الشاي ..
نظرت حولها متظاهرة بالحيرة وهي تقول :- شقيق !! ورائع !! .. لم أر واحدا مثله منذ فترة طويلة ..
عبس بغيظ قبل أن يتناول منها الصينية وهو يقول :- يجب أن تكوني ممتنة لي لأنني أمهد الطريق أمامك كي تصبحي مشهورة ..
قالت له من بين أسنانها :- صدق أو لا تصدق ... لا دور لك أبدا في مصيري ككاتبة .. ما من فضل لصديقك أيضا إذ أنني كاتبة بارعة وأستحق أي مجد أحصل عليه ...
أصدر صوتا شاخرا وهو يقول :- آه ... نعم .. لماذا أجد صعوبة في تقبل هذا ... مازلت مصرا على أن كمال قد تلقى ضربة على رأسه قبل أن يقرأ روايتك .. فتوهم فيها شيئا مميزا..
أطلقت ضحكة ساخرة وهي تقول :- على الأقل ... هو يجيد القراءة .. لا كأشخاص أعرفهم ...
عبس من جديد .. وكاد يقول شيئا قبل أن تقاطعه زين التي دخلت المطبخ قائلة :- أفكار ... هل تحتاجين إلى أي مساعدة ؟؟
كالسحر ... اختفى عبوس رائد وكأنه لم يكن وهو يلتفت نحو زوجته التي كانت تمشي بتثاقل وبطنها المتورمة تبرز أمامها بوضوح .. بحق الله ... هي في بداية الشهر السابع لا أكثر .. ورغم هذا تبدو وكأنها على وشك أن تلد ... أي وحش صغير تحمل بين أحشائها ...
قال رائد برقة :- لا تحتاج أفكار إلى أي مساعدة يا حبيبتي .. إلا إن كانت عقلية .. وأنا اشك بأنك تمتلكين شيئا منها بما أنك لم تدرسي الطب النفسي قط ..
ضربته على كتفه وهي تكبت ضحكتها .. بينما تابع طريقه إلى غرفة الضيوف مسرورا بإلقائه الضربة الأخيرة .. قالت زين لأفكار معتذرة :- لا تغضبي منه يا أفكار ... أعرف بأن رائد يكون أحيانا ...
قاطعتها أفكار قائلة بفظاظة :- فظا .. غليظا .. سخيفا .. ثقيل الدم .. أعرف .. فقد عشت معه لما يزيد عن ثلاثة وعشرين سنة ..
تنهدت زين وهي تقول :- لم لا تنضمي إلينا في غرفة الجلوس ... اسبقيني وسألحق بك مع بعض المرطبات .. قالت الطبيبة هذا الصباح أنني أحتاج إلى شرب الكثير من السوائل ...

رسائل من سراب الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن