الفصل الحادى عشر

679 26 0
                                    



الفصل الحادي عشر



رسالة من سراب ...

لو تعلمين ما يكلفني به تظاهري بأني رجل نبيل معك ...
ما يكلفني به اضطراري لتقدير صغر سنك ... برائتك .. طفولتك ..
يوما .... ستكونين لي ... وعندها .....


باريس ..
قبل خمس سنوات ...

:- أي إسم هو ديندار هذا ؟؟
:- أممم ... اسم تركي ..
نظرت إليه عابسة وهي تسير إلى جانبه على ضفة نهر السين ... وقالت :- أتقول لي بأنك تركي ..
هز رأسه وهو يقول باسما :- لا ... لنقل بأنني أمتلك جذورا تركية ...
:- ممم ... فراس ديندار .. أنت لا تبدو لي تركيا على الإطلاق .
نظر إليها متسليا وهو يقول :- هل تتهمينني بالكذب ؟؟ أستطيع أن أثبت لك حقيقة ما قلته عن جذوري تلك .. أنا أجيد التحدث بالتركية بطلاقة ..
مر أسبوع على التقائهما أمام لوحة الموناليزا حيث قدمت له اسمها للمرة الأولى دون أن يجرؤ على منحها اسمه الحقيقي خشية أن تتعرف إليه وتدرك أنه الشاب الذي كانت أمها تخطط للتوفيق بينها وبينه ...
أسبوع كامل .. إلا أن كل لقاء بينهما كان يبدو له وكأنه الأول ... هذه الفتاة الصغيرة كانت تبث فرحا غير محدود داخل قلبه الذي بدأ يتحجر في الآونة الأخيرة من رتابة وجمود حياته .. من الصلابة التي كان مضطرا لاعتناقها كي يقوم بواجباته ... من التحفظ وهو يخفي عن والديه مدى ما يحسه من وحدة ...
مع هذه الفتاة التي بدأت تفتح له حصون روحها في كل مرة كانا يلتقيان فيها .. هو لم يكن مضطرا لأن يكون أي شيء سوى نفسه .. لا صلابة .. لا تحفظ .. مجرد شاب يافع يعيش حياته وأيامه كما هي ..
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تنظر إليه متمعنة .. ثم قالت :- إتقانك اللغة التركية ليس دليلا .. قد تكون نصابا محترفا ليس أكثر ..
أفلتت منه ضحكة مجفلة وهو يردد :- نصابا !!
أكدت له بتحدي :- نعم .... نصابا ..
في ظروف أخرى .. كان فراس ليشعر بتأنيب الضمير حول الكذبة التي أخبرها إياها عن اسمه ... إلا أن منحها له اسما زائفا هي الأخرى .. جعل الأمر يبدو أكثر سهولة ... قال ساخرا :- آه ... وماذا عنك أنت يا آنسة أمان المهدي .. أتقولين بأنك لا تكذبين إطلاقا ؟؟
هزت كتفيها :- أحاول ألا أفعل ...
:- وهل أمان المهدي اسمك الحقيقي ؟؟
قالت بدون تردد :- لا ... أنا لست غبية بما يكفي كي أمنح رجلا غريبا أي معلومات حقيقية عني .. ظننت تصرفي هذا واضحا ..
تنهد وهو يتوقف .. ويستدير نحوها ناظرا إلى ملامح وجهها الطفولية والعنيدة .. خلال الأيام السابقة التقيا بشكل يومي باتفاق مسبق بينهما في أماكن عامة امتلأت بالسياح بحيث تشعر بالأمان في حضرته فتتمكن شيئا فشيئا من منحه ثقتها الكاملة ... إلا أن ترددها .. وحذرها .. ورفضها أن تستسلم لإصراره .. كان يزيد فقط من إعجابه بقوة إرادتها وصلابتها ..كيف لعصام غالي أن يخاف على فتاة بهذا الوعي الذي فاق سنوات عمرها بكثير ؟؟؟
رغم رفضها منحه أي معلومات دقيقة حول نفسها ... كان فراس قد عرف الكثر عنها خلال هذه الأيام .. عرف عن وجودها في باريس رغما عنها لأن والدتها تظن بأنها تحظى بصحبة غير جيدة في الوطن .. عرف أنها قد أنهت الثانوية العامة وتخطط لدخول الجامعة أملا في أن تتمكن في المستقبل من فعل الكثير لأجل الأشخاص المحتاجين للمساعدة .. عرف بأن شقيقها المفترض الذي نفى والدها وجوده ... هو أقرب الناس إليها .. وأنها تشتاق إليه كثيرا .. وتتألم بسبب رفض والدتها السماح لها بالاتصال به ..
كان قد سألها بحذر :- لماذا ترفض والدتك اتصالك به ؟؟
هزت كتفيها دون أن تمنحه ردا شافيا ... فلم يستطع أن يضغط عليها أكثر في سبيل معرفة المزيد ..
الوقت ... كل ما يحتاج إليه فراس هو الوقت ... وسيتمكن من معرفة ما تمتلكه هذه الفتاة فيثير فضوله واهتمامه إلى الحد الذي دفعه لترك عمله وتسليمه إلى موظفيه .. والاكتفاء بزيارات مسائية لمكتبه والعمل على حاسوبه من شقة والديه ..
هي أيضا عرفت عنه الكثير .. بابتسامتها المشجعة وعينيها الواسعتين الصريحتين .. تمكنت من دفعه للتحدث عن شقيقه المتوفي ... وشقيقته التي تزوجت قبل اشهر .. عن والدته المتعلقة به .. ووالده الذي يعمل كموظف في السفارة هنا ...
سألته حينها بفضول :- ماذا عنك أنت ؟؟؟
تردد للحظة .. ثم قال باقتضاب :- أنا أتنقل حاليا بين الوظائف ..
كارها أن يكذب عليها .. عارفا بأنه لن يتمكن من اختلاق وظيفة غير موجودة ... أو أخرى موجودة مخاطرا بأن تعرف هويته فتكرهه كما توعده والدها بالضبط
( لأمان فكرة متطرفة للغاية .. حول الأشخاص الشبيهين بي )


رسائل من سراب الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن