الفصل الثالث عشر
رسالة من سراب ....
فراس ....
أتذكر قصري الخيالي الذي سبق وحدثتك عنه ..
أنت تجسد كل لبناته ... وكل قواعده ..
أخشى أن أصحو ذات يوم .. فأجدك سرابا
كانت هزار في طريقها لمغادرة الشركة عندما وجدت نفسها وجها لوجه أمام فرح أثناء عبورها أحد الأروقة الضيقة .. ارتبكت وهي تشعر بوجهها يفقد لونه .. متذكرة الطريقة التي طردها فيها عزيز من منزله أمام كل من فرح ووالدتها قبل أيام .. تشعر بالحرج والارتباك .. بالدونية والصغر .. ترددت .. وهي ترى فرح تقف مكانها جامدة للحظة .. قبل أن تشيح بعينيها عن هزار وكأنها ترفض أن تقرأ هزار أفكارها فيهما ..
رباه ... ما الذي قاله لها عزيز معللا طرده لها بتلك الطريقة ..
مرتعشة ... وشاحبة .. خطت نحو فرح بشجاعة .. تشعر بأن قلبها يبكي خسارة صداقة كانت في حاجة ماسة إليها في الوقت الراهن .. صداقة لم تجد الفرصة حتى لتبدأ قبل أن تنتهي ..
قالت هزار واعية للحرج المطل من وجه فرح :- مساء الخير يا فرح
:- أأأأ .. ممم .. مساء الخير هزار ..
ساد صمت مرتبك بينهما للحظة .. قطعته هزار قائلة :- أنا آسفة لما حدث ذلك المساء في منزلك .. لو أنني عرفت أن عزيز هو شقيقك .. أعني .. أنني كنت لأشرح لك ...
قاطعتها فرح قائلة بسرعة :- ما كنت لأهتم .. أؤكد لك .. عزيز ليس مخولا لاختيار أصدقائي ..
قبل أن تتنفس هزار الصعداء .. رأت الحزن يرتسم على ملامح فرح وهي تقول :- إلا أنه انتزع ذلك الوعد مني يا هزار .. أنا آسفة .. لقد رغبت حقا بأن نكون صديقتين .. الله يعلم أنني رغبت بهذا من كل قلبي .. إلا أنني وعدت عزيز .. لقد أرغمني على أن أعده ..
أسرعت هزار تقول بصوت مكتوم :- لا بأس ... أنت لست مضطرة للتفسير .... أنا أفهم .. صدقيني .. ولا ألومك أبدا .. أنا حتى لا ألومه ..
أخفضت هزار رأسها كي لا تتمكن فرح من رؤية دوعها وهي تقول :- أوصلي اعتذاري لوالدتك .. لم أرغب بأن أتعرف عليها في ظروف كتلك ..
ثم أخذت نفسا عميقا وهي تقول :- بالاذن ..
راقبتها فرح وهي تبتعد دون أن تتمكن من كبح دموعها .. لقد كانت غاضبة للغاية .. ومحبطة .. وحزينة للطريقة التي أرغمها فيها عزيز على معاملة هزار بهذه الطريقة التي لا تستحقها ..
تعترف فرح بأنها عندما تعرفت إلى هزار أول مرة .. كان أكثر ما جذبها بها هو اختلافها التام عن ليان .. بقدر ما كانت حبيبة شقيقها المتوفاة جميلة .. داكنة .. قوية .. وصلبة .. وعاهرة ... بقدر ما كانت هزار تبدو هشة .. رقيقة .. لطيفة .. وتتحاشى الجنس الآخر بطريقة كانت تثير عطف فرح بشدة ..
تذكرت غاضبة ليان .. الفتاة التي عرفتها منذ الطفولة .. لقد كانتا في العمر نفسه .. إلا أنهما لم تنسجما قط .. كالماء والزيت .. كانت كل منهما تكره الأخرى .. لم يعد الأمر فقط إلى الاختلاف التام في طباع كل منهما .. في أفكارها ومبادئها .. عندما تعود فرح بذاكرتها إلى تلك الأيام .. كانت تدرك بأن كراهية ليان لها كانت تعود إلى شيء من الغيرة .. الغيرة لأن فرح لم تكن مضطرة للعمل أبدا في حياتها .. أو للقيام بأي تضحية بعكس ليان التي وجدت نفسها في عمر مبكرة مسؤولة عن عائلة .. كما كانت تغار من فرح لقربها من عزيز .. وكأنها كانت تدرك رفض فرح التام لأي ارتباط بين شقيقها الوحيد وابنة الجيران الجامحة .. كانت ليان تفعل المستحيل كي تفرق بين كل من فرح وشقيقها ... دون فائدة في معظم الأحيان ..
كل هذا لم يكن سببا حقيقيا للحقد الأعمى الذي كانت تشعر به فرح اتجاه ليان .. ولا حتى السنوات التي تركت خلالها عزيز معلقا بها بخيط لا مرئي إنما بصلابة الفولاذ لا ينقطع .. وبمرونة المطاط .. تجذبه حينا وتبعده حينا .. لا .. ما جعل فرح تحقد على ليان بكل قواها .. هو تلك المرة التي رأتها فيها تستقل سيارة برفقة شاب غريب ... وقد بدا من خلال معاملة كل منهما للآخر أي شيء إلا البراءة ...
ليان كانت تخدع عزيز ... كانت تستغله وتبقيه عالقا بها بينما تلهو هي هنا وهناك تاركة إياه كمنفذ أخير لها .. وفرح لم تجد الفرصة حتى لإخبار عزيز بما رأت .. إذ خلال فترة وجيزة ماتت ليان في ظروف مأساوية .. وما عاد ينفع أي كان ذكر فتاة ماتت وذوت بالسوء ... حتى وهي تعجز أحيانا عن كبح لسانها ...
أحيانا وهي ترى عزيز يتعذب لموت ليان .. تتمنى لو أنها قد اخبرته ... عله يصحو من ذلك الحلم الذي ظل عالقا فيه حتى بعد أن انتهى .. عله يتمكن من النظر إلى نساء أخريات فيجد فيهن ما لم يجده في ليان .. نساء .. كهزار مثلا ..
ابتسمت بحزن وهي تتذكر وجه هزار الحزين .. لقد أحبتها أمها وعلى الفور .. وكأنهما كانتا على موجة واحدة هي ووالدتها .. وقد وجدتا في خجل هزار .. ولطف هزار .. وهشاشة هزار ... صدى لغرائز عزيز التي تكون بدائية أحيانا في حماية ما يخصه ..
إيييه ... من حق الفتاة أن تحلم أحيانا .. صحيح .. وكل ما حلمت به فرح هو أن تعثر لشقيقها على فتاة لطيفة تصلح كزوجة فتعوضه عن كل ما فعلته به ليان ..
من الواضح أنها ستظل تبحث ... ولفترة طويلة جدا ..