الفصل السابع والعشرون
باريس ..
قبل خمس سنوات ...فراس الحولي ... اسمه فراس الحولي ..
مرتعشة الساقين ... تمكنت أمان بصعوبة من الوصول إلى أقرب أريكة لتجلس عليها قبل أن تقع أرضا ..
كانت ما تزال ممسكة بجواز سفره الذي فتحته قبل لحظات .. فاتحة إياه على الصفحة التي كتب فيه اسمه كاملا .... فراس قاسم الحولي .... فراس الحولي ... اسمه فراس الحولي ...
تذكرت ذلك النهار الذي أخبرتها فيه والدتها باستقبالها لضيوف على العشاء في مساء اليوم التالي ... لقد عرفت أمان نواياها منذ اللحظة الأولى التي تحاشت فيها والدتها النظر إلى عينيها مباشرة أثناء حديثها ..
لم تستمع أمان بعدها إلى ما تبقى من كلمات والدتها ... لم تلتقط سوى كلمات متقطعة لا معنى لها .. أصدقاء والدك ... نعرفهم جيدا ... حولي ... فراس الحولي ..
لم تستمع إليها لأنها لم تكن تخطط أصلا لحضور العشاء ... ستخرج منذ الصباح ... ستخرج باكرا .. ولا تعود حتى تتأكد من مغادرتهم .. فتتعلم والدتها ألا ترتب لقائها بأحد عرسانها الكاملين بعد الآن ...
فراس الحولي ... لقد كان هو ... كيف .. هو الرجل الذي خطط والداها لأن تراه ... ثم لم يأت أحدهم على ذكره مجددا منذ خذلتهم وتخلفت عن حضور العشاء ..
لقد كان هو ... الرجل الذي اشمئزت حتى من التفكير به ... الرجل الذي سمعت الكثير عنه في أوساط والدتها الاجتماعية .. الرجل الذي ردد والدها اسمه كثيرا في الماضي معبرا عن احترامه له . وتقديره له ..
لقد كان هو ... الرجل الذي ظنت أنها تفضل الموت على أن ترتبط بمثله ... لقد كان هو الرجل الذي تزوجته في النهاية ..
لقد كان هو ... فراس الحولي كان الرجل الذي قابلته في ذلك الصباح بالذات الذي هربت فيه من البيت تحاشيا للقائه .. أي صدفة هذه .. وأي حظ هذا ..
لقد كان هو ... فراس الحولي كان الرجل الذي عرفته خلال الشهرين السابقين .. وعرف عنها ما لم يعرفه أي شخص آخر ... الرجل الذي أحبته .. ووثقت به .. الرجل اللطيف .. الرقيق .. الرومانسي .. المتفهم .. الرجل الذي عرفت بأنها أبدا لن تعرف رجلا ينتمي إليها .. كما فعل هو خلال الفترة السابقة ..
لقد كان هو ... الرجل الذي أحبته كما لم تفعل قط .. كما لن تفعل قط .. دون أن تعرف حتى اسمه الحقيقي .. الرجل الذي قفزت فوق مركب الزواج معه دون أن تهتم بهويته .. بخلفيته .. حتى بعمله ..
لقد أرادت أن تضحك .. وتضحك على سخرية القدر ... أرادت أن ترمي نفسها أرضا فتضحك حتى البكاء وهي تتخيل ردة فعل والدها وهو يعرف بأنها قد تزوجت بالضبط الرجل الذي يريده .. ظانة بأنها تتزوج برجل لا يمكن أبدا أن يرقى إلى مستوى تطلباته ...
لقد أرادت أن تضحك ... ثم تبكي .. ثم تضحك من جديد ... وهي تنظر إلى صورته في الجواز .. صورة وجهه الوسيمة والباسمة بتلك الطريقة التي تحبها ..
انتابها آنذاك السؤال الأهم .... وهل يشكل اسمه فارقا ؟؟؟ لو أنها عرفت بأنه فراس الحولي خلال لقائهما الأول لما قبلت أبدا بأن تراه مجددا ..
ولكن ماذا بعد ان عرفته ... وأحبته ... لو أنه جاء إليها هذا الصباح .. قبل عقد قرانهما ... وأخبرها باسمه الحقيقي .. أكانت لترفض الزواج منه ؟؟؟
الإجابة التي قفزت واضحة وصريحة أمام عينيها هي لا ... كانت لتتزوج به .. لأنه .. فراس الحولي أم لا ... فراس دندار أم لا ... هو الرجل نفسه الذي أحبته ووثقت به .. واتخذت قرارا حاسما بالزواج منه ..
هي أحبته هو ... بغض النظر عن اسمه ... عن هويته .. عن عائلته ... كونه فراس الحولي .. لا ينفي أبدا حقيقة الرجل الذي أحبته إطلاقا ... وكما أخفى عنها اسمه ... أخفت هي اسمها عنه .. وبالتالي هي لا تستطيع أبدا اتهامه بالكذب ... أو الخداع ... في لعبة قام بها كلاهما معا ...
نظرت إلى باب الشقة حيث غادر قبل قليل ... مضطربة ... ضائعة ... وهي تتذكر كلماتها الأخيرة معه ...
( منذ أسابيع .. قبل حتى أن نلتقي ... رتبت والدتي للقائي بابن إحدى صديقاتها .. شخص يعرفه أبي جيدا .. شخص ثري وجدير بمصاهرته )
( طبعا أنا لم أحضر ذلك اللقاء .... أنا ما كنت لأتزوج برجل فارغ مثله .. رجل ثري وقوي وبارد .. شخص يظن بأنه أفضل من غيره فقط لأنه ولد في ظروف أفضل .. أنا ما كنت لأهرب منه إلى شخص مثله .. ما كنت لأتخلص من سجان إلى سجان آخر )
أهذا ما صدمه ... أهذا ما أربكه ... هل عرف بأنها كانت تعنيه عندما تحدثت عن العريس الذي أراد والداها أن تقابله ؟؟ .. ربما هي أغفلت أثناء عقد القران عن سماع اسمه الحقيقي ... إلا أنه سمع اسمها بالتأكيد .. خاصة وقد كان يحمل جواز سفرها طوال الوقت ... لقد قرأ اسمها .. وعرف من تكون .. عرف بأنها ابنة عصام غالي .. لذلك كان واثقا بأن والدها لن يعترض إن عرف بزواجهما ... لذلك كان مصرا على أن يذهبا إليه فيعلنا زواجهما بهذه البساطة ... لأنه عرف بأن والدها كان يرغب به زوجا لها على أي حال ... إلا أنه لم يعرف بأنها لم ترغب بالزواج به هو بالذات ... بأن هويته هو ... كفراس الحولي .. كانت لتمنعها من الزواج به لو أنها عرفت ...
إلا أنها ما كانت لتتراجع لو أنها عرفت ... هي ما كانت لتهتم أبدا بهويته .. لأنها تعرف بالفعل بأنه لا يشبه والدها .. وأنه مختلف تماما عن الشخص الذي ظنته إياه ...
فراس يجب أن يعرف ... يجب أن يعرف بأنها عرفت من يكون .. وأنها لا تهتم ..
يجب أن يعرف بأنها تحبه ... تحبه كرجل .. كشخص .. كإنسان عرفته جيدا خلال الشهرين الماضيين ..
فراس يجب أن يعرف بأن قلقه ... وتوتره .. وخوفه من ردة فعلها غير ضروري على الإطلاق ... نهضت بسرعة لتعيد جواز السفر إلى مكانه ... وتناولت هاتفها كي تتصل به ... لتجفل حين سمعت رنين هاتفه القادم من جيب سترته التي خلعها فور دخولهما الشقة ... تلك الملقاة فوق أحد المقاعد ...
محبطة ... وشاعرة بالعجز ... وبالحاجة الماسة للتحدث إليه .. لتأكيد حبها له .. أسرعت نحو سترته لتخرج هاتفه منه .. وكأنها تستطيع الوصول إليه من مجرد إمساكها به ..
ضمته إلى صدرها وهي تتساءل شاعرة بالبؤس .. متى تراه يأتي .. رباه .. ماذا إن لم يعد ... ماذا إن فقدته إلى الأبد ...
اغرورقت عيناها بالدموع .. في اللحظة التي أصدر هاتفه فيه أزيزا ...
في تلك اللحظة ... وأمان تلقي تلك النظرة العابرة نحو شاشة الهاتف ... تمنت لو أنها لم تفعل ...