الفصل الثلاثون

637 26 1
                                    



الفصل الثلاثون




بينما كانت نوار تعمل على حاسوبها أثناء جلوسها فوق الأريكة في الصالة ... كانت قادرة على سماع الضجيج الناتج عن أي كان آدم يفعله في تلك اللحظة في المطبخ ..
كانا قد تناولا عشائهما في وقت سابق ... عشاء أعدته هي بعناية شديدة .. مرتبة الطاولة الصغيرة بدون أن تغفل حتى عن الشموع الصغيرة معطرة الرائحة .. فخورة للغاية بنفسها .. و في حماس لردة فعل آدم .. انتظرته حتى دخل إلى المطبخ لتصدم عندما انتفض مرة واحدة وهو يتراجع إلى الوراء .. وجهه بشحوب الأموات ... وقبل أن تسأله عن خطبه .. كان يقول بصوت غير مستوي :- أطفئيها ... لا أريد شموعا ..
لم تتردد قبل أن تطفيء الشموع على الفور ... وترفعها عن الطاولة وهي تقول بصوت جاهدت كي يبقى طبيعيا بينما كان قلبها يخفق بقوة :- أنت محق ... إنها تزحم الطاولة ... لم لا نتناول العشاء قبل أن يبرد ..
كالسحر ... طار حماسها مع الهواء والتوتر يغمر هواء المطبخ وهما يجلسان حول الطاولة الصغيرة ... شحوب آدم لم يتبدد ... إضافة إلى تلاحق أنفاسه دليلا على عدم الاتزان ... إلا أنه تمكن من الإمساك بالشوكة وغرزها في طبقه بينما قالت نوار بابتسامة مرتجفة :- أذكر أنك كنت تحب هذا الطبق من يدي ..
أغمض عينيه للحظة ... ثم فتحهما وهو يقول بصوت أجش :- أنا أحب أي شيء تصنعه يداك ..
كلماته .. رغم بساطتها .. اجتذبت الدموع لعينيها .. أخفضت رأسها كي لا يتمكن من رؤيتها .. ثم تناولت شوكتها هي الأخرى .. وبدأت الأكل .. ثم أخذت تتكلم .. عن أي شيء .. عن كل شيء .. تحاول إلهاءه .. عن أي شيء يشغل عقله .. عله يتمكن من أكل ما يزيد عن اللقيمات التي كان يكتفي بها كل يوم ..
دقائق قليلة قبل أن يضع شوكته جانبا بيد مرتجفة ... كما في كل مرة .. وكأن مذاق الطعام كان يتحول مع الوقت إلى شيء آخر .. فينتزع عنه شهيته .. ويدفعه للنهوض قائلا بصوت مختنق :- لقد شبعت ..
ثم يغادر الطبخ تاركا إياها وحدها ...
بعد أن أنهت تنظيف المطبخ .. أدركت أنه قد حبس نفسه في الغرفة التي كان يستخدمها مكتبا ومرسما كما كان يفعل كل يوم ... فتركت حزنها يجرفها وهي تتناول حاسوبها المحمول .. وتجلس فوق الأريكة شاغلة نفسها في العمل .. محاولة ألا تفكر بزوجها المجهول ... أو بخطبة شقيقتها الصغرى التي تخلفت عن حضورها .. أيضا لأجل زوجها المجهول ...
بعد ساعة تقريبا ...سمعته يفتح باب منفاه ... ويخرج منه .. تظاهرت بالانشغال في العمل .. وبأنها لم تره وهو يمر متجها نحو المطبخ ... مذكرة نفسها بإرشادات عصام ... تصرفي بطبيعية معه .. لا تشعريه بأنه معطوب ... وبانك تراقبين تصرفاته
عندما دوى صوت قرقعة أدوات المطبخ من جديد ... يليه صوته هو وهو يطلق شتيمة خافتة .. تنهدت ووضعت الحاسوب فوق منضدة القهوة .. ثم لحقت به إلى المطبخ حيث وجدته يبحث بين الخزائن بغضب .. بينما كانت الماء تغلي داخل دلة القهوة فوق الموقد ... سألته :- هل تحتاج إلى مساعدة ؟؟
قال بعصبية :- أين القهوة ... لا أجد القهوة ...
بدون أي كلمة ... فتحت خزانة جانبية وأخرجت علبة مكتوب عليها قهوة بأحرف انجليزية .. ووضعته أمامه فوق الرخام .. مسح عينيه بباطن كفيه وهو يقول بانزعاج :- ومنذ متى تضعين القهوة هنا ؟؟
:- منذ كنت ولأشهر المقيمة الوحيدة في هذه الشقة .. والحرة تماما في وضع القهوة أينما أشاء ...
لم تشأ أن تتكلم بتلك الطريقة .. حتى وهي تحاول أن تلتزم الهدوء ... خرجت كلماتها وكأنها تتعمد استفزازه من خلالها .. التفت نحوها وهو يقول لها من بين أسنانه:- هل تحاسبينني الآن على رحيلي يا نوار ؟؟؟
تراجعت خطوة وهي تقول بتوتر :- لا ... أنا لا حاسبك .. أنا أصف واقع لا أكثر ..
أرادت أن تغادر المطبخ فاعترض طريقها تاركة إياه وحده فاعترض طريقها على الفور .. سابقا إياها نحو الباب مانعا إياها من الخروج وهو يقول :- والآن أنت تهادنينني ... وكأنني طفل عاجز ..
رفعت رأسها إليه وهي تقول بغضب :- لا تضع كلمات لم أقلها في فمي يا آدم ... أنا لا أعاملك أبدا كطفل صغير ..
:- حقا ... لماذا لم تذهبي إلى حفل خطوبة شقيقتك إذن ؟؟ لا كي تراقبيني بعيني صقر وكأنني عاجز أحتاج إلى عناية ..
قالت بانزعاج :- أنت لست عاجزا .. لماذا قد أرغب بالعناية بك .. في الواقع أنا نادمة تماما على تخلفي عن حضور الحفل .. على الأقل كنت لأقضي وقتا ممتعا هناك بدلا من التشاجر معك بسبب وبدون سبب ..
:- وتنفقين مزيدا من مال زوجك السابق على فستان جديد ؟؟؟ لن يكون هذا جيدا بحق مظهرك أمام الناس .. أن تنفقي من أموال رجل بينما أنت زوجة لرجل آخر ..
هتفت به غاضبة :- أنا لن أستمع إلى هذه السخافات .. ولن أسمح لك بدفعي للتشاجر معك
عندما اقتربت منه لتتجاوزه خارجة من المطبخ .. فقد أعصابه فجأة هاتفا بها ويده تتحرك وحدها نحو كتفها تدفعها معيدة إياها إلى الداخل :- أنا لم أنهي كلامي بعد ..
دفعته كانت أقوى مما خطط له .. مما جعلها تتعثر وهي تتراجع إلى الوراء فتمد يدها نحو الخلف متشبثة بأول شيء تصل إليه .. أطلقت صرخة قوية ويدها تحط فوق الموقد حيث دلة القهوة التي انقلبت لتسقط على الارض فجأة فيتناثر الماء المغلي الذي تبخر معظمه فوق قدميها العاريتين ..
الألم كان حارقا للغاية .. وصادما وهي تقفز مبتعدا لتصطدم بصدر آدم .. الذي أمسك بها على افور وهو يهتف بها لاهثا :- هل أنت بخير ؟؟
الدموع تدفقت فجأة في عينيها .. دموع ألم .. دموع غضب .. دموع نفاذ صبر وإحباط .. تخلصت من قبضته وهي تقول بصوت أجش :- انا بخير ... اتركني وحدي ..
راقبها آدم تغادر المكان تاركة إياه وحده في منتصف المطبخ الصغير ... يشعر بأن الألم الذي كان ينمو داخله ... لا يمكن أبدا أن يزول ..


رسائل من سراب الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن