الفصل الرابع والاربعون

620 28 1
                                    




الفصل الرابع والأربعون

قبلته كانت رقيقة ... ناعمة .. بحيث لم توقظ يها أحاسيس الخوف والاضطراب كالعادة .. بل لفتها بغيمة من أمان وحماية .. جعلتها تضم نفسها إليه أكثر .. باعثة رجفة كانت ملموسة لها عبر جسده ..
حرر شفتيها ليمرر شفتيه فوق وجنتها الناعمة كما تمنى قبل ساعات .. ثم يرسم قبلة رقيقة فوق عنقها وهو يتنفس بعمق رائحتها الشهية ..
عندما لم تتحرك أو تبدي أي مقاومة للمساته ..حتى وجسدها أكثر تشنجا مما يبدو عليه .. وكأنها تتحدى كل مخاوفها .. وكل عقدها لأجله ... تمتم بهدوء :- ربما أنا لا أقولها احتراما لرغبتك يا هزار ... لكن إياك أن تشكي ولو للحظة بأنني أعنيها ..
ارتجفت بين يديه .. دون أن ترفع رأسها المدفون في تجويف عنقه إليه ... فمد يده إلى جيبه يخرج شيئا احتفظ به بما يكفي منتظرا اللحظة المناسبة ... رفع يدها محيطا بنصرها بخاتمه الذهبي .. ببطء .. إنما بثبات . وكأنه يتحداها أن ترفضه .. إلا أنها لم تفعل .. رفعت رأسها تتأمل الخاتم وهو يلمع حول إصبعها بصمت ..
.. فقرب يدها من فمه يقبلها وهو يقول :- في كل مرة تشعرين فيها بوجود هذا الخاتم حول إصبعك ... اعرفي بأنني معك .. حتى لو لم أكن موجودا .. أنا دائما معك يا هزار .. ودائما سأكون معك ...
لم تعلق على كلماته ... بل اكتفت بأن أعادت رأسها من جديد فوق كتفه فكانت فعلتها هذه أعمق وأبلغ إجابة .. لقد كانت هزار تتقبله أخيرا .. وتعترف بحبه لها .. تنفس بعمق مدركا بأنه قد تجاوز العقبة الأكبر ..
إلا أنه أبدا لن يخدع نفسه فيظن بأنها العقبة الأخيرة

يتبع

قال آدم بتوتر :- وليد !
خطا وليد ليقف في منتصف الصالة وهو يقول متأملا المكان من حوله :- آسف لأنني لم أكن من تنتظر .. حتى وانتظارك هذا غير منطقي برأيي ... بما أن زواجكما أنت ونوار قد انتهى بقدر علمي ..
قسى فم آدم وهو يقف ببطء ... بينما نظر وليد إلى محتويات البيت المهشمة .. ثم مط شفتيه قائلا بأسف :- لقد كنت أحب لوحاتك .. ليتك تذكرتني وعرضتها علي قبل أن تهشمها .. كنت خلصتك منها بكل سرور ..
قال آدم بجفاف :- كيف دخلت إلى الشقة ؟؟
نظر إليه وليد أخيرا .. محاولا كبح الذعر الذي اجتاحه وهو يرى الشبح الذي استحال إليه صديقه القديم ... آدم كان يبدو أكثر نحولا ... أكثر شحوبا .. ملابسه مجعدة .. لحيته نامية وكأنه لم يحلقها منذ دهور .. عيناه كانتا عبارة عن كرتين من الدم المحتقن تحيط بهما الهالات السوداء ..
ربما كان ما لاقاه آدم خلال الاسابيع التي قضاها أسيرا بشعا .. ربما كان غير قابل ببساطة لأن ينسى .. إلا أن وليد لن يسمح له أبدا بأن يدمر نفسه أكثر ...
قال ببساطة :- أنا أملك مفتاحا .. أم تراك نسيت بأنك قد منحتني قبل سنوات واحدا لأجل الطواريء ...
وكي يلجأ إليه إن أراد مكانا وصحبة في الليالي الصعبة ... بعد الحادث الذي أودى بحياة عائلته ... كاد وليد يجن لولا مساعدة كل من عصام و آدم ... كان قد قابل آدم من قبل خلال اشتباك مكتبه مع المكتب الهندسي الذي كان يعمل فيه آدم مهندسا ... إلا أنه لم يكن آنذاك صديقا مقربا ... ليس قبل أن يأتي إلى العزاء فيفرض نفسه في حياة وليد ويرغمه على المجيء معه إلى الجمعية للقاء عصام ...
كان قد قال له آنذاك :- الخطوة الأولى هي أن تعثر على هدف تعيش لأجله ... ومع الوقت ... سيتوقف التنفس عن أن يكون مؤلما ويعود طبيعيا من جديد ...
يدين وليد لآدم كثيرا ... وهو لن يتخلى عنه الآن في وقت حاجته إليه .. حتى لو كان رافضا لاي نوع من المساعدة ...
:-لقد أخبرتني مرة بأنني مرحب بي للمجيء إلى هنا كلما احتجت إلى صديق ... هل تذكر يا آدم ؟؟
عندما لم يرد آدم .. تحمل عيناه تلك النظرة المظلمة التي كانت تثير جنون وليد .. منذ عودته .. كان كل ما فيه مظلما .. وكأن شيئا قد مات داخله .. لقد قتلوه هناك ..قتلوا آدم الحقيقي .. تاركين قشرة واهية كهذه ..
إلا أن ما مات يمكن أن يعود من جديد للحياة .. بطريقة ما .. حتى لو لم يعد تماما ... حتى لو عاد شخصا آخر .. أي شيء .. إلا أن يبقى هذا الكيان المشوه ذي النزعة المريضة نحو تدمير الذات ...
تنهد وليد وهو ينظر حوله مجددا وهو يقول :- لقد تعبت كثيرا كي تؤسس هذه الشقة من الصفر يا آدم ... هل تذكر ؟؟؟
:- هذه الشقة لم تعد تعني شيئا .. كل ما فيها لم يعد يعني شيئا .. مجرد أغراض دنيوية لا قيمة لها ..
:- ماذا عن نوار يا آدم ... أهي أيضا شيئ دنيوي لا قيمة له ؟؟؟ أهي أيضا لم تعد تعني لك شيئا ؟؟؟
سأله آدم بخشونة :- هل جاءت إليك ؟؟ هل قابلتها ؟؟
:- لا .... أنا لم أرها منذ جئت لرؤيتك هنا قبل أسابيع برفقة عصام ... منذ عودتك كانت تحصر حياتها بين عملها وحيث تكون أنت موجودا .. أنت كنت أولوية في حياتها ... وهي لم تخف هذا عن أي أحد .. حتى عن عائلتها ...
اشتعلت نار أثلجت فؤاد وليد في عيني آدم وهو يقول :- كانت !!!
:- نعم ... كانت ... بما أنها غير موجودة هنا الآن .... هذا يعني أنها وجدت بقائها هنا بدون معنى بالفعل ... بأنك لا تريدها حقا وإلا ما رحلت .. صحيح ؟
أشاح آدم بوجهه وهو يقول :- وجود نوار في حياتي قد انتهى ...
قطب وليد قائلا :- أتقول بأنك ستطلق نوار ؟؟
توتر جسد آدم وهو يقول :- سأفعل فور أن تطلب مني هذا ..
أومأ وليد برأسه وهو يتمتم متفكرا :- هذا جيد ... هذا جيد ..
عبس آدم وهو ينظر إلى وجه صديقه المقرب بعدم ثقة :- ما هو الجيد ...
قال وليد ببساطة :- الجيد أنك لا تنوي حبسها معك في هذه المعمعة التي تصر على أن تغرق نفسك فيها ..
نظر إلى الشاشة المسطحة المهشمة وهو يقول بأسف :- تلك كانت قطعة جيدة .. حظا جيدا في توفير ثمن جهاز جديد في وقت قريب ....
ثم التفت إليه قائلا وهو يلوح بيده مشيرا للفوضى من حوله :- نوار تستحق ما هو أفضل من هذا ... وأنت تعرف هذا ...
قال آدم من بين أسنانه :- ما كنت لأتركها ترحل لو أنني لا أعرف هذا ... هي ترفض أن تصدقني ... ترفض أن تبتعد إلى الأبد ..
:- آه ... لا تقلق .... سأتحدث إليها في الأمر ... أظنني قادرا على إقناعها بطلب الطلاق في أسرع وقت ممكن ..
رمش آدم بعينيه وهو يقول بتوتر :- لماذا تريد إقناعها بالطلاق ...
هز وليد كتفيه وهو يقول :- أنت تقول بأنك لا تريد نوار ..
قال آدم من بين أسنانه :- أنا أقول بأنها تستحق الأفضل ... لا أنني لا أريدها
:- وهل هناك فرق ... في الحالتين ... أنت تريد طلاقها .. ما الذي يمنع رجلا أفضل من التقدم إليها ... أنت قلت بأنك تريد لها الأفضل ... حسنا .. أنا قطعا أفضل منك حالا ... وأنا متأكد من قدرتي على تقديم ما عجزت أنت عن تقديمه لنوار وقد وعدتها به ............. السعادة ...



رسائل من سراب الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن