الفصل السادس والأربعون
تعرفت إليه هزار فور أن رأت وجهه ... وقد كان هذا غريبا بحد ذاته إذ أنه أبدا لم يعلق في ذاكرتها في المرات القليلة التي رأته فيها .. وكأنه كان دائما يتعمد البقاء بعيدا في الظل .. أبعد من أن يلتقطه عقلها الباطن الحذر عادة .. إلا أنها الآن .. وهي مستعدة .. ومعدة نفسها منذ تلقيها ذلك الاتصال من بيان .. للقاء صديق كريم المجهول .. وجدت نفسها تتذكره .. مرة واحدة استعادت كل لقاء بعيد وباهت به ... بعيدا برفقة كريم وأصدقائه بينما كان الأخير يراقبها من مكانه ...
في حفل عيد ميلاد أسماء ... كان موجودا أيضا .. لقد كان أحد الشابين الذين أحاطا بصديقتها آنذاك مثيرين في قلب هزار الصدمة والاستنكار ....
عندما رأت مجموعة من أصدقاء كريم ( ضحاياه ) بالأدق ... ينهالون ضربا على تلك الفتاة ... أمان غالي .. كان موجودا أيضا ... يضحك بشراسة وهو يحرص على أن يأخذ دوره في ضرب الفتاة الصغيرة ..
هو كان حقا صديقا لكريم ... إلا أنه لم يبد لها كضحية على الإطلاق وعيناه تبرقان بشراسة وهما تتأملانها من رأسها حتى أخمص قدميها بطريقة جعلتها تلهث .. وصخب لا يتوقف يدوى داخل رأسها مهددا إياها بفقدان كل صلابتها مرة واحدة ...
لقد كانت تعرف ... منذ اتصلت بها بيان ... وهي داخل سيارة الأجرة في طريقها إلى هنا ... وهي تدير الموضوع داخل عقلها مرة بعد مرة ..
هزار كانت تعرف بأنها كانت تسير في فخ آخر ... في بؤرة أخرى تجرها إليها بيان .. كما سبق وحاولت معها ليان .. إلا أنها لم تستطع التراجع هذه المرة .. لأن المرة الأخيرة التي تحاشت فيها ليان انتهت فيها ....... رباه ...
يجب أن تتماسك .. أن تمنع نفسها من الانهيار حتى تجد بيان .. حتى تخرجها من هنا آمنة ... رغم كل شيء ... بيان يجب أن تخرج معها من هنا آمنة .. قالت بقدر ما استطاعته من ثبات :- أين بيان ؟؟
هز رأسه متهكما وهو يقول :- مباشرة أنت .... لا تحبين اللف أو الدوران .. لقد هام بك كريم بالذات لأنك صعبة وغريبة الأطوار .. الآن ... أنا أعذره ..
أحست بالقشعريرة تزحف فوق جسدها تحت تأثير نظراته وهي تكرر من بين أسنانها :- أين بيان ؟؟
أشار بيده بشكل مبهم :- هنا ... في مكان ما ...
تراجعت خطوة وهي تقول بجمود :- سأبحث عنها بنفسي في هذه الحالة ..
قبل أن تبتعد ... سمعته يقول :- لن تجديها أبدا بدون مساعدتي ...
أحست بقلبها يتوقف تماما عن الخفقان وهي تنظر إليه بذعر .... ما الذي يعنيه .. هل يحتجز بيان ؟؟ هل هو من أرغمها على ااتصال بها ؟؟؟ لماذا ؟؟ ما الذي يريده منها ؟؟
لقد كان الأمر وكأن ابتزاز كريم لها يتجدد مرة أخرى .. وكأن صوته وهو يهددها بليلى يحوم حولها مرة أخرى ..
بذلت جهدا خرافيا كي لا تظهر له مدى خوفها ... ضمت قبضتيها بقوة خشية أن يلحظ ارتعاشهما وهي تقول :- أين هي ؟؟
أشار برأسه وابتسامة لم تخدعها ترتسم على وجهه :- الحقي بي ..
صور متلاحقة .. أصوات مألوفة .. أصوات بشعة .. كانت تبدأ بغزوها من اللا مكان بينما هي تجاهد لالتقاط أنفاسها وهي تراقبه يتحرك أمامها .. ليس الآن يا هزار ... ليس الآن ... يجب أن تجدي بيان ...
سارت ورائه دون أن يعيرها أي من الموجودين انتباها .. رباه .. أهم مدمنون أيضا كما كان رواد حفلة أسماء العام الماضي .. إن كان كريم قد رحل ... فهل هناك شخص آخر يحمل الراية من بعده في الإيقاع بفتيان الجامعة تحت رحمة المخدرات ؟؟
( هل ظننتني أعمل وحدي يا حبيبتي ؟؟ كيف ظننتني حملتك وصديقتك معا إلى داخل سيارتي قبل أن يلاحظ أحدهم الحادث ؟؟؟ )
جمدت ساقاها مكانهما وهي تحدق في ظهر الشاب ذاهلة .. مصدومة .. مذعورة حتى الصميم .. أيكون هذا هو صديق كريم الذي ساعده في فعل كل جرائمه البشعة ؟؟