أبدو هادئة ، ولكني لستُ كذلك بالحقيقه ، أنا أفرط بالقلق ومُرهقة جداً ، وفي رأسي تُدور ألف فِكرة وألفُ سؤال من بينها لماذا أنا هكذا؟ هنا شخص غير مؤذي تعرضَ لكثيرٍ من الأذى ..مَرت مُدة طويلة وأنا لم أكتُب ولم أفرغ حِسي المَصحوب بالحُزن في مُلاحظاتي! مُنذ مُدة وأنا لم أستطِع لتعبير بشدة عن ما يجولُ في داخلي من أفكار وهواجس غير محسوسة ، مُنذ مُدة وأنا أتطلع بأن يعودَ إليّ هذا الشغف لأعود إلى الكتابة التعبير عن ما يدورُ في عقلي مِن جديد ، مررتُ بأيامٍ طوالٍ ومعُظمها كانت عصيبة بسبب فُقداني إلى الشغف في إكمال مَسيرتي الفنية!.
لقد تطلعت إلى مستقبل باهر وأمانٍ عديدة وكثيرة وددتُ أن أحارب من أجل الحصول عليها ولكن فُقداني للشغف أصبح مُصاحباً لي دائمًا ، ولكن من المُمكن أن يكون تعبيريّ هذا شيئًا كفيلًا في إعادة شغفي إلي بالرغمِ من جميعِ الحواجز الموجودةِ حولي ، أنا الآن أرى أنني أصبحتُ باهِتة و مُظلمة مِثلَ عُتمة الليل هذا ما سببهُ فُقدانُ الشغف! نعم هُو ليسَ بالشيء البسيط الذي يُستهان بِه إنه كَوحشٍ شرِس! شعرتُ إلى هذهِ اللحظة أنهُ بالرغِم من أنني مُنطفئة إلا أنه هنالك دائمًا بصيصٌ مُشرق من الأمل ، سأحاول أن أعود مُشرقة مليئة بألوان طبيعية كما كُنت في السابِق .
انها واحدة مِن أقسى نوبات الحُزن، أن تكون صامتًا تمامًا. لا أقصد أن تنعزل عن الناس، أو تتجنب الحَديث مع أحدهِم، هُناك صَمت ٱخر، ذلك الصمت الذي يجعلك تتحدث مع الجميع عن تفاصيلِ حياتهم العادية، تسمع أوجاعهم ومتاعبهم في الحياة، تُـقدم لهم النصائح وتُرشدهم إلى الطريق الذي تراه صحيحًا ، تُهون مأساتهم ، وتُخفف عنهم أثقالهم ، لكنك صامت أمام نفسك ، لا تقدر على الحديثِ معها، تخشى مواجهتها تخاف الهدوء الذي يسمح لك بالاختلاءِ بها، والتفكير في أمر حياتك التي تنهار تدريجيًا.
كل الأوجاع التي بداخلك تزداد، ورغبتُك في الحياة تنعدم رويدًا رويدًا ، والشغف اختفى تمامًا من حياتك، لكنك تواصل مهامك اليومية لأنَك تعرف أن الحياة لا تنتظرُك ولا تتوقف لأجلِك ، تنجبر على الصمت لإيمانكَ أن ما بداخلِك لن يستوعبه، لن يُقدره ، لن يفهمُه أحد ، لا جدوى من الكلام ، لا جدوى من النِقاش ، لا جدوى من البُكاء. وإيمانك أنك لن تَسمع سوى صـدى صُراخك وأنِين الحُزن في صدرك. إنها واحدة من أقسى نوبات الحُزن، أن تكون في خِصام طويل مع نفسك، وكأنك غريب عنها ، غريب جدًا عن نفسك .
يُدهشني تحملي، دائما توجد مرة أخرى، أنا الذي ظننتُ كُل مَرة أنها آخر مرة وما زلتُ أمضي، أنا الذي اعتقدتُ أن خطواتي لا تكفي لهذا الطريق المتعب ..
أنا طِيلة حياتي لم أعرف شخصًا أستطيع إخباره بكُل شي، أي شيء أشعر به لم أخبر أحدًا قطْ ، كل التفاصيل التي كُنت أعيشها كنت أخبئها في داخلي فقط ، كُل ألوان العالم باهتة في نظري ، متكومة على نفسها وكأنها تود لو أن تختفي ولا يبقى لها أي أثر في روحي.
لدي حنجرة ، مليئة بصرخات لم أُطلقها، ونوبات بُكاءٍ أكتمها، وبقايا كلماتٍ جارحة عالقة. لدي أقدام ، تنتعل طرقات لا تنتمي إليها ، لدي شعر يتساقط كأوراق الخريف ، لدي ساقان أنا لستُ عداءة لكنهما تصلان إلى النهايات الخاطئة ، لدي عينانِ غارقتان لم يُنقذني منها إلا النظر إليك ..
على كتفي أعبـاءٌ ثقيلة لحيوات صغيرة ، على صدري حلمٌ خديج، يموت دافئًا . على رأسي مِصباح مَكسور يُسرب الظلام ، والحقل الذي كُنا نرسمه معًا يُزهر الآن ألغامًا ، والحلم الذي خبأناه أسفل الوسادة يحرس موتنا ، وما بكيناه بالأمس صار طِفلاً يوقظنا في المساء ، نُطعمه ولا يَشبع .. وخُطانا وحيدة دومًا نتجه نحونا وننسى ظلالنا ، نحنُ لا نُضيء يا عزيزي ، هذا الظلام فينا مُتأصل مهما سرقنا من ضحكات المارة ، وعبرنا الطريق وأعيننا نحو السماء، نظل زورقًا من ورق يطفو على بحرٍ من الأحزان لبعض الوقت نُصفق له بحرارة ونحنُ متيقنون من غرقه ، لا تلمسني يا عزيزي فهذا الجرح لا يلتئم ففي حنجرتي كانت صخرة باردة دفأتُك بها، وفي أذنيك تختبئ أحزاني ..
أعلم جيدًا كيف تتحول أعمق أحزاننا إلى نِكات ، وكيف تتكاثر الوحدة كالطفيليات ، كيف يخمد الغضب فجأة ، وكيف يستيقظ كطفل جائع ، يصرخ بأعلى صوته ، أعرف كيف شكل الأظافر التي نما تحتها حُزنٌ خفيّ كيفما طليتها ، ومهما قضمتها ، يتسلل تحتها كُل ندمك ، وحين تتمدد أصابعك إلى جسدك أحضانًا لم تحصل عليها تعرف كيف يبدو كُل شيء باردًا .
أعرف كيف تبحث عن بقعة ضوء أنت تدور كطفلة صغيرة بفستان أبيض، تظُنأنك قد شَارفت على الطيران وتنسى ساقين المتشابكتين من فرط الوحدة . عارية هي يدك حين لا تهتدي إلى خطوط يديّ، تنسى دومًا أن الأبواب التي صفعتها غاضبًا لا يُمكنك أن تقرعها ، فالخشب يغرق دون أن تظهر عليه أية زرقة ، الضحكة مهما تكتمها نفجر ، كلغمٍ صغير ، أنت الذي حَولت أحزانك إلى نِكات، زَرعت حولك ألغامًا وتَنسى أنكَ طِفل صغير فقد يديهِ وكُل مابهِما من حيلة.
هل أحسست يومًا بأن قُدرتك على المقاومة أوشكَت أن تنفذ؟ ولم يعُد بِوسعك الصمود أكثر؟ وليس هنالك جدوى مما تفعله ؟ فرغم محاولاتك لا تتغير النتائج وتظل ثابتة ويدور الكوكب وتتحرك الحياة من حَولك ، إلا ضعك يبقى ثابتًا ون حِراك، نظُر إلى المرآة فإذا بها تُظهِرك بلا مَلامح تزيد فَزعك وعَجزك، تُشير الأدلة والبراهين لوجوب أن تتوقف وتشعرك بالإحباط ، وتصرُخ في وجهك كالأبله و تترُك التأمل في الحصول على نتائج مغايرة، فكل ما تلمسه يتحول لسراب ، تنظر للسماء فتجد فوق رأسك غيمة سوداء مُبلدة بالغضب، وأنت عاجز عن التصرف مُكبل القوى ومعدوم الإرادة ، أبسط التفاصيل تُوحي أن دورك أنتهى وعليك أن تستمر في هِدوئك وتنتظر مَصيرك وما سيحل بِك ، حتى إن ساورك القليل من الأمل سُرعان ما تأتي رياح اليأس لتنتزع منك تلك المشاعر، وكأن الكون برمته إتحد ليتصدى مساعيك ، تَنفُذ كل الحيل بين يديك ولاتملك حيلة سوى البُكاء هو آخر ما تبقى لك والأمر الوحيد الذي لا يقدر أحد على حِرمانك مِنه .