نداء الروح(1)

473 7 16
                                    


استقرت الشمس في وسط السماء باعثة أشعتها الحارقة على الأرض معلنة أن هذا اليوم يوم البحر. البحر قريب جدّا من الحيّ الذي نسكن فيه ونستطيع الذهاب إليه مشيا على الأقدام ،حيث لا يفصل بيننا وبينه سوى غابة كثيفة الأشجار. خرجت مع أختي ميّ وصديقتينا نور وفاطمة لنترقب عن كثب ما لون العلم المرفوع عند البحر. تردد في مسمعي صوت رجل الحماية المدنية في القناة الأرضية هو يقول: العلم الأخضر يعني أن السباحة مسموحة، العلم الأحمر السباحة ممنوعة، العلم البرتقالي السباحة خطيرة. يقوم رجال الحماية المدنية كل صباح بتغير العلم تبعا لحالة الأمواج وشدة الرياح.

عمري تسع سنوات وأختي ميّ تكبرني بثلاث سنوات وعلى الرغم من أنها لا تشبهني كثيرا إلا أن البعض يحسبنا توأما. ربما لأنني أرى الإختلاف بيننا أكثر مما يفعل الآخرون أو لأن والدينا يحبّان أن يلبسانا ملابس متشابهة تختلف في اللون فقط.

توجهنا إلى أقرب مكان نستطيع أن نرى العلم منه وكل واحدة فينا تردد يارب يكون العلم أخضرا، يارب يكون العلم أخضرا ! نور أكبر من ميّ بسنة وهي الطفلة الأطول بييننا وضعت يدها على جبهتها لتحجب شعاع الشمس عن عينيها فترى بوضوح ،لمحت العلم ييرفرف بين أشجار الصنوبر ينافسها في الشموخ، فنادت بصوت عالٍ:

-إنه أخضر، أخضر ! (تشدد عل حرف الخاء بسعادة)

- مرحى، مرحى ! (رددنا جميعا)

تعالت الضحكات في السماء واحتفلت كل واحدة منا بطريقتها، أما أنا صرت اقفز دون توقف من الفرح ! على الرغم من أن الناس يذهبون للبحر حتى وإن لم يكن العلم أخضرا، لكن لأننا صغار والدينا لا يسمحون لنا بالذهاب إلا عندما يكون أخضرا حيث يكون البحر ساكن وأمواجه هادئة .

-"أراكنّ سعيدات اليوم !" والد فاطمة اقترب منها وقبّل جبينها. فاطمة هي وحيدة أبويها لا تكبرني إلا بأشهر معدودة وندرس معا في صف واحد. ألحت فاطمة على والدها أن يأخذنا معا إلى البحر فلم يستطع إلاّ أن يوافق على طلب صغيرته المدللة فأسرعنا إلى المنزل لنستأذن أمي.

-"هذا محال والدكما ليس هنا ولا أستطيع أن أسمح لكما بالذهاب دون علمه" قالت أمي بقلق.

-"لكن أمي لا تخافي علينا العلم أخضر لن يحدث لنا شيء ثم إن والد فاطمة معنا، أرجوكِ أمي". ميّ بنبرة توسل.

-" حسنا هذه المرّة وفقط" أمي بصوت حازم. أمي تخاف علينا كثيرا فهي تحمل المسؤولية جميعا في غياب والدنا وتشفق علينا لأننا لا نخرج للنزهة إلا قليلا حين يكون هو معنا.

لبسنا ملابس السباحة تحت الملابس العادية وأحضرنا بعض الألعاب وأعدّت لنا أمي بعض الوجبات الخفيفة تولت ميّ حملها. وأنا مسرعة نحو الباب سمعت صوتا قادما من غرفة المعيشة :

عَلَى استِحيَاءْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن