لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين🌼🌼
|||||||||||||||||||||||||||||||||خاصم النوم جفونها ليتركها مسهدة معذبة بأفكارها المتصارعة ,بالرغم من سنوات عمرها التى قاربت الثمانين عاما والتى شهدت خلالها الكثير من المآسى والمصائب التى اعتقدت حينها أنه لا فرار منها ,واليوم تتحقق أسوأ مخاوفها .. أن تتمزق أسرتها الى أشلاء متناثرة , أن يعم الشقاق أرجاء منزلها , أن يسود الجفاء بين أبنائها ,لقد سعت طوال سنوات زواجها الستين أن تبقى بيديها زمام الترابط الأسرى حتى لا تفلت الأمور من معقلها ,فقد رأت بعينيها ما طال أسرة زوجها من قبل بعد وفاة حماتها , قبل أن تصير هى كنتها بالطبع فهذا حدث قبل مولدها -وقد قصت أمها عليها الحكاية بالتفصيل فيما بعد ,وتشتت السبل بزوجها بعد زواج أبيه من امرأة أخرى ,لهذا فهى تلتمس العذر أحيانا لتصرفات زوجها القاسية ,كان يفتقد الى الحنان فى حياته وهو صبى صغير أكبر اخوته ويقع عليه عاتق مسؤوليتهم بعد وفاة أبيه بذبحة صدرية وهو بالكاد تجاوز الخامسة والأربعين من عمره ,صارحها ذات يوم وهما فى لحظة صفاء نادرة الوجود بشكوكه حول موت أبيه ,لقد شهد بعينيه التصرفات الغير أخلاقية لزوجة أبيه , تلك المرأة الفاتنة الجمال والصغيرة فى السن ,المطلقة اللعوب ,التى سلبت عقل أبيه , الرجل الرزين العاقل الذى رسم بمجهوده وكفاحه أبهى صورة لرجل الأعمال العصامىّ , فأعميت عيناه عن رؤية عيوبها وصمت أذناه عن سماع صوت الحق ,وغفل تفكيره السليم عن معرفة نقائصها ,فسقط فى شبكتها العنكبوتية وقد أحكمت خيوطها حوله .
وها قد بذلت فى سبيل هذا الترابط العائلى كل ما تملك ,حتى فقدت معانى حياتها وتناست طموحاتها وأسكتت صوت قلبها النابض بحب رجل آخر ,رجل باتت صورته تتمثل أمامها الآن واضحة جلية ,فهو يشبه زوجها كثيرا , بل وتربطه علاقة وثيقة به , عبد الله , الأخ الأوسط لزوجها من زوجته الثانية ,وما بيدها حيلة , فقد نسج الحب خيوطه الحريرية بين قلبيهما قبل زواجها من عبد العظيم بسنوات ,كانت بعمر المراهقة وكان هو شابا يافعا ,كل ما يشغل بالهما هو الاستسلام لعواطف طاغية تحكم سيطرتها عليهما ,فتعاهدا على الحب والاخلاص الى الأبد ,لم يهمها هوية أمه ولا تعنيها تصرفاتها الغير محمودة بشهادة الجميع ,كان حبهما كنبتة صغيرة تنمو وتكبر يوما بعد يوم فى ظل ظروف قاسية واحتمل هذا الحب صراعات عنيفة حتى قرر زوجها وأد هذا الحب فى مهده بطرده لأخيه الأوسط مع الابقاء على أخيه الأصغر عبد الرحمن برعايته ,وبعد فترة قصيرة تقدم لها خاطبا ولم يكن يعيبه شئ فكان مثال الرجل المحترم الدؤوب فى عمله والذى نجح فى الحفاظ على ميراث أبيه بل وساهم فى اتساع أعماله الى حد بعيد ,ولم تدرِ لمَ حتى هذه الساعة تشعر بأنها وأبنائها ينعمون بخير ليس خالصا لهم ,فلعبد الله نصيبا فى ثروتهم مما حرمه منه أخوه الكبير , كما لهناء وناجى جزءا آخر ,وهى تنوى اقناع محمد بأن يعطى لكل ذى حق حقه بهدوء وبحساب الفوائد التى تراكمت على مر السنين ,وها هما كريم وأميرة الوريثين الشرعيين لناجى فعليهما أن يقررا كيفية التصرف به , أما عن هناء فهى تدرك جيدا أنها سوف تحتفظ بنصيبها كما هو حتى يرثها ولدها بعد وفاتها ,ولكن ... ماذا عن عبد الله ؟ وارثه المؤجل ؟ كيف تستطيع الوصول اليه الآن ؟ وهل هو حى يرزق أم لقى ربه ؟ ولم تتمالك نفسها من البكاء الحارق على قلب وحيد تاه وسط زحام الحياة ,وأعادت المشهد الذى عايشته منذ قليل حين اعترف المحامى مجدى بدور ابنها عادل فى حرمان أخته من صغيرتها بأمر من أبيه ,وكيف كانت نظرة فريال المعذبة الى أخيها ,لقد تحطمت صورته المثالية بعينيها ,هى وحدها تعرف سر ابنها ,لماذا يتوارى مبتعدا عن أية مواجهة , وكيف يبدو ضعيفا متخاذلا غير قادر على اتخاذ قرار ,لم يكن هكذا أبدا حتى تزوج من منى ,تلك السكرتيرة التى كانت تعمل لديهم ,وقد جمع بينهما العشق كما اعترف لها برغبته فى الزواج منها ,وبالرغم من ممانعة أبيه على الموافقة على هذه الزيجة فقد قرر عادل أن يملى ارادته على الجميع وفاجأهم بزواجه منها بدون علمهم ,والخبر الأشد قسوة وايلاما أنها كانت حاملا بطفله سيف ,وكأنه يضعهم أمام أمر واقع ,فبدا الوالد مستسلما لما صار ,ورحب بمقدمهما للسكن فى المنزل وقد خصص لهما جناحا كبيرا وهو يبدى ودا ظاهريا ,الا أنه قد خطط للنيل من هذه السعادة التى لم تدم الا قليل ,فقد أبعده عن العمل بالشركة بهدوء ,بدأ يسحب من تحت يديه كافة الصلاحيات ببطء واصرار على تحطيم ثقته بنفسه ,معتمدا على ابنه البكرىّ واضعا تحت تصرفه كافة الأمور ,وبعدها بوقت قليل غادر حمدى المنزل بعد شجاره العنيف معه ,وتوالت الأزمات ,معرفتهم بهروب فريال من المنزل ,وزواجها من ناجى ,وحملها المؤكد ,ولم ينعموا براحة البال بعدها أبدا.
*************
بعد أن انقضت السهرة فى جزئها الأخير بهدوء وليونة ,اعترفت هديل لنفسها بأنها قد استمتعت الى أقصى حد بوجود محدث لبق مثل كريم فقد تكشفت لها أوجه جديدة لشخصيته كانت غافلة تماما عنها لأنه كان يظهر فقط شغفا لا يوصف بالعمل وتفانيا واخلاصا لا يقدران بثمن ,حتى وان كان من المالكين للشركة الا أنه كان على النقيض من ابن عمه سيف ,الذى لا تشعر بارتياح بالغ ناحيته ,وقد استشعرت خطرا محدقا بصديقتها بسبب نظراته اليها ,عليها أن تحذرها منه ولكن بعد انقضاء هذه الليلة.
أظهرت مها سلوكا ناعما فيما يختص بتعليقات سيف الفظة التى لم يكف عن توجيهها اليها ,وبدت أنها تتقبل تصرفاته بصدر رحب ,فقد اعتمدت خطوتها التالية فى خطتها البديلة ,سوف تتظاهر بالموافقة على كل آرائه وتظهر استسلاما تاما له ,سوف تتركه يقودها الى حيث يشاء ,وحين يطمئن اليها ويعتقد بأنه قد أصبح المسيطر على الوضع ,سوف تفاجئه بأنه قد أصبح فى ملعبها ولن تبالغ حينها بأنه سيكون طوع بنانها.
وقالت تحدث نفسها : صبرك عليا يا سيف ، انت اللي جيت ليا برجليك ، ومش هتفلت مني ابدا.
تمثيلها لدور البراءة باتقان لم يمر على سيف المتمرس والذى أدرك بأنها تناور بمهارة ,فلم يتمالك نفسه من الاعجاب بها ,حتى ولو كانت فى نعومتها تشبه الأفعى ,التى تتحين الفرصة للانقضاض على فريستها ,وقرر لحظتها أنه سوف يدفعها نحو السعى فى مخططها حتى تشعر بانتصارها الوهمى ,وفى ذات اللحظة سيكون قد أحكم القيد حولها فلن تفلت منه الا بعد أن يقرر هو مصيرها.
قام كريم بايصال هديل الى منزلها وقد سبق له الذهاب الى هناك مرة واحدة حينما توجه لاصطحاب والدته فى يوم الحادث المشهود ,وحين أوقف سيارته قامت هديل بشكره وهى تتعثر فى كلماتها الخجول الا أنه استوقفها بيده ,فتأثرت للمسته الحانية التى بثت قدرا هائلا من المشاعر الغامضة فى قلبها ,فابتسم لها بجاذبيته المعهودة ,فتاهت بين أروقة عينيه وشعرت كالغريق الذى ينتظر قشة يتعلق بها وسألها بجدية تتناقض مع نظرته الآسرة:
-قوليلي ياهديل ، هو باباكي بيشتغل اي ؟
هديل باستغراب : ها ؟ قصدك اي؟
كريم: ولا حاجة , بس مجرد استفسار انا معرفش بيشتغل اي !
اعتدلت ساحبة يدها بعيدا عن تأثير لمسته الحارقة وأجابت ببساطة وتلقائية:
-بابا مستشار قانوني لشركة كبيرة.
بدا عليه التفكير العميق وهو يحاول أن يتذكر اسم والدها كاملا الا أن ذاكرته لم تسعفه فواصل استجوابها بنعومة أكثر هذه المرة:
-لحظة ، هو انتي اسمك بالكامل اي ؟
شعرت بالاندهاش لفضوله المفاجئ , فلم تعهده مهتما بشؤونها الخاصة الا أنها لم تملك الا أن تجيبه:
-هديل صلاح أحمد السنهورى ,، الاسم الرباعى كفاية ، ولا اقولك اسم جدى السادس ؟
رفع حاجبيه تعجبا من لهجتها الساخرة ,فهى أبعد ما تكون عن مثل هذا التصرف ,ثم ما لبث أن ردد الاسم متجاهلا سخريتها عن عمد :
-صلاح .. أحمد السنهورى .
ثم خبط بيده على رأسه كمن تذكر شيئا مفاجئا وهو يهتف غير مصدق:
-صلاح السنهورى , ازاي نسيته ؟ مش باباكي كان دكتور في جامعة عين شمس ؟
هديل بتعجب : ايوة، بس هو قدم استقالته من .. فترة.
ازدادت دهشته وهو يقول بصوت ينبعث منه شعور جارف بالبهجة والمرح:
-يا ربي ! ازاي نسيته ، دا درس لى مادة القانون التجارى في سنة من سنين الكلية , بس دا شكله اتغير تماما عن اللي انا فاكره.
بدا أنه قد مس وترا حساسا بحديثه التلقائى فى نفسها فأشاحت بوجهها بعيدا وهى تحاول اخفاء انفعالها ,لم يخفَ عليه تصرفها الغير مبرر فلامس وجنتها بأنامله الحانية وهو يجبرها على الالتفات اليه وانعقد حاجبيه غضبا حين لمح العبرات المتواترة بعينيها الجميلتين ,ظنا منه أنه قد تضايقت من أسئلته فاستفسر منها بعنف:
-مالك يا هديل ؟ انتي اتضايقتي مني عشان عاوز اعرف اكتر عن حياتك؟
هزت رأسها نفيا وهى تجيبه بصوت متقطع من البكاء الذى ازداد نشيجه :
-بابا حصله حادثة من ثلاث سنين , بسببها اتأثر مركز حيوى من مراكز المخ ,كان خاص بالنطق والكلام والذاكرة ... واحتاج وقتا طويل عشان يخف خالص ,فترة العلاج استمرت شهور ومكنش ينفع يستمر في التدريس فى الجامعة ، بس نحمد ربنا ونشكر فضله .
كريم : هيا الحادثة دي حصلت وقت ما جيتي اشتغلتي عندنا في الشركة ؟
أومأت برأسها ايجابا وهى تتحسر على ما فات ,فقد أثر مرض أبيها على حياتهم المستقرة وأتى على معظم مدخراته ليكمل علاجه بأفضل المستشفيات والبقية ذهبت ثمنا للأدوية الباهظة التى كان عليه أن يتكبد شراءها شهريا ,ولم يبقَ أمامها حلا سوى أن تلجأ للعمل باحدى الشركات الكبرى حتى ولو كان بوظيفة سكرتيرة متخلية عن شهادتها العالية فى مجال السياسة والاقتصاد ,كل ما شغلها هو الراتب المرتفع الذى سوف تتقاضاه كل شهر حتى تستطيع تحمل مصروفاتهم المتعددة الأوجه.
تذكر أنه فى حينها قد سألها مرة واحدة عن مؤهلاتها وقد أثار انتباهه اختلاف تخصصها عن سائر السكرتيرات ولكنه لم يهتم وقتها لأنه كان يراها مجرد موظفة عادية ,وها هو الآن أصبح شغوفا بمعرفة كافة تفاصيل حياتها هى ووالدها ... الذى لن يهدأ حتى يعرف طبيعة علاقته بأمه.
*********************
لم يكن هناك مفر من أن يقلها هو بسيارته بعد أن انصرف كريم وهديل معا ,عليه أن يلتمس جانب الحذر فى معاملته معها ,فتح لها باب السيارة بحركة أنيقة لم تعتدها منه فى معاملتها ,وحين استقرت مها بمقعدها ,أخذت تتأمل السيارة من الداخل بتمعن وهى لا تملك نفسها من الغيظ والحسد لأنه يقود سيارة يتعدى ثمنها مئات الآلافات من الجنيهات فى حين أنها كانت تحتاج الى نصف هذا المبلغ لتنقذ حياة أمها أو حتى تخفف عنها وطأة آلامها القاتلة ,وبسرعة بالغة أخفت نظراتها عن عينيه الثاقبتين كعينى صقر ,وهو يدير المحرك بثقة منطلقا بأقصى سرعة فى الشوارع الشبه خالية بعد أن سألها أين تقطن ,فأعطته عنوانها بعد لحظات تردد ,ولم تجد بدا من ايفائه بهذه المعلومة ,شردت بذهنها ولم يحاول اخراجها من حالتها حتى وجدت نفسها أمام منزلها المتواضع بالحى المتوسط الذى يشهد على عراقته الكثير.
همت بأن تترجل من السيارة بعد أن شكرته ببرود وقد استشعرت حرجا بالغا لأنه رأى بعينيه أين تسكن ,فاجأتها كلماته المنمقة بعناية:
مش هتعزميني علي فنجان قهوة في بيتك ؟
مها : معتقدش انه ينفع ، لأن الوقت متأخر وأنا عايشة لوحدي .
سيف : لوحدك ؟
مها : أيوة والدي ووالدتي متوفيين.
سيف : معندكيش قرايب ؟
فكرت مها لماذا يهتم بها , وما شأنه هو اذا توفى والديها أو كانت بلا أقارب
-" لا " .
كلمة باردة مقتصبة أطلقتها بخشونة متناسية لدورها الذى تلعبه ,ثم أكملت بلهجة أقل تعاليا:
- زي مانت شايف المكان هنا هادئ ,ولو حد شافك طالع شقتى فى الوقت دا هيفهم غلط ،ومش هسلم من لسان الناس.
ابتسم لها مجاملا وهو يهز رأسه مؤمنا على صحة كلامها:
-عندك حق ، خلي بالك من نفسك يا مها,تصبحي على خير.
مها : تصبح على خير , سلام.
سيف : سلام مؤقت ، اشوفك بكرة .
وابتعد بسيارته بذات السرعة الجنونية فأفزعها صوت صرير الاطارات وهى تشعر بقلق بالغ عليه ,فماذا يمكن أن يحدث له اذا وقعت حادثة من جراء تهوره فى القيادة , ونهرت نفسها عما آل اليه تفكيرها الجامح : أنا مالي ما يتعور و لا حتي يموت , وأخذت تصعد الدرج المتآكل نحو البيت القديم المتهالك وهى تشعر فى قرارة نفسها بأنها كاذبة .. لأنها باتت تهتم لأمر هذا الشخص ... أكثر مما تصورت.
********************
استفاقت أميرة من نومها على همسات رقيقة تتناغم بجوار أذنيها ولمسات ناعمة تداعب خصلات شعرها وتغازل بشرة وجهها بجرأة , كانت الأصابع القوية تعرف طريقها جيدا وكأنه حقها الأصيل فى ذلك ,انسجمت باستمتاع حقيقى بصوت رخيم مسيطر يقص أجمل قصة غرام على مسامعها وهى بعد بمرحلة النعاس الذى يداعب جفنيها مغريا بعودتها الى عالم الأحلام الجميلة ,فتأوهت ببطء وهى تبتسم مستسلمة لذراعين تحيطان بها بحركة تملكية ظاهرة وتمتمت باسم فارسها بصوت حالم رقيق:
-حازم .
حازم : أنا جنبك وهفضل جنبك علطول ياروحي.
غالبت سطوة النوم وقد تنبهت حواسها دفعة واحدة بعد أن تعرفت على الصوت الذى طالما تمنت سماعه وفتحت عينيها مرفرفة برموشها الكثيفة فوجدت نفسها أسيرة حضنه وهو يرمقها بنظرات عشق وهيام طال كتمانهما الى أن فاض به الشوق فلم يطق صبرا حتى يتم شفاؤها وهو الذى أقسم ألا يمسها حتى تعود الى سابق عهدها ,فتتذكر طيف حبيبها الأول والأخير.
حاولت أن تعتدل فى فراشها لتلف ذراعيها بخجل ملح حول عنقه فتتلمس بأناملها الرقيقة منبت شعره الغزير وتنسل مستكشفة قوة تأثيرها عليه ,فقبضت يداه على خصرها وهو يدفن وجهه بين خصلات شعرها البنية يقبّلها قبلات متفرقة متسارعة وأنفاسهما تتسارع لاهثة من أثر اللهفة المكبوتة ,وحينها قرر أن يجاهد مشاعره العنيفة فابتعد منتشيا حتى لا يؤذيها وهى بعد فى طور النقاهة فصدرت عنها أنّة اعتراض وهى تستشعر برودة فى أطرافها بعد أن كان يغمرها بدفء عواطفه المتدفقة كشلال منهمر يهدر بقوة من ارتفاع مئات الأمتار ,فهدهدها كطفل ما زال بعد بمهده وهو يطمئنها الى قربه منها حتى ولو كان هذا على حساب نفسه ,فاضطرب صوته مهتزا وهو يمسد أطراف أصابعها حتى شاعت فيهم حرارة منبثقة من جحيم مشاعره :
-هانت يا حبى ,لما تخفي ان شاء الله ، مفيش حاجة هتبعدني عنك غير الموت ، ودا وعد مني ياروحي.
ترقرقت دموع فرح فى عينيها اللوزيتين وهى تلقى برأسها على صدره رافضة الافتراق عن ضلوعه التى خرجت منها روحها فى بداية الوجود وأجابته بنفاد صبر وجسدها يرتعش من الانفعال:
-ليه مننساش اللي حصل وكأن مفيش حاجة حصلت ،أنا كويسة والله .
اتسعت ابتسامته وهو يرى محاولاتها الجهيدة لتثنيه عن قراره ,والله وحده يعلم كم يود الاستسلام لاغراء عينيها ويدفن نفسه بين ثناياها ليصبحا كيانا واحدا ,الا أنه أصر على الحفاظ على قسمه حتى لا يخسر احترام الذات أمام ضميره الحى ، فما أسهل ألا نقاوم رغبات النفس وننساق وراء متعة لحظية ,ولكن ماذا بعد ؟ عليه أن ينهى كافة التزاماته تجاه العائلة ويعيد لم الشمل مرة أخرى ،وبعدها فقط لن يقف بينهما أى حائل ,وسوف ينهل من نبع عشقها الذى تملّكه ويعيشا بسعادة أبدية .
حازم : لازم نصبر شوية ، انتي مش بتثقي فيا يا حبيبة قلبي ؟
اميرة : طبعا بقي فيك ، دا انا روحي رجعتلي تاني لما رجعتلي ياحبيبي ، انا مقدرش اعيش من غيرك.
حازم : ياسلام مانتي كنتى فاقدة للذاكرة فترة طويلة ، ونسيتينى خالص حتي خيالي مخطرش ببالك.
كانت فى كلماته نبرة لوم وعتاب خارجة عن ارادته فهو يعلم أنها كانت بحالة مرضية ولم يكن بيديها الشفاء.
قالت له بهمس فى اعتذار برهن على صدق مشاعرها نحوه:
- يمكن عشان حبيتك جامد اوي ومش مصدقة اننا اتجوزنا ، وكان الواقع أكبر من قدرتى على الاستيعاب ، عشان كدا قرر عقلى يدفن ذكراك فى ركن بعيد عشان متتشوهش صورتك المثالية وأنا لسه فى عالم الغربة اللى عيشتها سنين.
حازم : انتي عارفة انا اتألمت ازاي وانا مضطر أبعد عنك في حين غيرى عادي ينعم بصحبتك و... بمشاعرك .
لم يجرؤ على مجرد التخيل بأنها أحبت زميلها ,وقصر الأمر على مجرد مشاعر اعجاب.
أميرة : عارفة يا حبيبى ، ومش مصدقة ازاي دا حصل اصلا ، كل ما بفكر في الموضوع بحسه مش مقبول ؟ ومش فاكرة اني قولت لحد كلمة بحبك غير ليك انت وبس ,يمكن .. اللي حصل يكون مجرد .. رد فعل طبيعى ، مش عارفة ازاي اشرحلك ، شخص أعجب بيا وحاول يتقرب مني ، مقدرتش ارفض مشاعره بس بس ,, أف مش عارفة بقي !
حازم : ولا يهمك ياحبيبتي اي حاجة حصلت قبل كدا بقت ماضي خلاص ومش عاوزينه يأثر على حاضرنا ومستقبلنا ، مش كدا ؟
أشرق وجهها البيضاوى بابتسامتها المنيرة وهى تربت على كفه الأسمر لتؤمّن على كلماته وقالت له بانبهار:
-مستقبلنا ؟
حازم : انتي نسيتي أننا متجوزين ولا اي يا حبى , هيا راسك رجعت توجعك ونسيتي تاني ؟ لو حاس ...
قاطعته بلهفة عاشقة متيمة:
- هو انا اقدر انسي تاني ؟ مش كفاية السنين اللي ضاعت من عمرنا وكل واحد مننا فى مكان بعيد عن التاني ؟
حازم : صدقينى يا حبيبة قلبي وعقلي انتي مفارقتيش بالي لحظة واحدة ,كانت صورتك دايما في خيالى في كل وقت وفي كل مكان.
ثم اندلعت من عينيه نظرة شيطانية وهو يأسرها بين ذراعيه حتى انحبست أنفاسها ,وانبلج الصباح من عتمة الليل.
****************متنسوش الفوت وتعملوا شير للرواية ياقمراتي😘😘

أنت تقرأ
(عشقت صيادي)
Romantikكانت حياتها كالبحر الهادئ بلا أمواج🏝، وما ان عصفت الريح بدفتها حتي بحثت عن شاطئ ترسو عليه سفينتها . فتحطمت أحلامها البريئة علي صخور جزيرته النائية🏕 ، ولكنها قاومت دوامة سيطرته القوية رافضة أن تغرقها في القاع . وادرك هو أن ليس كل مايلمع فهو ذهب،...