الحلقة الثانية : درب القلوب

4.8K 94 76
                                        

انتهى الحوار بين نازلي وجدّها الحاج كريم، بعد لحظة صمت دافئة. رفعت رأسها إليه وقالت:
– "جدّي، أعِدك أنني سأحافظ على صحتي، وسأخبرك بكل شيء. أنت نور قلبي."

ابتسم الحاج كريم، وأجابها وهو ينهض ببطء:
– "وأنا أعِدكِ أن أكون إلى جانبك دائمًا، حتى آخر نبضة في قلبي."

غادر الغرفة، ونازلي ما زالت تحمل أثر كلماته على وجهها. تنهدت ثم نهضت باتجاه غرفة ريم، ابنة عمها.

ريم كانت تجلس أمام المرآة، تسرّح شعرها الطويل وهي تغني بصوت منخفض، وما إن دخلت نازلي حتى ابتسمت قائلة:
– "آهلاً بطبيبتنا الصغيرة، هل انتهيتِ من الدرس مع الجد؟"

ضحكت نازلي برقة، ثم جلست على طرف السرير:
– "كان درسًا في الحب والخوف، كما هي العادة."

ريم نظرت إليها بشيء من المزاح:
– "أحيانًا أشعر أن جدي يحبك أكثر من الجميع."

ابتسمت نازلي وقالت:
– "هو لا يحبني أكثر، بل يخاف عليّ أكثر. خصوصًا مع قلبي الذي يتعب أحيانًا."

ريم أصبحت جديّة فجأة، ثم أمسكت بيدها:
– "أتعلمين، أمي تقول إنك أقوى مما تبدين. قلبك قد يكون ضعيفًا، لكن روحك فولاذ."

دخلت أم علي – السيدة مريم – تحمل صينية صغيرة فيها كوب من الزهورات الدافئة، وقالت وهي تضعها قرب نازلي:
– "هذا لكِ يا ابنتي، فيه راحة لقلبك، وطمأنينة لروحي."

جلست نازلي على الأريكة بجوار ريم، كانت نظراتها متعبة رغم ابتسامتها. كانت تحاول أن تُخفي شعورًا خفيًا لا يفارقها… الخوف.
لاحظت ريم ذلك وقالت:
– "هل أنتِ بخير حقًا، نازلي؟ يبدو أنكِ متعبة."

نازلي هزّت رأسها بهدوء، وقالت:
– "أنا فقط... أُفكّر كثيرًا. الامتحانات تقترب، وضغط الدراسة لا يرحم، خاصة في الطب. وكل هذا... وقلبي لا يتوقف عن التذكير بأنه هش."

اقتربت ريم منها وقالت بلطف:
– "لكن روحكِ أقوى من مئة قلب، نازلي. لا تنسي هذا. حتى في الجامعة، الكل يراكِ مختلفة، لستِ كباقي الطالبات."

نازلي ابتسمت بضعف:
– "أحيانًا أتمنى لو كنتُ عادية. لستُ قوية كما تظنون."

دخلت خالة نازلي – السيدة مريم (أم علي) – في تلك اللحظة، تحمل معها طبقًا صغيرًا فيه تمر وحليب.
– "عزيزتي نازلي، لم تأكلي شيئًا منذ الصباح، وهذا لا يجوز لفتاة تدرس الطب وتُعاني من قلبٍ ضعيف."

نازلي نهضت فورًا احترامًا، وقبّلت يد مريم:
– "خالتي... أنسى نفسي أحيانًا بين الأوراق والمراجع، شكرًا لاهتمامكِ الدائم."

مريم جلست أمامها وقالت:
– "أنتِ لستِ غريبة، نازلي. أنجبتُ ولدًا واحدًا، لكنّ الله أرسل لي ابنة بقلبكِ."

اغرورقت عينا نازلي بدموع دافئة، وقالت:
– "ربيتِني يا خالتي وكأنكِ أمي... لا، بل كنتِ أمي حقًا."

ملاكي الحارس 12:01حيث تعيش القصص. اكتشف الآن