في ظهيرة يوم الجمعة، ازدانت المزرعة بهدوء مهيب يسبق العاصفة… الجميع في طريقهم إلى الجلسة العائلية، وقد أُبلغوا أن الجد سيُلقي "كلمة مهمة". لم يكن أحد يعرف ما سيُعلن، سوى أولئك الذين شاركوا في التخطيط بصمت.
في إحدى زوايا الحديقة، كانت أم سالم تجلس تحت ظل شجرة التوت، تتحدث مع سُرى بنبرة غير راضية:
— "أشعر أن شيئًا ما يُدبَّر، علي يبدو هادئًا أكثر من اللازم."
سُرى، وهي تقلب في هاتفها، ضيّقت عينيها وقالت:
— "أجل، لا يُشبه ذلك الهدوء إلا ما قبل الزلزال."
لم تكد تُتمّ عبارتها، حتى تعالت أصوات خفيفة من الداخل، ثم خرج الجد الحاج كريم، مستندًا إلى عصاه، وبجانبه علي ونازلي.
نظر إليهم الجميع، وخيّم الصمت، ثم قال الجد بصوت جهوري:
— "أحبتي… يسعدني أن أُعلن اليوم، وبكل فخر، خطبة حفيدي علي على نازلي، حفيدتي التي ربتها أيادي مريم وابني طارق. وسنلبس الخواتم الآن، بحضوركم، عائلتي."
انطلقت الزغاريد، وتعالى التصفيق، بينما شهقت أم سالم وكأن صدرها اختنق بغبار الزمن.
همست بانفعال:
— "ما هذا الجنون؟ كيف؟ متى؟ ومن سمح بهذا؟"
أمّا سُرى، فقد احمرّ وجهها من شدة الصدمة، ثم قالت بغلّ:
— "لقد خُدِعنا… طوال هذه الأسابيع، كانا يمثلان الخصام، ثم يخرجان بهذا الإعلان؟!"
راقبتهما ريم من بعيد، وهي تبتسم بسخرية، ثم اقتربت وهمست:
— "توقعت أن تسقط الأقنعة يومًا، لكني لم أظنّ أنها ستسقط بهذا الجمال."
ارتبكت أم سالم، ولم تجد ما تقوله، سوى أنها تمتمت بكلمات غير مفهومة، بينما كان الناس يتجمّعون حول علي ونازلي ليهنئوهم، والعين تلمع بالدهشة والفرح.
اقترب الجد من أم سالم، وقال بهدوء لم يخلُ من الرسائل:
— "كنت أراكِ أماً حكيمة… رجاءً، لا تجعلي من هذه الخطوة بدايةً لمتاعب جديدة."
أطرقت برأسها، وكأن الأرض التهمت لسانها.
أما سُرى، فقد خرجت بخطى سريعة، تخفي دمعة قهرٍ لا تريد أن يراها أحد.
في تلك اللحظة، كانت نازلي تنظر إلى علي وتهمس له:
— "هل تظن أننا كشفنا الفاعل؟"
ابتسم وقال:
— "لقد حُصِدت أولى الثمار… وما زال الوقت كفيلًا بكشف الجذور."
كانت سُرى تمشي بخطى سريعة، يعلو وجهها الغضب والخذلان، إلى أن وصلت إلى زاوية المزرعة حيث كان سالم يجلس وحيدًا، يعبث بحجر صغير، وكأنه يُلقي به عناء الأيام الأخيرة.
